الدعوة السلفية تأصيل لعقيدة - هذا ما وجدنا عليه آباءنا -
أقصد بالسلفية هنا كل مذهب أو تيار أو جماعة تريد إرجاع الناس للماضي وإقناعهم أن تاريخ المسلمين وتراثهم طاله التقديس ، وأصبح ينافس القرآن الكريم في قدسيته وصدقه ، بل الأكثر من هذا اعتبار المسلمين السابقين مقدسين أيضا ، وأنهم عاشوا بلا خطأ ولا خطيئة ، وأقاموا دولا أطلقوا عليها الخلافة الإسلامية وهي في معظمها تخالف جوهر الإسلام ، في محاولة لإقناع الناس أن تلك الدول كانت تقيم العدل والحرية وحقوق الإنسان ، لإقناع البسطاء أن نجاة الأمة هي بالعودة للخلافة الإسلامية ، وتطبيق ما كان عليه الخلفاء وتابعيهم وكل من تبعهم ، وحين تحاول إقناعهم أن هؤلاء بشر يخطئون ويصيبون ، ولا يجب أن نقدسهم أو نصفهم بالعصمة ويجب اتباع سنة الله واتباع ما اتبعه رسول الله ، يقولون أنت حاقد على الصحابة والخلفاء ، لأنهم أفضل الخلق ، وقد تطرف شيخ الأزهر السابق حين قال أن احترام الصحابة هو الركن السادس من أركان الإسلام ، ولا يمكن وصف ذلك إلا أنه تحريف واضح لحديث من أحاديثهم المقدسة التي يعتبرونها فوق القرآن الكريم.
والسؤال هنا : لماذا يصر هؤلاء على اتباع السلف أو العودة لدولة الخلافة أو الرجوع بالمسلمين عشرات القرون بهدف الاقتداء بقلة من البشر لم يوحى إليهم ولم يكونوا أنبياء.؟ وفي المقابل ترك وهجر القرآن الكريم.؟
أولا: العودة لهذا الزمان والدعوة للاقتداء بغير الأنبياء مخالفا للقرآن الكريم ، وهدفها الأساسي استعباد المسلمين باسم الدين الإسلامي ، واستغلال اسم الإسلام للضحك على عقول الناس وقهرهم وقمعهم ، والتحكم فيهم وفي ثرواتهم ، كما يحدث في كثير من البلاد العربية وفي مقدمتهم السعودية.
ثانيا : معظم أصحاب هذه الدعوات يتمتعون بالمرض النفسي ناهيك عن الكذب والخداع والنفاق واستغلال الظروف لمصالحهم وقد ظهرت كل هذه الصفات واضحة بعد الثورة في تناقض الإخوان والسلفيين وأرباب التيارات الدينية جميعا مع انفسهم وتضارب تصريحاتهم ومواقفهم ، واستغلالهم للثورة لمصالحهم الشخصية على الرغم أن الثورة لم تحقق أي هدف كامل من اهدافها حتى الآن.
ثالثا : وهو الأهم إن الدعوة لاتباع السلف ، والدعوة لاتباع السابقين ، والدعوة لاتباع تدين صنعه البشر هو بكل وضوح تأصيل لعقيدة "هذا ما وجدنا عليه آباءنا". وهي عقيدة كان يؤمن بها ويدافع عنها جميع البشر قبل الإسلام في الأمم السابقة ، التي كانت تحارب أنبياء الله ، وترفض اتباع رسالة النبي المنزلة من عند الله ، حيث كانوا يقولون للأنبياء على سبيل المثال (قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ)يونس :78 ، وقوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ) لقمان :21 ، ويقول تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) المائدة 104 ، وآيات أخرى كثيرة منها ( البقرة 170 ، الزخرف 22 ، 23 ، والآيات في سورة الشعراء من الآية رقم (69 : 78) تشرح الحوار بين إبراهيم عليه السلام وقومه حين ناقشهم في حقيقة ما يعبدون من دون الله من أصنام ، فردوا عليه قائلين (قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) ، وهي نفس العقيدة عقيدة ما وجدنا عليه آباءنا التي توارثها البشر عبر الأجيال ، وكأنها تنتقل إلى الناس عبر الجينات الوراثية ، ولكن السبب الحقيقي في استمرار هذه العقيدة وثباتها في قلوب معظم الناس أن المسبب واحد أي الشيطان واحد لم يتغير فهو الذي يزين للإنسان سوء عمله فيراه حسنا ليضله عن سبيل الله ويضله عن الذكر أي القرآن ، يقول تعالى (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ ) فاطر : 8 ، ( لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً )الفرقان :29
التفاصيل:ــ
من المعلوم أن جميع الأنبياء والرسل جاءوا بدين واحد لا ثانيَ له هو الإسلام (إن الدين عند الله الإسلام) ، كما بين القرآن العظيم أن الله جل وعلا قد فضل بعض أنبياءه على العالمين يقول تعالى (إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ)آل عمران :33 ، فإذا كان هؤلاء حقا يريدون الخير للمسلمين فعليهم بدعوة المسلمين في كل مكان إلى اتباع أفضل خلق الله واتباع من وصفهم الله بأنهم الأفضل ، ويجب عليهم الاقتداء بملة إبراهيم ، لأن الأنبياء من بعده اتبعوه وحاولوا تصحيح ما حدث من أخطاء عقيدية وما نتج من تدين بشرى بجانب الدين الإلهي العظيم ، الى أن نزل القرآن الكريم يصحح التشوهات العقيدية التي أنتجتها العصور منذ إبراهيم وحتى بعثة خاتم النبيين عليهم جميعا السلام.
و يجب أن نعلم جميعا أن جميع الأنبياء والمرسلين بعد إبراهيم عليه السلام جاءوا لتصحيح ما أفسده الناس في ملة إبراهيم ، وما حرفوه وأدخلوه عليها من اكاذيب وعقائد فاسدة تدعو إلى الشرك مع الله آلهة أخرى ، وهذا ما كان يبلغه جميع الانبياء من بعد إبراهيم لأقوامهم ، حيث كانوا يدعونهم لعبادة الله وحده لا شريك له ، والابتعاد عن عقائد الشرك وترك ما وجدوا عليه الآباء ، والكفر بكل العقائد التي تخالف دين الله وتخالف رسالة أنبياءه.
وتكرر هذا الخطاب مع العديد من الأنبياء بعد إبراهيم عليه السلام ، يقول تعالى يبين ما وصى به نبي الله يعقوب عند موته (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) البقرة:133 ، ويقول جل وعلا عن يوسف ابن يعقوب عليهم جميعا السلام (وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ) يوسف : 38 ، وكما أشرت من قبل أن الله تعالى قد اصطفى وفضل آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ، وكذلك فالمولى جل وعلا يجعل أحسن دين يمكن أن يتبعه الإنسان هو ملة إبراهيم يقول تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰاهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً)النساء :125 ، هذه الآيات نزلت أولا على خاتم النبيين عليهم جميعا السلام ، ثم لنا من بعده ، فكيف يكون أمر الله لخاتم النبين أن يتبع ملة إبراهيم حنيفا لأنها الأفضل ، ثم نجد اليوم من يريد جر المسلمين لاتباع مجموعة من البشر لم يوحى إليهم من السماء ولم يفضلهم الله كما فضل أنبياءه ، ونترك ملة إبراهيم التي جاء القرآن ونبيه الخاتم لتصحيحها ودعوة الناس إليها ، ألا يعتبر هذا محاربة لله ورسوله .؟.
ومن عجب أن يغضب أرباب التيارات الدينية حين يسمعون كل مسلم يدعو الناس إلى عبادة الله وحده بلا شريك ، أو يدعو الناس إلى عدم تقديس غير الله ، حتى لو كان نبيا مرسلا والاحتكام في كل هذا للقرآن الكريم رسالة خاتم النبيين ، ولو أتيحت لهم الفرصة لقضوا عليه لتخلوا لهم الساحة يفعلون بعقول الناس ما يشاءون ، وهذا الغضب أو رد الفعل عند سماع القرآن وحده هو أمر متكرر حدث كثيرا وأشار إليه القرآن الكريم يقول تعالى (وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) الزمر :45 ، وهذا تحديدا ما يحدث هذه الأيام حيث يهتم معظم المسلمين بسماع خطب الشيخ فلان أو علان ، وحين تقول له القرآن يقول كذا يولى مستكبرا كأن لم يسمع ما تقول ، ويفضل أقوال مشايخ الدين من البشر يقول تعالى (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)لقمان :7 ، (يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)الجاثية :8 ، وهذه حقائق نتعرض لها اليوم وكل يوم منذ سنوات ، يفضل معظم المسلمين أقاويل البشر مثل أحاديث البخاري ، وكتب التفاسير ، وفتاواى مشايخ الوهابية ويتعاملون معها بكل تقديس واحترام ، وإذا قيل للواحد منهم أن ربنا جل وعلا يقول كذا وكذا في القرآن قد يصل غضبه بأن يرد قائلاً : وما الذي أدراك أن القرآن الكريم من عند الله ، طالما تكذب بالأحاديث ، معللين ذلك بقولهم (أن القرآن والأحاديث وصلا إلينا بنفس الطريقة) ، و أظن أن هذا هو الهدف الأساسي الذي كتبت من أجله الأحاديث وتم تلفيقها لخاتم النبيين وهي ترسيخ عقيدة أنه لو تم تكذيب الأحاديث فلابد من الطعن في القرآن.
كلمة أخيرة:
إذن نحن أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن تتبع دين الله المنزل من عنده على رسله وأنبياءه دون ان تفرق بينهم ، وبذلك ستنجو بنفسك من عذاب الآخرة يقول تعالى (قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)آل عمران :84
وإما أن تؤمن بما وجدنا عليه آباءنا وتهجر القرآن الكريم وترفض اتباعه وبذلك تتحمل مسئولية نفسك أمام الله في الآخرة يقول تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ)لقمان :21
فإذا كان دعاة الدولة الدينية أو الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية يريدون الخير للمسلمين فعليهم باتباع ما كان يتبعه خاتم النبيين نفسه ، وهي ملة إبراهيم حنيفا كما وضح القرآن الكريم (ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ)النحل :123، فهذه هي دعوة القرآن الكريم ، الذي هجره المسلمون وفضلوا عليه أقاويل بشرية ، والآيات في سورة الفرقان من الآية (21 : 30) تبين الموقف يوم الحساب وندم الكافرين والظالمين وكيف يعض الظالم على يديه ، وندمهم أنهم لم يتخذوا مع الرسول طريقا ، وأنهم نادمون على مصداقة فلان الذي أضلهم عن الذكر (القرآن) ، وفي آخر الآيات يقول خاتم النبيين وصاحب الرسالة الخاتمة أن قومه قد هجروا القرآن(وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً)الفرقان:30
ودائماً صدق الله العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق