الثلاثاء، 14 سبتمبر 2010

تعليقا على مسلسل الجماعة .... الجزء الثالث والأخير

تعليقا على مسلسل الجماعة .... الجزء الثالث والأخير





بداية مرحلة جديدة ومختلفة لأنشطة الجماعة توضح بعض الحقائق التاريخية وتعبر بوضوح عن أفكار جماعات الإسلام السياسي وتظهر كيفية استغلالهم الدين للوصول لأهداف سياسية حتى لو كانت هذه الجماعات في بداية نشأتها تعلن أن منهجها الدعوة فقط وعدم التحدث في أمور السياسة وهذا الجزء يبين كثير من الحقائق التاريخية التي تخفى على معظم المسلمين كما يظهر فيه تضارب الأقوال للمرشد في رأيه في اهتمام وانشغال الجماعة بالسياسة من عدمه ، ويظهر أيضا بعض الآراء المخالفة لفكر ومنهج الجماعة ومن على شاكلتها من جماعات الإسلام السياسي ، ويبين أن الإسلام ليس حكرا على أحد وليس ملكا لأحد وليس من حق أحد أن يدعى أنه مسؤل عن الإسلام وحده ، ويظهر ويبين حقائق تاريخية عن الخلافة الإسلامية ، ويبين أيضا حقيقة هامة أن علماء الإسلام بشر وليسوا معصومين من الخطأ وكل إنسان يخطيء ويصيب ، وبالطبع كل هذه الحقائق التي لم يتعرض لها من قبل أي باحث أو مفكر إسلامي تدعم وتؤيد ما ذهبنا إليه من قبل أن الكاتب وحيد حامد قد تأثر بكل ما كتبه الدكتور منصور عن تاريخ هذه الجماعة من ناحية ن وكل ما كتبه عن التاريخ الإسلامي لتجلية حقائق الإسلام وإبعاده وتبرئته من كل تطرف أو عنف أو إفتراء لحق به ، وجعل كل تصرف منسوبا لصاحبه ولا شأن للإسلام بما فعله المسلمون।!!


وإليكم التفاصيل كما جاءت في المسلسل:


32ـ بدأت هذه المرحلة باستخدام مفردات ومصطلحات وكلمات جديدة على البيئة المصرية ولا علاقة لها بالهوية المصرية على الإطلاق مثل ( جهاد ـ مجاهد ـ جند ـ جنود ـ كتيبة ـ كتائب ـ معركة ـ فتح ـ غزوة ـ جنود الله ـ شهادة ).

33ـ تفكير المرشد في ربط الجماعة برباط المصالح المالية مثل المساهمة في مشروع المطبعة لتكون الرابطة بين أفراد الجماعة أفضل وأقوى لأن من مصلحة الجماعة أن يربط أفرادها مصالح مشتركة.

34ـ ونفس المبدأ كرره المرشد في عام 2005 حيث قال ما يبين زواج المصالح السائد والمنتشر بين الأخوان لدرجة جعلته يطالب السيدات بالخروج في المظاهرات بأطفالهن حتى يحمى الرجال من هجوم الأمن ولو رفضن فعليهن العودة لبيوت آبائهن لأنهن لم يتزوجن للأكل والشرب والنوم في البيوت.

35ـ نصائح من المرشد لدعاة الجماعة بأن يحدثوا الناس بما يرغبون في سماعه ويستولى على قلوبهم وأفئدتهم و على الداعية أن يحدثهم بما يحبون لا بما يحب هو وعليه أن يجاري ميولهم ورغباتهم وليس ميول الداعية وبهذا يحصل الداعية على القبول وعلى الرضا وهذه نصيحة مجرب.

36ـ التعود على الطاعة التامة داخل كتائب الجماعة مثل الأكل في الشبع والنوم بلا رغبة فيه.

37ـ وضع تعريف للجماعة لكل من يسأل عنها بأنها ( دعوة سلفية ـ وطريقة سنية ـ وحقيقة صوفية ـ وهيئة سياسية ـ وجماعة رياضية ـ ورابطة علمية وثقافية ـ وشركة اقتصادية ـ وفكرة اجتماعية ) فهي باختصار دولة داخل الدولة.

38ـ إظهار هذا التعريف للجماعة أنه ينذر بدولة دينية والتحذير من الدولة الدينية وضرب نموذج للخلافة العثمانية وهل هي حكمت شعوب المسلمين بالعدل ، ليس هذا فحسب فجميع الخلافات الإسلامية بعد خلافة علي ابن أبي طالب غير عادلة والحقيقة أن أفراد الجماعة لا يقرأون التاريخ ، وبالتحديد إظهار ما فعلته الدولة الأموية من توسيع ملكهم وأطلقوا عليه فتوحات لكنه توسيع ملك و ليس انتشار دين ، وكذلك الدولة العباسية ، وكذلك الجماعة فهي تريد ملك قبل أن تريد الدين.

39ـ متابعة الشيخ رشيد رضا والشيخ محب الدين الخطيب خطوات الجماعة وانتشارها ومدى نجاح البنا ، والمطالبة من كلاهما بأنهم يريدون فعل وعمل من الجماعة ورد عليهم المرشد أنه ينتظر تجهيز 300 كتيبة من الأفراد المتميزين من الجماعة المسلحين بالعلم والقوة.

40ـ ضياع الشريحة أو الطبقة المتوسطة في مصر بين رأسمالية مشتركة من الجماعة ومن رجال الأعمال ومشاريعهم واستثماراتهم ونفوذهم وهذه الشريحة كانت الأغلبية وكانت تحمل مصر على أكتافها منذ فترة طويلة.

40ـ إباحة الانتهازية والكذب عند الضرورة عملا بمبدأ الضرورات تبيح المحظورات ، وصف الجيل الحالي أنه يدخل الجماعة عن جهل وعدم دراية وقلة معلومات.

41ـ موقف الأخوان من الفن عموما ـ الشيخ حسن البنا كـوَّن فرق تمثيل مسرحية وقدمت مسرحيات وهذا تاريخ لا يستطيع أحد إنكاره ولكن أخوان هذا العصر يقومون بالتعتيم على هذا الأمر بلا داعي ، وسمى هذا الفن بالفن الهادف الذي يسعى لتحقيق هدف معين يخدم مصالح محدده ، كـوَّن حسن البنا فرق مسرحية من جورج أبيض وأحمد علام وعباس فارس وكان هؤلاء أبطال مسرحية جميل وبثينة وكاتبها عبد الرحمن البنا شقيق حسن البنا وكان معهم محمود المليجي وعزيز أمين وفاطمة رشدي وحسن البارودي ، حسن البنا أنشأ فرق مسرحية مثلما أنشأ فرق رياضية وفرق للجوالة وفرق للخطابة ، وكان لكل شعبة فرقة مسرحية خاصة بها ، ورغم هذا لم يحدد موقفه من حبه للفن من عدمه ، رغم تعامله مع كبار الفنانين أمثال عبد المنعم إبراهيم وعبد المنعم مدبولي وحمدي غيث وشفيق نور الدين ، فكل هؤلاء اشتغلوا في فرق الأخوان المسرحية رغم أنهم ليسوا أخوان وكانت علاقة حسن البنا بالفنانين علاقة طيبة عكس مشايخ كثيرين في هذه الأيام ، فكان يتعامل مع الفن لخدمة الدعوة ، ولذلك أهمل المسرح تماما بعدما قويت الجماعة واشتد بنيانها.

42ـ ولاء الجماعة للملك فؤاد والملك فاروق من بعده وعقد صفقة واضحة مع رئيس الوزراء علي ماهر ضد حزب الوفد.

43ـ يبرر المرشد انشغاله بالسياسية بأن السياسة جزء من الدعوة وصلاح أحوال الناس مرتبط بصلاح أحوال الدين.

44ـ رؤية ونصيحة المرشد للملك وقوله بأن أفضل صورة يحب أن يراها الناس للملك وهو داخل المسجد يركع ويسجد للمولى عز وجل ، متجاهلا حب الناس لأن يقيم الملك العدل ويرعى مصالحهم ويدبر شئونهم ويعمل جاهدا من أجل مصلحة البلاد ، وتناسي أن الصلاة لابد أن تكون خالصة لوجه الله تعالى لا لجلب الشعبية وحب الناس وهنا تتحقق قاعدة (أن السياسة تفسد الدين).

45ـ محاولة على ماهر رئيس الوزراء وضع الملك في حالة من التدين الظاهري والمراد منها زرع فكرة الخليفة في عقل الملك الفتي ليكون خليفة للمسلمين كما فعلوا من قبل مع والده ، ولا يعلم هؤلاء أن عصر الخلافة ولّى ، وأن جميع بلاد الإسلام لم تنعم بالعدل في وجود هذه الخلافة ، وأن الخلافة الحقيقة كانت في عهد الخلفاء الراشدين لكن بعد ذلك تحولت لملك (ملك يحكم باسم خليفة) ، ومن هنا يظهر الخوف من السلطة الدينية التي تستمد شرعيتها من الله جل وعلا لذلك لا يمكن توجيه نقد إليها أو أي اعتراض على أي شيء لأن أي نقد أو اعتراض سيكون موجها للمولى عز وجل حسب زعمهم ، وإظهار الرفض التام لإقحام الدين فيما ليس من شئونه ورفض وجود أي سلطة دينية خاصة بجانب السلطة المدنية.

46ـ الإشارة إلى منهج الإمام محمد عبده ووصفه للإسلام أنه نظام مدني وليس نظام سياسي وأن كل من يلعبون بالدين لا يعلمون شيئا عن الإمام محمد عبده.

47ـ تعريف الدولة الإسلامية حسب المرشد : أن يكون للبلاد الإسلامية حاكم واحد ، ويكون له الولاية الكاملة على كل بلاد المسلمين ، لكنه قبل الحاكم الإسلامي لابد من وجود الدولة الإسلامية وهي تعني بحسب المرشد( مجتمعا إسلاميا ـ ثقافة إسلامية ـ اقتصاداً إسلامياً ـ تعليما إسلامياً ـ تربية إسلامية) ، فيجب تجهيز الناس أولاً لاستقبال الدولة الإسلامية وعندما يتم تجهيز الناس تماماً يأت الخليفة ويحدث هذا التجهيز بنشر الأفكار بين العامة والخاصة ، ولابد لهذه الأفكار من رجال لصناعتها وترويجها بين الناس ، فهذا هو منهج الجماعة.

48ـ تصوير الجماعة على أنها دولة داخل دولة ولابد أن يكون لها مصادر متعددة للتمويل لأن اقتصاد الدول لا يقتصر على مجال واحد فلابد أن يكون هناك زراعة وصناعة ومعاملات مالية وهذه الأنشطة في المضمون تابعة للجماعة أما في الظاهر أمام الناس فلا يجب أن تظهر على أنها تابعة للجماعة.

49ـ الزي الإسلامي وسبب انتشاره ، أوضح المرشد نفسه أن الزي الإسلامي سببه هو تمييز الأخوان عن غيرهم من الناس حتى يعرف الأخوان بعضهم بعض ويكون تواجدهم بين الناس محسوس وملموس.

50ـ جماعة الأخوان ضد الدولة المدنية والحكم من وجهة نظرهم هو استبداد ، والدليل اهتمام المرشد بشراء السلاح بنفسه لأنهم رجال الحق والجهاد ، والسلاح للجهاد في سبيل الله ، وقام المرشد بتجنيد صاغ سابق في الجيش لتدريب الشباب المجاهدين على فنون القتال.

51ـ شباب الجماعة يريدون تزوير التاريخ حين قالوا أن ثورة 19 كانت ثورة إسلامية ضد ظلم الانجليز ، ونسوا أنها كانت ثورة مصرية ثورة وطنية كان فيها المسلم جنب النصراني الصعيدي جنب البحراوي من يصلي جميع الفروض جنب من لم يدخل الجامع من قبل من يذهب للكنيسة كل يوم أحد جنب من لم يدخلها ، وكانت هذه بداية خناقة بين شباب الجماعة وشباب حزب الوفد انتهت بفوز شباب الأخوان لأنهم تعلموا كيفية الدفاع عن أنفسهم ضد غيرهم.

52ـ تجنيد جواسيس داخل الأحزاب الأخرى للتجسس ونقل الأخبار للجماعة ، مثلما حدث مع الأخوين جلال عنبر وذكي صالح من حزب مصر الفتاة الذي يرفع راية الإسلام مثل الجماعة واعتبرته الجماعة منافسا لها حينما كسَّر شباب الحزب أحد الخمارات فخافوا أن يأخذ حزب مصر الفتاة لقب المدافع الأول عن الإسلام ، استغلال الإسلام وجعله وسيلة للوصول لأهداف وطموحات شخصية خاصة بالجماعة والانزعاج الشديد من ظهور منافس للجماعة يستغل الدين للوصول لأهداف مشابهة ، وصف تكسير الخمارات بأنه عمل طائش ولا يخدم الإسلام وأن الإسلام جاء لعبادة الله جل وعلا وأن خاتم النبيين عليهم جميعا السلام ظل ثلاثة عشر عاما يصلي في الكعبة وبها أصنام ولم يفكر في تكسير الأصنام.

53ـ الإعلان الحقيقي عن بداية مرحلة جديدة للجماعة حيث تنتقل الجماعة من مجرد الدعوة بالكلام وحده إلى الدعوة بالكلام المصحوب بالنضال والأعمال بالتوجه لقيادات الدولة ومؤسساتها وشيوخها وزعمائها تدعوهم إلى منهج الجماعة ، وسيتم مخاصمة جميع الأحزاب بالدولة خصومة شديدة فإن لم يستجيبوا للجماعة ويتخذوا تعاليم الإسلام منهجا يسيرون عليه ويعملون له ، فإما ولاء وإما عداء ، وهنا يكون إمام الجماعة هو الإمام القائم على الحل والعقد في الإسلام والخروج عن الإمام والجماعة يعني الخروج عن الإسلام ذاته والخارج عن الإسلام ليس له إلا السيف ، ومن العوامل المساعدة في هذا التطور في سلوك الجماعة هو تأييد الملك ورئيس الوزراء وشيخ الأزهر حامي حمى الدين.

53ـ مقال المرشد بعنوان "استعدوا يا جنود" استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه ولا يلتفت لأحد امضوا حيث تؤمرون خذوا هذه الأمة برفق فما أحوجها إلى العناية والتدليل وصفوا لها الدواء فكم على ضفاف النيل من قلب يعاني وجسم عليل أعكفوا على إعداده في صيدلياتكم ولتقم على إعطاءه فرقة الإنقاذ منكم فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعها الدواء بالقوة فإن وجدتم في جسمها عضوا خبيثا فاقطعوه أو سرطانا خبيثا فاستأصلوه استعدوا يا جنود فكثير من أبناء هذا الشعب في آذنهم وقر وفي عيونهم عمى.

54ـ نظرية السيف في الإسلام وتشبيه القوة بالدواء المر الذي لابد أن يشرب منه الكل لكي يرتدع ، وقوله إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب الله لها الحياة العزيزة والنعيم في الآخرة..

55ـ الكذب مباح ومتاح عند الضرورة وذنبه مغفور عملا بمبدأ الضرورات تبيح المحظورات.

56ـ منهج التنظيم السري الذي أسسه حسن البنا هو الأصل والأساس في كل التنظيمات السرية في مصر وفي كل البلاد حول مصر وهذا التنظيم السري هو سبب كل بلاء حدث من الأخوان أو كل بلاء حل على الأخوان.

57ـ اهتمام الجماعة بأمور السياسة والتغييرات السياسية في الدولة وتفاؤلها بوزارة عن وزارة وتسمية إحدى الوزارات بوزارة الحبايب والدعاء لها بطول العمر والاستعداد للوقوف بجانبها ودعمها رغم أن الجماعة تقول على نفسها جماعة دينية.

58ـ حسب المرشد إن الحق تلزمه القوة والجماعة جماعة حق ولكن بلا قوة والقوة لازمة وضرورية وآن الأوان للجماعة ليكون لها جيشها الخاص والمدرب والمسلح غير الجيش العلني للجوالة وهذا الجيش هو التنظيم السري للجماعة الذي من مهامه إحياء فريضة الجهاد ومن يفشي سرا من أسرار هذا التنظيم يحل قتله ، والعمل في هذا التنظيم جهاد في سبيل الله ولا مكان فيه لشخص ضعيف الإيمان ، واختيار شباب هذا التنظيم يتم بنفس الأسلوب والمواصفات التي تستخدم في الجهادية.

59ـ مواجهة المرشد بنقد واضح بالقول أن البيعة كانت على السمع والطاعة في أمور الدين وليس في أمور السياسة فما دخل الجماعة في أمور السياسة فالمرشد يتحدث في السياسة أكثر مما يتحدث في الدين ماذا حدث وأين الدعوة وكيف وقعت في أحضان الحكومة.؟

أجاب المرشد: الدين والسياسة لا ينفصلان الدين والسياسة شيء واحد وأهل الدين لابد أن يكونوا قادة في السياسة ورجال الدين بلا سياسة لا قيمة لهم ولا حول لهم ولا قوة.

هذا على الرغم أن الإسلام لم يقل أن حكام الإسلام لابد أن يكونوا من رجال الدين فالدين ثابت لا يطوله أي تغيير مهما حدث أما السياسة فكل ساعة في شكل وكل يوم في حال والثابت لا يحكم المتغير ، ولا كهنوت في الإسلام وعلماء المسلمين بشر وليسوا بمعصومين شأنهم شأن سائر الناس.

المرشد : الإسلام جهاد وعمل دين ودولة وجماعة الأخوان المسلمين ليست جماعة دراويش كل همهم الصلاة والصوم والعبادة ـ لا ـ الجماعة لها دور ـ فالدين شيء والسياسة غيره دعوة نحاربها بكل سلاح.

رأي يرى أن حل الجماعة هو إنقاذ لبلاد من عار يستتر خلف الدين

اعتراف المرشد أن اشتغال الجماعة بالسياسة كان خطأ كبير ، ومحاولة المرشد إرضاء الملك في مقابل الولاء الواضح للملك ومحاربة الشيوعية ، ويؤكد المرشد ذلك الولاء حين يقول (والله لو كانت لي دعوة واحدة مستجابة لدعوتها للسلطان فبصلاحه يصلح الله خلقاً كثيراً) وهذه دعوة مشهورة لابن حنبل.

بالرغم أن المرشد ذهب يطلب العفو والسماح والود وفتح صفحة جديدة إلا أنه كان يخطط لقتل رئيس الوزراء النقراشي باشا.

المرشد ـ اعتبار حل الجماعة خيانة يدل ويثبت أن الجماعة كانت في حالة تزاوج مع السلطة والنظام.

حالة الكره الشديدة التي ظهرت من جميع المسئولين تجاه الأخوان ، وذلك بعد الاعتراف بكل التفجيرات والاغتيالات التي قامت بها الخلايا السرية في الجماعة ، ويعترف المرشد أنها تمت بغير علمه أو إرادته ، وأن الأمور أفلتت من يديه أو أنه كان مضلل ، وأن حادثة التفجير التي حدثت بجوار المحكمة وكان مقصود منها مكتب النائب العام فيها تحد له هو شخصيا وفيها إرهاب للحكومة وأن الأمر قد خرج من يده ، وكان هذا بعد البيان الأول للمرشد.

البيان الأول للمرشد: لما كانت طبيعة الإسلام تتنافى مع العنف بل تنكره وتنقد الجريمة مهما كان نوعها وتسخط على من يرتكبها فنحن نبرأ إلى الله من الجرائم ومرتكبيها

وقوله أن التنظيم السري عياره فلت وتحميل مسئولية ما حدث لمن قاموا به وليس للجماعة دخل نهائي بما حدث، مما أثار حفيظة التنظيم السري فقاموا بمحاولة نسف مكتب النائب العام ردا على البيان الأول فرد عليهم المرشد بالبيان الثاني:

البيان الثاني: بعنوان "ليسوا أخوان وليسوا مسلمين"

وقع هذا الحادث الجديد حادث محاولة نسف مكتب سعادة النائب العام وذكرت الجرائد أن مرتكبه من الأخوان المسلمين فشعرت بأن من الواجب أن أعلن أن مرتكب هذا الجرم الفظيع وأمثاله ممن الجرائم لا يمكن أن يكون من الأخوان المسلمين ، وإنني لأعلن أنني منذ اليوم سأعتبر أي حادث من هذه الحوادث يقع من أي فرد سبق له الاتصال بجماعة الأخوان موجها إلى شخصه ولا يسعني إيذاءه إلا أن أقدم نفسي للقصاص وأطلب إلى جهات الاختصاص تجريده من جنسيته المصرية التي لا يستحقها إلا الشرفاء الأبرياء.

اعتراف المرشد بأن البيان هو الحقيقة ، وقسمه بأن الأيام لو عادت به سيكتفي بتعليم مائة رجل شاب تعاليم الدين القويم ، عبر عن ندمه قائلا ، ولذلك خلق الله الندم...



ومع هذا الجزء الأخير من البحث التأصيلي للدكتور / أحمد صبحي منصور ـ الذي يوضح فيه العلاقة التاريخية بين جماعة الأخوان والدولة السعودية.



الشيخ حسن البنا اعترف فى مذكراته "الدعوة والداعية"، بصلته بالشيخ حافظ وهبة والدوائر السعودية، والأستاذ جمال البنا شقيق حسن البنا يعترف بتلك الصلة بين شقيقه الأكبر، ووالده والسلطات السعودية فى كتابه "خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه"(8) والدكتور محمد حسين هيكل فى مذكراته عن السياسة المصرية يشير إلى معرفته بالشاب حسن البنا فى موسم الحج سنة 1936، وكيف أن حسن البنا وثيق الصلة بالسعودية ويتلقى منها المعونة، وكان البنا يمسك بيد من حديد بميزانية الجماعة، ولذلك فإن الانشقاقات عن الإخوان ارتبطت باتهام الشيخ حسن البنا بالتلاعب المالى وإخفاء مصادر تمويل الجماعة عن الأعضاء الكبار فى مجلس الإرشاد(8) وعن طريق الدعم السعودى استطاع البنا، وهو المدرس الإلزامى البسيط، أن ينشئ خمسين ألف شعبة للإخوان فى العمران المصرى من الإسكندرية إلى أسوان، واستطاع ألى جانب ذلك أن ينشئ التنظيم الدولى للإخوان عن طريق الفضيل الورتلانى الجزائرى المساعد الغامض لحسن البنا، وهو الذى فجر ثورة الميثاق فى اليمن لقلب الموازين فيها لصالح السعودية، وقد نجحت الثورة فى قتل الإمام يحيى، ولكن سرعان ما فشلت وتنصلت منها السعودية، ورفضت استقبال الفضيل الورتلانى بعد هربه من اليمن وظل الورتلانى فى سفينة فى البحر ترفض الموانئ العربية استقباله كراهية لدوره فى اليمن، إلى أن استطاع بعض الإخوان تهريبه فى أحد موانى لبنان، وانتقل منها إلى تركيا، ثم ظهر بعد ذلك كالرجل الثانى فى قائمة جبهة التحرير الجزائرية حين توقيع ميثاقها فى القاهرة سنة 1955 وكان بن بيلا فى ذيل القائمة.(9)
واكتشفت الحكومة المصرية بعد ما حدث فى ثورة اليمن سنة 1948 خطورة حسن البنا وتنظيمه السرى وكيف استطاع حسن البنا إجراء ثورة فى اليمن بالريموت كنترول. ولذلك كان التخلص من حسن البنا سياسياً بكشف أسرار التنظيم وما جرى إبان ذلك من حوادث عنف متبادلة.

ومعروف بعدها موقف الإخوان من تعضيد الثورة والخلاف بينهم وبين عبد الناصر، وتحالف السادات مع الإخوان، وعودة التيار الدينى السياسى للسيطرة على أجهزة الدولة فى التعليم والثقافة والإعلام مع عصر الثورة النفطية، ثم خلافهم مع السادات، وقتلهم له، واستمرار سيطرتهم فى عصر مبارك الذى آثر مطاردة الإرهاب المسلح مع التصالح مع الفكر السلفى الذى أصبح يقدم نفسه على أنه الإسلام.
وهنا ندخل على طبيعة الفكر السلفى التى أجهضت الاجتهاد المصرى فى الإصلاح الدينى لصالح الثورة السلفية।

الجزء الثانى : الطبيعة الفكرية للحركة السلفية السياسية

1 - حركة تعتمد على شعارات:

عن طريق مصر انتقلت الوهابية والنفوذ السعودى إلى شمال أفريقيا غرباً وإلى الشام واليمن والهند شرقا، ولا ينبغى هنا نسيان دور الحج بطبيعة الحال، وعزز من هذا الانتشار أن حجة الوهابيين قوية وحقيقية فى الهجوم على عبادة الأنصاب والقبور، وأن منهجهم يعتمد أساساً على الأحاديث المنسوبة للنبى عليه السلام، وأنه يقوم على عموميات لا يختلف عليها اثنان مثل صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان وإخلاص العقيدة لله تعالى.
وبانتقال الدعوة الوهابية إلى مصر وإجهاضها المشروع الإصلاحى التنويرى لمحمد عبده فقد تم قطع خط الرجعة على الدعوة، بحيث كان عليها أن تسير فى اتجاه واحد يمحو الاتجاه القديم للإصلاح والتنوير وبدلا منه يقوم بتجميع المسلمين نحو هدف واحد هو الحكم الاسلامى – فى الظاهر – والوهابى فى الواقع. وبدأ حسن البنا فى رفع لواء التجميع لكل المسلمين من صوفية وسنيين وقال كلمته المشهورة "هى رسالة سلفية وطرق سنية صوفية" وإذا كان مستحيلاً الجمع بين عقائد السنة والصوفية فإن البنا خرج من هذا المأزق بتأجيل البحث فى الخلافات على أساس تربية القيادات على المنهج السنى الوهابى وأثناء ذلك تظل الرايات مرفوعة عن شمولية الدعوة لكل الطوائف فى اتجاه هدف واحد هو الحكم بطبيعة الحال.

ومن طبيعة الحركات الدينية السياسية التقية، وأهم وسائل التقية رفع الشعارات المقدسة، فكذلك فعلت الدعوة الدينية السياسية التى تمخضت عن قيام الدولة العباسية، إذ كان شعارها "الرضى من آل محمد" وكذلك فعل ويفعل الإخوان حين يرفعون شعارات سياسية مقدسة مثل "القرآن دستورنا والرسول زعيمنا" ومثل "تطبيق الشريعة" ثم "الإسلام هو الحل" وبعد هذه الشعارات التى لا خلاف عليها ليس لديهم اجتهاد فقهى يناسب العصر وليس لديهم منهج فكرى للحكم أو برنامج سياسى لعلاج المشاكل السياسية والاجتماعية لأنهم طالما أجهضوا حركة الاجتهاد الفكرى والإصلاح الدينى فى سبيل الوصول للحكم فلم يعد أمامهم إلا استرجاع الفقه التراثى ومحاولة إخضاع العصر لمقولاته، بينما ينبغى أن يكون العكس هو الصحيح،أى الاجتهاد الفقهى لمقتضيات العصر بمثل ما اجتهد الفقهاء السابقون لعصرهم. ولو كانت تلك الحركة الدينية السياسية مصرية فى جذورها لأثمرت اجتهاداً فقهياً يناسب العصر حتى مع تركيزها على الثورة والهدف السياسى، فتلك هى الطبيعة المصرية التى ترغم بعض العناصر فى الأزهر على الإتيان بجديد، مع كون الأزهر أعرق مدرسة فى الجمود العقلى.

ولكن لأن جذور تلك الحركة ترجع إلى نجد فإنه ليس أمامها إلا اتباع الفقه الحنبلى التيمى الذى لم يجد ابن عبد الوهاب غيره أقرب إلى منهجه وإلى طبيعته المتشددة . صحيح أن هناك بعض التعديلات بين السطور كالذى نراه لدى محمد الغزالى والقرضاوى والشعراوى، ولكن هذه التعديلات القشرية لا تصل إلى المنهج الفكرى نفسه. والمنهج الفكرى للدعوة السلفية وحركتها السياسية هو تحويل الفكر إلى دين عن طريق التأويل، وهذه هى أولى الملامح الفكرية للحركة السلفية بالإضافة إلى الملمح الآخر وهو الثورية العنيفة الدموية. وبذلك يمكن أن نوجز ملامح تلك الحركة فى كلمتين، إنها "حركة ثورية معصومة" أو هكذا يعتقدون. ونتوقف قليلاً مع التأويل الذى جعل الحركة معصومة وجعل إطارها الفكرى ديناً يعاقب من يخرج عليه أو يناقشه بالقتل.
التأويل: حين نقول التأويل نقصد تأويل النصوص القرآنية وتزوير أحاديث منسوبة للرسول عليه السلام تعزز ذلك التأويل، واختراع مصطلحات جديدة عن تلك المفاهيم تخالف مصطلحات القرآن وما كان عليه النبى عليه السلام.
وخطورة التأويل بهذا الشكل أنه يقوم بتحويل الفكر البشرى إلى النقيض للدين السماوى الحقيقى، وبعد أن يتحول ذلك الفكر البشرى إلى دين كامل عن طريق التأويل والتزوير والمصطلحات الدينية الجديدة، يتقمص ذلك الدين البشرى دور الدين السماوى الحقيقى فى عقائد الناس حتى يصبح الخروج عليه خروجاً على دين الله تعالى يستلزم عندهم الكفر والقتل.

وللتوضيح نقول: إن دين الله تعالى ينزل كتاباً سماوياً ليس مؤلفاً من بنى البشر وتكون وظيفة الرسول النبى صاحب الرسالة هى مجرد التبليغ للرسالة كما هى دون زيادة أو نقص، ويكون الرسول النبى نفسه قدوة للمؤمنين فى التمسك بالرسالة وتطبيقها طبقاً لظروف عصره. ثم يوم القيامة يقوم الله تعالى مالك الدين ومالك يوم الدين بمحاسبة النبى ومحاسبة خصومه وأتباعه والبشر جميعاً على مدى تمسكهم بالكتاب السماوى.
ولكى الذى حدث أنه بعد موت النبى أخذت الفجوة تتسع بين الناس وبين الرسالة السماوية، وبدأت تلك الفجوة تظهر أفكاراً بشرية تخالف الكتاب السماوى وتقوم بتبرير وتشريع وتسويغ التدين البشرى بكل ما فيه من نقائض وخروج على الدين الحقيقى، ونظراً لأن تلك الأفكار والفتاوى البشرية تقوم بتلبية الأغراض السياسية والرذائل الاجتماعية للناس فإنهم يقومون باختراع أصل مقدس مزيف لتلك الأقاويل والأفكار عن طريق نسبتها لله تعالى ولرسوله الكريم مع تطويع النصوص الإلهية لمفاهيمهم الجديدة، إذا عجزوا عن تحريفهم لفظياً.

والتأويل بهذا المعنى عرفه الشيعة والسنة والصوفية، كل منهم جعل منهجه الفكرى ديناً عن طريق نسبته لآل البيت والأئمة كما فعل الشيعة، أو نسبته للنبى والصحابة كما فعل السنة، أو عن طريق العلم اللدنى للأولياء كما فعل الصوفية، وفى كل الأحوال يتقمص ذلك الفكر البشرى شخصية الدين ويتحول الأئمة فيه إلى آلهة أو أنصاف آلهة تحظى بالتقديس ولا يجوز الاعتراض عليهم، ولذلك فإن القلوب تقشعر حين يعترض أحدهم على البخارى مثلاً لأنه أضحى معصوماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذه مكانته الحقيقية فى معتقدات أهل السنة، وكذلك مكانة جعفر الصادق لدى الشيعة وأبو حامد الغزالى عند الصوفية. وفى كل الأحوال تحول الفكر إلى دين وتحول أئمة الفكر إلى مستوى فوق البشر وتحولت كتبهم إلى أسفار مقدسة، وكل ذلك عن طريق التأويل بالمفهوم الذى قررناه.

على أن هناك دليلاً آخر عقلياً نجده لدى المعتزلة لا يسمح بالتحريف والتزييف ولا يخترع له سنداً يصله بالنبى، وهذا التأويل العقلى مع أنه أروع، إلا أنه اندثر لأنه ظل مجرد فكر محصور بين النخبة المثقفة، ويخضع للجدال بين العقول ويتخذ له مشروعية عقلية بالحجة والمنطق ولذلك انتهى إلى زوال. أما الفكر الآخر فقد سرى إلى طبقات المجتمع على أساس أنه دين لأنه منسوب لله تعالى أو للرسول، فكيف تعترض على فكرة ما إذا صيغت فى حديث نبوى؟ أو قيلت فى حديث قدسى؟ من الطبيعى حينئذ يقدم العقل إجازة ويرفع لواء التسليم ويبتلعها المؤمن لأنها ارتفعت من دائرة العلم والنقاش إلى مستوى الدين والإيمان والتسليم، وبالتالى فإن من يعترض على ذلك الفكر أو يناقشه يصبح كافراً مرتداً مباح الدم. وبهذه الحصانة استمد الفكر السنى حصانته الدينية والثورية، وأصبح يجمع بين صفتى العصمة والثورية.
وهذه العصمة الثورية أنتجت تحت لواء الجهاد ثلاث نتائج خطيرة فى تاريخ المسلمين، الماضى والحاضر والمعاصر، وهى الثورة ضد أنظمة الحكم، استحلال الدماء والأعراض للعوام ومصادرة "الآخر" سياسياً وفكرياً وعقائدياً.

ونتوقف بالتأصيل التاريخى لكل منها.

2- من الثورية فى مواجهة الحكام إلى سفك دماء العوام: الجذور التاريخية

الثورية المقصودة هنا هى الثورية التى تحركها الأحاديث المنسوبة للنبى والتأويل الدينى. واختراع الأحاديث فى مجالات الصراع السياسية بدأ من الفتنة الكبرى، ثم استفحل فى العصر الأموى حين اخترع الأمويون منصب القصاص الذى يقوم بدور وزير الإعلام فى عصرنا، ويعمل من أجل الدعاية فى المسجد للخليفة الأموى وتبرير أعمال الدولة، خصوصاً بعد المصائب الثلاث الكبرى التى ارتكبها الأمويون فى خلافة يزيد بن معاوية، وهى قتل الحسين وانتهاك حرمة الكعبة والمدينة . وخصوم الأمويين استخدموا نفس الأسلوب فى حرب الدولة، فإذا كان القصاص يستخدم الأحاديث فى الدفاع عن الدولة فإن القرّاء (جمع قارئ – وتعنى المثقفين الناقمين على الدولة) يستخدمون أحاديث أخرى فى الكيد للدولة، وهذه الحرب بين الفريقين كانت بالرواية الشفهية للأحاديث، والتى تم تدوينها وتطويرها فيما بعد.(10)
ولم يتخلف تزييف الأحاديث عن مرافقة الثورات ضد الأمويين، كان بعضها منسوباً للنبى، والبعض الآخر نسبوه لعلى بن أبى طالب، وعلى سبيل المثال ففى موقعة دير الجماجم بين الثوارعلى الأمويين والحجاج بن يوسف خطب فى الثوار الفقيه عبد الرحمن بن أبى ليلى فقال فى الثوار "يا معشر القّّرّاء إن الفرار ليس بأحد من الناس بأقبح منه بكم، إنى سمعت علياً يقول: أيها المؤمنون إنه من رأى منكم عدواناً يعمل به ومنكراً يدعى إليه فأنكره قلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكره بلسانه فقد أُجر، وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف.. فذلك الذى أصاب سبيل الهدى.. فقاتلوا هؤلاء المحلّين المحدثين المبتدعين.." وكانت واقعة دير الجماجم سنة 83 هـ. ومع هزيمة الثوار الفقهاء إلا أن ثوراتهم لم تنقطع ضد الدولة الأموية ترفع لواء تغيير المنكر، وتدعمها أقوايل حماسية أصبحت تنسب للنبى وأصبحت الأحاديث تمثل الإطار الفكرى للثورات، وأسهمت فى تجميع الأنصار حول الدعوة الشيعية الغامضة للرضى من آل محمد، والتى أسست الدولة العباسية، ومن يراجع ما كتبه السيوطى فى "تاريخ الخلفاء"(11) يجد فصلاً فى الأحاديث التى كانت تبشر بخلافة بنى العباس وتجعل الخلافة فيهم إلى يوم القيامة، وبعضها ينص على أسماء الخلفاء(12)، أى أن "إدارة الإعلام" فى الدولة العباسية ظلت تصنع الأحاديث حتى بعد توطيد الدولة، وذلك لتبرير المظالم التى واكبت توطيد الملك العباسى خصوصاً فى عهد السفاح والمنصور.
وتلك المظالم العباسية، وسطوة الدولة العباسية على الفقهاء المثقفين الذين كانوا – من قبل -يستبشرون بها خيراً، أدت إلى إصابة المثقفين بخيبة أمل قوية فى الحلم الذى تحول إلى كابوس إذ كانوا بين نارين أو أكثر، تصديق تلك الأحاديث وتكذيب ما يرونه بأعينهم من مظالم . وبين خيبة الأمل والخوف من الثورة أصيب أولئك المثقفون بحالة مرضية فريدة، إذ أصبح اسمهم البكائين، فتخصصوا فى البكاء المفرط واتخاذه طريقاً للعبادة وإنفاق حياتهم فى بكاء لا ينقطع، وقد ذكر ابن الجوزى ترجمة لأعيان هذه الطائفة فى تاريخه المنتظم، ومع أنهم ظهروا قبل سقوط الدولة الأموية إلا أن تطورهم فى العبادة بالبكاء وتقعيد هذه العبادة كان فى عصر السفاح والمنصور، مما يجعل ذلك التطور من الزهد والحزن العادى إلى الصراخ المرضى مرتبطاً بخيبة أمل قوية فى حلم تحول إلى كابوس.(13)
واندثرت حركة البكائين وحل محلها اتجاه أكثر إيجابية فى المقاومة خصوصاً بعد محنة الإمام أحمد بن حنبل فى موضوع خلق القرآن (من 218: 237 هـ) وفى هذه الفترة ازداد التلاحم بين الفقهاء أصحاب الحديث مع الشارع العباسى، وأثناء الشقاق بينهم وبين السلطة العباسية اخترع الحنابلة حديث "من رأى منكم منكراً فليغيره.." على نسق الخطبة التى احتوت على مقالة منسوبة لعلى بن أبى طالب والتى ارتجلها الفقيه بن أبى ليلى فى موقعة دير الجماجم. وتزعم هذه المقاومة من مدرسة ابن حنبل الفقيه أحمد بن نصر الخزاعى، الذى أعد العدة للثورة باسم تغيير المنكر، وتحركت الدولة العباسية سريعاً فاعتقلت الفقيه ابن نصر وأقامت محكمة عاجلة له أمام الخليفة الواثق، وقتله الخليفة بيده سنة 231 هـ وعلق رأسه على أبواب بغداد. وقد قام الحنابلة بدعاية مركزة ضد الدولة العباسية أسندوا الكرامات إلى الفقيه المقتول، وأتت تلك الحملة الدعائية المغلفة بالأحاديث والمنامات أكلها فاقتنع بها فى النهاية الخليفة التالى وهو المتوكل فاعتنق المذهب السنى، وأفرج عن ابن حنبل وأصحاب ابن نصر، وأرسل كبار الدعاة لنشر الدعوة السنية فى الآفاق سنة 234 هـ وبتأثير الحنابلة اضطهدت الدولة العباسية خصوم الحنابلة، مثل الشيعة والصوفية وأهل الكتاب، وبدأ تحقير أهل الكتاب بإلزامهم بزى معين سنة 235 هـ.(14) وكما صادر الحنابلة "الآخر" من الصوفية والشيعة وأهل الكتاب أثناء نفوذهم فإن الإمام الطبرى لم ينج منهم فى أخريات حياته، حين خالفهم فى تفسير الاستواء على العرش، فحاصروه فى داره إلى أن مات داخل داره، ولم يشفع له عندهم أن يكتب لهم رسالة فى الاعتذار، كما لم تستطع الدولة العباسية حمايته منهم، فظلوا يرجمون داره حتى صارت الحجارة فوق داره كالتل العظيم وتحول بينه إلى قبر له.(15)
وهذا هو التراث الحنبلى الذى تحمله الدعوة الوهابية، ويضاف إليه تراث ابن تيمية الفقهى والحركى فى الهجوم على الصوفية والشيعة، مع أنهم كانوا فى عهده أصحاب سطوة ونفوذ، خصوصاً الصوفية. ومع ذلك فإن عنف ابن تيمية تجلى فى فتاويه التى تبيح قتل الزنديق بدون محاكمة، والزنديق ليس هو المرتد ولكنه المسلم الذى يؤمن بالله ورسوله والكتاب والسنة ولكنه يخالف المذهب السلفى فى بعض آرائه. وقد نقل هذه الآراء فقهاء الحركة السلفية المعاصرون مثل أبى بكر الجزائرى فى السعودية وسيد سابق فى مصر.(16) فكل من أنكر أو ناقش مقولة سلفية أو شعاراً أساسياً للحركة مثل تطبيق الشريعة أو الشعار الغامض "المعلوم من الدين بالضرورة" فجزاؤه القتل بدون محاكمة وبدون استتابة عندهم. وبالتالى فإن الحديث عن تداول السلطة إذا وصلوا للحكم ليس له محل من الإعراب.
ومن الطبيعى أن تتحول مصادرة الفكر إلى مصادرة للحق فى الحياة، وإذا كان أصحاب الحديث قد تقربوا للدولة العباسية باختراع حديث الردة لتقتل به الدولة العباسية خصومها السياسيين(17) فإن قتل الخصوم كان شريعة الثوار النجديين أسلاف الحركة الوهابية، وقد توسع أعراب نجد فى قتل الخصوم فى إطار الدعوة الدينية حين كانوا خوارج، وحين ثاروا فى حركة الزنج وفى ثورة القرامطة. وفى كل الأنهار الدموية التى فجروها كان لهم تأصيل فكرى وتأويل مذهبى فى إطار الدعوة التى يرفعونها، سواء، كانت خارجية أو شيعية.
فالخوارج استباحوا قتل المسلمين، يقول الملطى (377 هـ) عن الطائفة الأولى منهم، إنهم كانوا يخرجون بسيوفهم فى الأسواق حين يجتمع الناس على غفلة فينادون "لا حكم إلا لله"، ويقتلون الناس بلا تمييز(18) وهذا شبيه بما يفعله المتطرفون من تدمير المقاهى والشوارع لقتل الناس كيفما اتفق وحجتهم "الحاكمية" اى "لا حكم الا لله " نفس مقولة الحاكمية الأولى من الخوارج.
وفى حركة الزنج قتل الثائرون ثلاثين ألفاً حين استولوا على مدينة الأبلة فى العراق سنة 256 هـ، وفى العام التالى دخل البصرة زعيم الزنج بعد أن أعطى أهلها الأمان، ولكنه نكث بعهده فقتل أهلها وسبى نساءها وأطفالها وأحرق مسجدها الجامع، وكان من بين سباياه نساء من الأشراف، وقد فرقهن على عسكره من الزنوج، وكانت السبايا العلويات تباع الشريفة منهن فى معسكره بدرهمين وثلاثة، وحين استجارت به إحداهن ليعتقها أو ينقذها من ظلم سيدها الزنجى قال لها: "هو مولاك وأولى بك من غيره".(19)
وكان القرامطة أكثر وحشية فى استباحة الدماء والأعراض، ومن موقع المعاصرة والمشاهدة روى الطبرى بعض أخباره، منها أنه خصص غلاماً عنده لقتل الأسرى المسلمين، وأنه استأصل أهل حماة ومعرة النعمان وقتل فيهما النساء والأطفال، ثم سار بعلبك قتل عامة أهلها، وسار إلى سلمية وأعطاهم الأمان ففتحوا له الأبواب فقتل من بها من بنى هاشم ثم اختتم بقتل أهل البلد أجمعين بما فيهم صبيان الكتاتيب، ثم خرج عن المدينة وليس فيها عين تطرف، ونشر الخراب والدماء فى القرى المحيطة. أما ما فعله فى الكعبة وقتل الحجاج فيها وإلقاء الجثث فى زمزم، واقتلاع الحجر الأسود، فذلك ما استفاضت فيه الأخبار، وهذه الوحشية فى قتل الأبرياء كانت تقوم على منهج فكرى أشار إليه النويرى فى حديثه عن التربية الفكرية لشباب القرامطة، كما أشار إليها الطبرى فى قصة واقعية لشاب اقتنع بالدين القرامطى وهجر أمه وأسرته مقتنعاً بالدين الجديد معتقداً استحلال الدماء.(20)
ولا تختلف مذابح الخوارج والزنج والقرامطة – وقادتهم من أعراب نجد أساسا- عن المذابح التى قام بها النجديون الوهابيون السعوديون فى تأسيس الدولة السعودية الأولى ، والدولة السعودية الثالثة الحالية، وقد وصلت تلك المذابح الى العراق والشام والبيت الحرام وسائر مدن الحجاز ، وكان أكثر الضحايا من النساء والأطفال والشيوخ.
ولا تختلف هذه المدرسة الفكرية التى كان يعدها القرامطة لغسيل مخ الشباب عن الاعداد الفكرىالذى كان فقهاء الوهابية يعدونه لشباب الأعراب النجديين فى العقد الثانى من القرن العشرين والذى يتحول به الشاب الاعرابى الى مقاتل عنيد يرى الجهاد فى استحلال قتل كل من ليس وهابيا، وعن طريق هذا الاعداد الثقافى تكون "الاخوان " جنود عبد العزيز آل سعود الأشداء الذين أسسوا الدولة السعودية الحالية ، وكانت سمعتهم فى القتل والتدمير ترعب قرى الشام والعراق، كما لايختلف عن الاعداد الثقافى الذى تقوم به جماعات الاخوان وبقية التنظيمات العلنية والسرية فى تاريخنا المعاصر والذى يجعل الشاب المصرى المسالم يستسهل تفجير الشوارع والمبانى معتقداً أن ذلك جهاد فى سبيل الله. كما لا يختلف ذلك عن الوحشية الهائلة التى يتعامل بها المتطرفون فى الجزائر مع أبناء الشعب المسالم من نساء وأطفال، وما حركة طالبان عن ذلك ببعيدة، فهم الذين تشربوا الفكر السلفى.

الخاتمة:

وفى النهاية.. قد نختلف فى تأويل حركة التطرف والإرهاب، قد يرجعها بعضهم إلى الفقر والظلم والفساد السياسى والاقتصادى واليأس لدى الشباب، ولكن متى كان الشعب المصرى- وغيره من شعوب الشرق الإسلامى- متمتعاً بالعدل والرفاهية؟ إن الظلم فى عصرنا أخف كثيراً من ظلم المماليك والعثمانيين وغيرهم. ومع ذلك فإن ظلم العصور الوسطى مع قسوته المفرطة لم يفلح فى دفع المصريين للثورة لأن التدين المصرى كان قائماً على الصبر والتسامح، وكان المصرى وهو يكد فى إنتاج الخير للغير يلتقط أنفاسه لكى يسخر من الحاكم الظالم، فإذا شاهد الحاكم الظالم فى موكبه سارع بالهتاف له فى تسامح لا نظير له، فإذا مات ترحم عليه واستنكف من الشماتة فى موكبه فيه قائلاً: اذكروا محاسن موتاكم، وسارع بتعليق أخطائه وخطاياه على الحاشية وحدها.
وظل هذا المنطق المصرى والتدين المصرى إلى أن حدث ذلك التغيير فى الذهنية المصرية فانتشر الفكر السلفى الوهابى الذى يوجب مصادرة حقوق الآخرين تحت دعوى إزالة المنكر، خلافاً لتشريع القرآن، ويتوسع فى إزالة المنكر ليشمل إزالة الدولة نفسها، ويتوسع فى القتل إلى درجة قتل الأبرياء بعد الحكم بتكفيرهم، وبالتالى أصبح قتل الأبرياء جهاداً يتوجه نحو أبناء الوطن الواحد والدين الواحد.

وصحيح أنه لابد من إصلاح سياسى واقتصادى فللتدهور الاقتصادى والاستبداد السياسى دخل فى نشر التطرف وتغذية الحركة السلفية، ولكن الصحيح أيضاً أن الإصلاح الدينى هو الأساس. ونحن هنا لا نبدأ من فراغ بل لدينا تجربة الإمام محمد عبده، التى أجهضها المشروع السلفى السياسى.
ومن الغريب أن تنجح دولة وليدة هى السعودية فى غزو أقدم دولة فى العالم وهى مصر، تغزوها بفكرها الغريب عن الطبيعة المصرية، ومن الغريب أن هذه الدولة السعودية التى تعتبر أقصر عمراً من جريدة الأهرام وشركة عمر أفندى فى القاهرة - تستحوذ على تقديس المصريين بسبب سيادة مفهومها الدينى المخالف للإسلام وسماحته، فالحق يقال أنه إذا كان هناك فرق بين الإسلام والرؤى الفكرية البشرية للإسلام، فإن أقرب الرؤى للإسلام هى الرؤية المصرية الأصيلة المتسامحة، وأبعدها عنه هى الرؤية البدوية المتشددة.
ويبقى الحل فى الرجوع إلى القرآن، نحتكم إليه فى هذه القضية.. وصدق الله العظيم "أفغير الله أبتغى حكماً؟ وهو الذى أنزل إليكم الكتاب مفصلا؟".

الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

تعليقا على مسلسل الجماعة ... الجزء الثاني

تعليقا على مسلسل الجماعة ... الجزء الثاني





لقد أشرت في الجزء الأول من هذا المقال إلى حقيقة هامة وهي تأثر الأسلوب والحوار الذي عُـرض بهما المسلسل بالتطور الفكري الذي بدأ يغزو العقول ويضيئها نحو نظرتها لجماعات الإسلام السياسي ، وهذا التطور كان الفكر القرآني عماده ، لأنه ومن خلال المشاهدة المحايدة لحلقات المسلسل نجد فيه نقله حضارية فعليه في الحكم على الناس و تقييم الأشياء ، وهذا التأثر بالكاد جاء من كثرة قراءة الكاتب وحيد حامد لكتاب الفكر القرآني وعلى رأسهم ما كتبه الدكتور أحمد صبحي منصور في توضيح حقائق هذه الجماعات وبعدها كل البعد عن صحيح الدين ، وبعد كل حلقة يزداد الكاتب في اقتفاء أثر الفكر التنويري القرآني في سرد الأحداث وعرضها ، ويظهر ذلك جليا في اهتمام الكاتب بالأحداث الهامة وعدم الدخول في تفاصيل حياة المرشد وأسرته من زوجة وأولاد ، فهو ركز على الحقائق و العبر والأحداث الهامة التاريخية المؤثرة دون تفاصيل ، كما لم يهتم بأي تفاصيل عائلية لأي من الشخصيات الهامة في المسلسل ، ونوضح هذا في السطور التالية:

1ـ الإسلام لا يفرق بين مسلم ومسلم إنما المؤمنون أخوة ، المسلم أخ المسلم لا فرق بين مسلم وأخر إلا بالتقوى.

2ـ جعل الجماعة بدعة

3ـ اعتراف المرشد نفسه أنه ليس مفتيا لكي يفتى في أمور الدين.

4ـ حقيقة هامة أن هذه الجماعة لن تظل جماعة دينية طوال الوقت فلابد أن تتجه للسياسة أو تتجه السياسة إليها وهناك حكمة تقول ((إذا أردت أن تفسد قديسا فعليك بشيئين إما السلطة والمنصب وإما المال)).

5ـ استغلال الجماعة لكل شيء وتحويله لمصلحة الدعوة حتى أنشطة الجوالة تم تحويلها لصناعة الشباب ليكونوا جنود الجماعة وأعضاء الخلايا السرية فيما بعد.

6ـ التركيز على تغيير البيئة المصرية كاملة وتشويه الهوية المصرية ، وذلك بتغيير أسماء أعضاء الجماعة وتشبيه كل عضو بأحد الصحابة بدعوى أن ذلك يبعث فيهم الحـَمِـيّـة ويدفعهم إلى القدوة الحسنة والأسوة الصالحة ، وتغيير اسم مقر الجماعة (معهد حراء) للرجال ، (مدرسة أمهات المؤمنين للبنات) ، ونادي الخندق ، ودار بدر ، فهي خطة لتغيير الهوية المصرية وشطب ملامحها لتحويل مصر لإمارة تتبع الخليفة القاطن بلاد الحجاز.

7ـ كيفية اختيار أعضاء الجماعة ـ وتركيز الجماعة على الشباب لأن رؤوسهم نظيفة ويمكن للمرء أن يسطر فيها ما يشاء ولديهم حرارة الشباب وهمته وعند الحاجة لصلابة الرجال فهم موجودون في طبقة البسطاء والفقراء والعمال وأهل السبيل.

8ـ مصلحة الجماعة و مساواة الملحد الذي لا يؤمن بالأديان بالإنسان التقي الصالح الذي لا يحترم النظام ولا يلتزم بالطاعة ولا يلتزم النظام الذي يفرضه المرشد وجعل كلاهما بلا نفع للجماعة وأن وجودهما يفسد الجماعة بالإضافة أن الإنسان التقي سيحدث فتنة في الجماعة لالتزامه الزائد وصلاحه.

9ـ العلم موجود في كتاب الله سبحانه وتعالى ولكل مجتهد نصيب ومقدار العلم الذي يحصل عليه المرء مرهون بمقدار الجهد الذي يبذله.

10ـ حسن البنا من مدرسة (رشيد على رضا) تلميذ (محمد عبده) والإشارة إلى أن الشيخ رشيد رضا قد اتجه فكريا في طريق يختلف تماما عن مدرسة أستاذه الإمام محمد عبده الذي كان إماما للتنوير.

11ـ من حق المرشد أن ينفق من بيت مال المسلمين مثل أي خليفة للمسلمين .

12ـ السمع والطاعة للمرشد بالمبايعة والمبايعة لا تكون إلا لرسول الله أو ولي الأمر والمرشد ليس وليا للأمر.

13ـ من يحاول مناقشة المرشد أو الاستفسار عن الأحوال المالية للجماعة فهو يعلن خروجه المعلن عن الجماعة.

14ـ جعل العقيدة الإسلامية الصحيحة والسليمة هي أن يؤدي الإنسان عمله ويتقنه حتى لو كان يعمل عند شخص غير مسلم.

15ـ بمن تأثر حسن البنا ـ تأثر بكل من الشيخ محب الدين الخطيب الذي كان متفوقا في تكوين التنظيمات السرية والعلنية في بلاد عربية كثيرة ،كما تأثر بالشيخ رشيد رضا ، كما أنه استفاد من كل التنظيمات التي قرأ عنها أو عاصرها مثل النازية في ألمانيا والشيوعية في روسيا والفاشية في إيطاليا وكلها كانت تنظيمات جبارة ومحكمة جدا ومن المؤكد أنه استفاد منها ، بالإضافة إلى أن التاريخ الإسلامي مليء بالتنظيمات السرية ومن المؤكد أن حسن البنا درس التنظيمات الشيعية باهتمام شديد ، ويؤكد هذا ما قاله عنه الشيخ عمر التلمساني أنه قرأ في الحركات الشيعية لدرجة التشبع.



16ـ الخلاف بين سيد قطب وحسن البنا والعلاقة الغير طيبه بينهما لدرجة جعلت سيد قطب يقول على حسن البنا (حسن الصباح) ، وهذه التسمية من سيد قطب يرجع سببها إلى قراءة حسن البنا في الحركات الشيعية فلابد أن يكون قرأ عن الحشاشين وزعيمهم حسن الصباح ومن المؤكد تأثر البنا به ويتضح ذلك في أشياء كثيرة : فالصباح والبنا كلاهما عالم ومفكر شديد التقشف يعيشان حياة خشنة ، الصباح كان يجند الشبان الصغار والبنا نفس الشيء الصباح كان يرسل الدعاة لإقناع الناس بأفكاره والترويج لدعوته والبنا نفس الشيء الصباح كون تنظيم قتالي والبنا كون تنظيم قتالي ، الصباح أطلق على أصحابه الرفاق ، والبنا أطلق عليهم الأخوان.

17ـ المرشد يرى أن العقيدة هي شرط الإيمان وإشارات واضحة للجهاد في سبيل الله ويصور لهم العذاب إذا واجههم أثناء الدعوة بأنه العذب الفرات وإن أجبروا على تركها ثبتوا حتى الممات .

18ـ تفسير المرشد لقوله تعالى (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله9) تفسير خاطئ بحيث جعل مواصفات وشروط الفئة القليلة أن يكون قوامها الشباب ورجالا أقوياء عندهم عقول وأصحاب علم.

19ـ اعتبار أعضاء الجماعة من الكبار وغير المتعلمين حمل على الجماعة يُـبطئ خطاها ويضعف قوتها ، ولذلك يجب التركيز على الشباب المتعلم بالخصوص لأن ما يُـعده هو جيش للمسلمين ولابد أن يكون جيش المسلمين من الشباب ، وفي نفس السياق يريد المرشد أن يدخل الشاب في الجماعة ويستمر فيها لتكون حياته ومذهبه وإيمانه وعقيدته ، فقال أحد أعضاء الجماعة أن هذا قد اتبعته أحزاب أوروبية كثيرة ، فرد المرشد معقبا نحن نأخذ من أوربا أي شيء مفيد لا يفسد علينا الإسلام.

20ـ التفكير في تغلغل الجماعة بين جميع فئات ومؤسسات الدولة الطلاب والموظفون في الدوائر والمصالح والهيئات والدواوين حتى بين ضباط الشرطة والجيش.

21ـ وعلى الجماعة أن تعزز نفسها بالأثرياء والوجهاء لتكتمل الصورة ، الجماعة ترحب بمشايخ الأزهر بشرط خضوعهم لشروط الجماعة.

22ـ الدعوة لدين الله تكون بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة ولا تجوز الخدعة لإجبار مسلم على أداء الصلاة.

ــ نشر نظرية المؤامرة بين شباب الأخوان وتصوير العدو الوهمي الخرافي الكبير الذي يريد تحطيم الإسلام.

23ـ اعتبار مقاطعة المرشد أو الاعتراض على ما يقول أو عدم قبوله وتصديقه ناتج عن ضعف الإيمان حتى لو كان ما يقوله المرشد قصة خرافية مثل قصة الشاب الذي شاهد في المنام ثلاثة أنبياء ، وأن خاتم النبيين نصحه بالرجوع لكتاب إحياء علوم الدين لـ أبو حامد الغزالي ، وأسهب المرشد قائلا أن الإيمان لا يأت إلا بالاقتناع الكامل.

24ـ لا يوجد إيمان حقيقي قائم على تصديق كل شيء نسمعه.

25ـ من أهم صفات الشخصية التي يجب توافرها فيمن ينضم للجماعة الاستعداد المطلق للسمع والطاعة.

26ـ نظرية المرشد أن إعداد الرجال أهم من تأليف الكتب فإعداد مائة رجل أفضل من تأليف ألف كتاب.

27ـ غزوة الجامعة بنشر الدعوة بين الصفوة من طلابها وهم أعضاء الأحزاب مثل الوفد ومصر الفتاة والوطني والأحرار الدستوريين.

29ـ التأكيد على حقيقة تعاون الشيخ رشيد رضا مع السعوديين للترويج للمذهب الوهابي في مصر ، وإظهار أن هذه حقيقة لا يجب إنكارها لأن السعودية تطبع كتب عنه كما تشتري كتب من الشيخ محب فالشيخ رشيد يدعو إلى ما يراه ويجتهد فيه.

30ـ مطالبة الشيخ رشيد بأن تهتم الجماعة بقضايا الوطن كما تهتم بقضايا الدين .

31ـ تقييم نشاط الجماعة من شيخ الأزهر وعلماءه واعتبار أعمال الجماعة نشاط محمود وهي محل اهتمام رجال الأزهر وعلماءه بما فيهم شيخ الأزهر.

31ـ مساعدة الأزهر للجماعة في نشر الدعوة عن طريق موافقة شيخ الأزهر أن تكون المساجد مفتوحة ومتاحة لشباب الجماعة لنشر الدعوة وإلقاء الدروس.



ومع هذا الجزء من البحث التأصيلي للدكتور / أحمد صبحي منصور ـ الذي يوضح فيه العلاقة التاريخية بين جماعة الأخوان والدولة السعودية.



ثالثاً: الصراع بين التدين المصرى والتدين النجدى:
الظروف العالمية فى الصراع الإسلامى الغربى هى التى أدت إلى تلك المواجهة بين مدرستين مختلفتين فى التدين، مدرسة مصر، ومدرسة نجد.
بدأ هذا الصراع العالمى بالفتوحات العربية التى حملت راية الجهاد الإسلامية زورا وبهتانا ، ثم أعقبه الغرب بحركة استرداد امتدت من الأندلس إلى آسيا الصغرى وحملات بيزنطية كانت تصل إلى حلب ودمشق، ثم تطورت حركة الاسترداد الغربى لتصل إلى حركة استيطان صليبى فى الحروب الصليبية، ثم تطورت أكثر إلى حركة عالمية للكشوف الجغرافية، ثم الاستعمار الحديث.
ومرحلة المواجهة بين نجد ومصر تقع ضمن توابع الزلزال الذى أحدثته الحملة الفرنسية على مصر والشام، تلك الحملة التى أفاق منها المسلمون المصريون على تقدم العدو الأوروبى {الكافر} الذى اقتحم على المسلمين ديارهم، وللرد على ذلك التحدى ظهر الاتجاه المصرى لليقظة والاصلاح بعد الحملة الفرنسية ، وقبلها ظهر الاتجاه "الاصلاحى" الآخر فى نجد فى الحركة الوهابية يريد الاصلاح بالعودة للسلف الصالح. ثم اصطدم الاتجاهان فيما بعد.
مصر حسب شخصيتها اختارت اتجاهها مع الوالى محمد على بالانفتاح على الحضارة الحديثة والاستنارة الدينية التى بدأها الطهطاوى، ثم تطورت على يد محمد عبده إلى رؤية إصلاحية إسلامية فوق المذهبية وفوق التراث الصوفى والتراث الفقهى أيضاً، رؤية تحتكم إلى القرآن الكريم فى إيجاد أيديولوجية إسلامية للدولة المدنية تلائم العصر ومنجزاته. ومصر بشخصيتها تتيح للعلماء حتى الوافدين منهم مناخ الاجتهاد والعبقرية، فعلت ذلك مع الشافعى والقرطبى والشاطبى وغيرهم من العلماء المصريين الآخرين بالمولد والنشأة، ولذلك كان طبيعياً أن تكون الاستجابة المصرية للتحدى الغربى انفتاحاً على التقدم الآتى من العدو الغربى على قاعدة التسامح، واجتهاداً فى الفكر الدينى يوثق الصلة بين الثوابت الدينية وثقافة البحر المتوسط على نفس قاعدة التسامح.
ولذلك لم يجد الوالى الطموح "محمد على" مشقة فى القضاء على أعمدة النظام القديم، من المماليك والحامية العثمانية وشيوخ الأزهر، وكان طبيعياً أن يرحب بالقضاء على الدولةالوهابية السعودية الوليدة فى نجد لأن دعوتها التراثية الماضوية الرجعية لا تختلف عن خصوم محمد على داخل مصر، ولذلك استجاب سريعاً للسلطان العثمانى وأرسل الحامية العثمانية بتقاليدها العسكرية البالية لتحارب الوهابيين السعوديين فى نجد ويتخلص من غبائها وهمجيتها وفوضويتها، وليضرب عصفورين بحجر واحد، حتى ينشئ جيشاً حديثاً يكون قوام الإصلاح والتحديث فى مصر

.
ولم يهتم محمد على بأكثر من القضاء العسكرى على الدولة السعودية، ثم انشغل بمشروعه الطموح فى مصر، ولم يدرك أن دولة دينية أيديولوجية مثل الدولة السعودية لا يكفى مجرد القضاء عليها عسكرياً بل لابد من مواجهتها فكرياً وثقافياً، ولم يعرف أن تلك الدولة التى قضى عليها عسكرياً سيأتى الوقت الذى تغزو فيه مصر فكرياً ومذهبياً.
لقد عاشت الدولة السعودية الأولى حوالى قرن من الزمان (1745-1818)م، وقد بدأت فيها مبكراً الاستجابة للتحدى الغربى ، قبل حملة نابليون بنصف قرن تقريباً، لأن النفوذ الإنجليزى فى الخليج وجنوب العراق وتخاذل العثمانيين أمامه كان يجرى أمام أعين أهل نجد، وهم بطبيعتهم يكرهون الغرب والغريب ولا يخضعون للأتراك إلا مكرهين، وإذا كان أسلافهم قد ثاروا على الخلفاء العرب من قريش تحت شعارات دينية فإنهم فى مواجهة الخلفاء العثمانيين وتخاذلهم أمام الغرب الكافر مستعدون للثورة بشرط أن توجد لهم أيديولوجية دينية، وهكذا كان الجو مستعداً لقيام الدولة الوهابية السعودية، كما كانت الظروف مهيأة لقبول الدعوة خصوصاً بعد تعاظم التدخل الغربى بالحملة الفرنسية ومناهضة انجلترا لها

.
ولذلك فإنه لم يكن منتظراً أن تنتهى الدعوة الوهابية بعد سقوط دولتها السعودية الأولى وتدمير عاصمتها الدرعية، وقتل حاكمها فى الأستانة. فقد استطاع زخم هذه الدعوة أن يعطى لأهل نجد تميزاً على غيرهم، إذ اعتبروا غيرهم من المسلمين كفاراً يعبدون الأضرحة والأوثان، لذا كان سهلاً أن تستطيع الدعوة الوهابية أن تقيم الدولة السعودية الثانية سريعاً (1821-1889)م، ولكن تصارع الأمراء السعوديين جعل هذه الدولة الثانية محدودة الأثر وأسقطها فى النهاية.
وأخيراً قامت الدولة السعودية الثالثة بقيادة عبد العزيز بن عبد الرحمن فيما بين (1902-1932)م، وخلال سنوات التأسيس هذه كانت لعبد العزيز رؤيته الواضحة فى إرساء دعائم الدولة الثالثة حتى تستمر ولا تسقط مثل الدولتين السابقتين . وتتلخص هذه الرؤية فى التمسك بالأيديولوجية الوهابية والتسلل بها إلى مصر لتكون مصر عمقاً استراتيجياً للدولة السعودية، وتستطيع من خلالها السيطرة على العالم الإسلامى. وكانت النتيجة نجاح عبد العزيز آل سعود فى تحويل التدين المصرى القائم على التسامح حتى فى العصور الوسطى إلى تدين وهابى متشدد فى عصر حقوق الإنسان. ونأتى للسؤال التالى، وهو: كيف؟ كيف تم هذا التحول؟
فى الوقت الذى كان فيه عبد العزيز وآله لاجئين تحت رعاية آل الصباح فى الكويت كان الإمام محمد عبده فى مصر يعلن تطليقه للسياسة والثورة وتفرغه للإصلاح الدينى والفكرى، واعتبر التصوف خرافة كما وقف موقفاً حازماً من الفقه والأحاديث، واعتبر الأحاديث كلها أحاديث آحاد، وأعاد للأذهان ما قاله الأئمة المجتهدون فى عصر الازدهار الفكرى. وكان محمد عبده يأمل فى تأسيس مدرسة فكرية للاجتهاد الدينى تقوم بإصلاح عقائد المسلمين وتسهم فى تطورهم العقلى والعصرى، وكان هذا اقتناعه بعد تطليق السياسة ولعنها.
ولم يكن محمد عبده يدرى أن حركته سيقوم بإجهاضها تلميذه رشيد رضا لصالح السعوديين وأيديولوجيتهم السلفية الثورية.

مات محمد عبده سنة 1905، وفى ذلك الوقت كان عبد العزيز قد هرب من الكويت بأربعين من "إخوانه" وبهم استولى على الرياض سنة 1902 ثم سيطر على أواسط نجد سنة 1904. وبعد موت محمد عبده فى مصر ورثه رشيد رضا. وكانت الأنباء تأتى إلى مصر بانتصارات الشاب ابن سعود ونجاحه فى ضم الإحساء والمنطقة الشرقية، ثم نجح بعدها فى ضم عسير، وحاصر الشريف حسين فى الحجاز، ثم انتزع منه الحجاز سنة 1926 ليحتل ابن سعود بعدها موقعاً متميزاً جفف به دموع الملايين الذين حزنوا على إلغاء الخلافة العثمانية. ثم قام ابن سعود بإعطاء مملكته الوليدة اسم أسرته السعودية سنة 1932 بنفس المنهج السائد فى العصور الوسطى حين يطلق الحاكم على دولته اسمه أو اسم أسرته، كالدولة الأخشيدية والطولونية والفاطمية والعباسية.
ومع هذا النجاح لابن سعود فقد كان يدرك أن توسعه فى شبه الجزيرة العربية قد أضاف ألغاماً كثيرة تحت عباءته، فأعدى أعدائه وهم الشيعة يرتكزون فى المنطقة الشرقية، كما أن الأشراف والصوفية فى الحجاز لا ينسون ثأرهم عنده بعد ما فعله بالحجاز وأسرة الشريف حسين، وفى الخارج يقف أعداؤه الشيعة الزيدية فى اليمن بعد أن استولى على عسير، وهناك شيعة إيران والعراق والخليج وهم لا ينسون ما فعله وما سيفعله بالمشاهد الشيعية فى العراق، علاوة على أن أبناء خصمه الشريف حسين كانوا يحكمون العراق والأردن، أى أن أعدءه يطوقونه من كل الاتجاهات، ولهم جماهير فى أهم منطقتين فى مملكته، المنطقة الشرقية بجوار نجد، والحجاز، وهم لا يغفرون له أنه محا وجودهم حين جعلهم سعوديين، أى موالى وعبيداً لأسرته . وهكذا لم يعد أمام ابن سعود إلا مصر يتكئ عليها فى صراع البقاء وفى أمل الاستقرار والاستمرار أيضاً. فمن مصر جاء الخطر الذى دمر الدولة السعودية الأولى، ومنها يمكن أن يأتى الخطر الذى سيقضى على الدولة السعودية الثالثة، خصوصاً وأن التصوف هو التدين المصرى الأساسى والدعاية ضد الوهابيين على أشدها فى مصر، ومن الممكن أن تتطور ثقافة الكراهية ضد الوهابية إلى تحالف عسكرى أو سياسى خصوصاً مع طموح ابن سعود للسيطرة على الحجاز والذى كان دائماً تحت السيطرة المصرية.

ومن الممكن أن يتفادى ابن سعود هذا الخطر المصرى، بل يستغل مصر إلى جانبه إذا تحول التدين السنى الصوفى المصرى المعتدل إلى تدين سنى وهابى متطرف. وليس ذلك مستحيلاً، فالمهم هو العثور على الشخصية المناسبة التى تقوم بخلق هذا التحول، وكان سهلاً العثور على هذه الشخصية، وهنا بدأ دور الشيخ رشيد رضا.
جاء الشيخ رضا إلى مصر يحمل بين جوانحه الفكر السلفى مع كراهية موروثة للمسيحيين استقاها من بيئته الشامية، ولكنه كتم هذه الثقافة الشامية داخله أثناء تبعيته لشيخه الإمام محمد عبده. وبعد موت الإمام لم يكن رشيد رضا مؤهلاً للسير فى طريق شيخه فى معاداته لشيوخ الأزهر، إذا كان محمد عبده بفكره ومصريته وأزهريته وتاريخه ومكانته وشخصيته أقدر على الصدام مع شيوخ الأزهر، فهو منهم وهم منه، وهو أعلاهم قدراً وأرجحهم عقلاً وأكبرهم علماً وأكثرهم شهرة، ومع ذلك فقد عانى منهم ما عانى فى جهاده الإصلاحى، فكيف بتلميذه الوافد من الشام إذا كان فعلاً يريد السير فى طريق شيخه الإمام؟


على أن رشيد رضا قد يوافق فكر الإمام محمد عبده فى الهجوم على التصوف وأوليائه إلا أنه لا يوافقه فى انتقاد الأحاديث وفى انتقاده لتحجر الفكر الوهابى . وعندما مات شيخه الإمام وجد فرصته فى الزعامة ميسورة إذا تحالف مع ابن سعود، خصوصاً وقد جرت مياه كثيرة فى النهر، إذا علا نفوذ ابن سعود فى شبه الجزيرة العربية وبدأت الأحلام تتجمع حوله خصوصاً مع استقلاليته وشبابه ومقدرته، ثم بدأ تيار الشيوخ يميل إلى التعصب بعد إلغاء الخلافة وشدة التيار العلمانى فى تركيا ثم فى مصر والشام، وارتفع صوت الإلحاد متشجعاً بالليبرالية الفكرية والنفوذ الاستعمارى، وكل ذلك أثار حفيظة الشيوخ العاديين والصوفيين والسلفيين وقرب المسافة بينهم . خصوصاً وقد كان أئمة العلمانيين فى مصر من مثقفى الشوام المسيحيين والذين هاجروا لمصر بعد المذابح الطائفية في لبنان . وكان لابد أن تشتعل المعركة بين رشيد رضا وبينهم، وفى هذا الجو أتيح لرشيد رضا أن يثمر تحالفه مع ابن سعود فى نشر الفكر الوهابى بعد أن سيطر عبد العزيز على الحجاز وجعل من مناسبة الحج منبراً لنشر الدعوة وتجميع الأمصار وإعداد الكوادر وإعداد الخطط وتنفيذها. ودليلنا على ذلك أن عام 1926 الذى شهد أول موسم للحج بعد سقوط الحجاز هو أنشط الأعوام فى نشر الفكر السلفى فى مصر وخارجها. وكان رشيد رضا هو مهندس التسلل الوهابى للجمعيات الدينية، ومهندس إنشائها لصالح السعوديين، وعن طريق تلك الجمعيات أمكن تحول التدين المصرى عن الصوفية السنية إلى الوهابية السنية.
ونتتبع هذا الجهد على النحو الآتى: (6)

1-الجمعية الشرعية، أسسها الشيخ محمود خطاب السبكى سنة 1913 على أساس الولاء المطلق للتصوف، وفى إخضاع الفقه للتصوف كتب الشيخ محمود السبكى أولى مؤلفاته: أغلب المسالك المحمودية فى التصوف والأحكام الفقهية. فى أربعة أجزاء. ولكن فى عام 1926 اتخذت مؤلفاته طابعاً جديداً تحت شعار الدفاع عن السنة، وبالطريقة الوهابية أخذ يهاجم التصوف تحت هذا الشعار، وفى هذا الاتجاه الجديد كتب (26) كتاباً إلى أن مات سنة 1931. وعلى طريقه سار ابنه أمين السبكى وقد كتب فى الدعوة الوهابية تسعة من الكتب وتوفى سنة 1968، وهكذا.

وبالنفوذ السعودى الذى أرساه رشيد رضا انتشرت مساجد الجمعية الشرعية، وهى الآن أضخم جمعية فى مصر، تسيطر على أكثر من ألفى مسجد وألوف الأئمة الوعاظ وملايين الأتباع، وكانت ولا تزال الاحتياطى الاستراتيجى للإخوان المسلمين، وهم – أى الجمعية الشرعية والإخوان المسلمون- هم الآن مادة الفكر السلفى وحركته فى المجتمع المصرى.
2- جمعية أنصار السنة، فى نفس العام 1926 أقامها الشيخ حامد الفقى أحد الأزهريين، وقد أنشأ له عبد العزيز آل سعود منزلاً فى حى عابدين كان مقراً للدعوة الوهابية، وتخصصت هذه الجمعية فى نشر الفكر الوهابى ومؤلفات ابن تيمية وبان القيم، كما أنشأ مجلة الهدى النبوى سنة 1936 ولا تزال تصدر.
3- جمعية الشبان المسلمين: أنشأت سنة 1927 بتخطيط محى الدين الخطيب رفيق الشيخ رشيد رضا الشامى فى الدعوة السلفية، وتولى رئاستها الدكتور عبد الحميد سعيد، والاتجاه الحركى يغلب على هذه الجمعية وانتشرت وسط الشباب، وكان أهم الشباب فيها هو حسن البنا، ومع أنه أنشأ الإخوان المسلمين على غرار جماعة الإخوان التى أنشأها عبد العزيز آل سعود، إلا أن حسن البنا كان دائم التردد على جمعية الشبان المسلمين، وقد لقى حتفه أمام أبوابها سنة 1948.
4- جماعة الإخوان المسلمين: سنة 1928 وهى الاتجاه الحركى السياسى المسلح، وكان إنشاؤها برعاية رشيد رضا وتوجيهاته. ورشيد رضا هو الذى قام بتقديم الشاب حسن البنا إلى أعيان السعودية وأعمدة الدعوة الوهابية، ومنهم حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز، ومحمد نصيف أشهر أعيان جدة. وابنه عبد الله نصيف هو الذى كانس يتزعم رابطة العالم الإسلامى، والتى يتغلغل من خلالها النفوذ السعودى إلى العالم الإسلامى حتى اليوم، وهى التى لعبت دوراً فى تجنيد الشبان للذهاب إلى أفغانستان وتدريبهم على التخريب.
ونعود إلى الشيخ رشيد رضا وجنوده خارج نطاق الجمعيات لنلمح إلى تأسيسه مدرسة الدعوة والإرشاد لتخريج الدعاة فى جزيرة الروضة سنة 1912، وكانت تجاورها مؤسسة الزهراء للسلفى الشامى محيى الدين الخطيب، فى نفس المنطقة، كما كانت مجلته "المنار" ذائعة الصيت متخصصة فى الدعوة الوهابية والسعودية، هذا بالإضافة إلى مؤلفاته المتخصصة كـ"الخلافة" والسنة والشيعة، وفيها كان يدعو إلى الخلافة الإسلامية ويرى فى ابن سعود المؤهل الوحيد للخلافة. وعن طريق مطبعة المنار نشر رشيد رضا الكثير من مؤلفات ابن حنبل وابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب. وتوفى رشيد رضا بعد أن قام بتوديع الأمير سعود ولى العهد فى ميناء السويس سنة 1935(7) وترك الراية يحملها من بعده تليمذه حسن البنا مؤسس الإخوان.

وإلى اللقاء في الجزء الثالث ..

الأحد، 5 سبتمبر 2010

تعليقا على مسلسل الجماعة ... الجزء الأول

تعليقا على مسلسل الجماعة ... الجزء الأول


تعقيبا على مسلسل الجماعة الذي ترك خلفه تساؤلات عديدة تدور في عقول وأذهان معظم المصريين وغير المصريين بعد عرضه في رمضان الجاري2010م ، وأهمها موضوع رشوة ملك السعودية لحسن البنا لتأسيس جماعة الأخوان في مصر ، ومن خلال مشاهدتي للمسلسل تم استنتاج الآتي :

نتيجة العلاقة الوثيقة التي كانت تجمع بين كاتب المسلسل أ(وحيد حامد) و د(أحمد صبحي منصور) فقد تأثر الكاتب وحيد حامد أيما تأثير بما كتبه الدكتور أحمد صبحي منصور عن تاريخ الوهابية وعلاقته بنشأة الأخوان في مصر ، و كونه أول من ربط بين نشأة الأخوان وبين الدولة السعودية ، وله السبق في هذا الأمر حيث أنه الباحث الوحيد أو المؤرخ الوحيد الذي ربط بين نشأة الأخوان وبين الدولة السعودية أو تحديدا عبد العزيز آل سعود ، وعلاقته بالشيخ رشيد رضا الذي استغل حماس حسن البنا الشديد من ناحية واستفاد من تقبل الناس له وتأثيره فيهم من ناحية أخرى ، كما كان بمثابة حلقة الوصل بين حسن البنا و عبد العزيز آل سعود وكانت بداية زراعة شجرة الأخوان في مصر كما سماها الدكتور احمد صبحي منصور في بحثه المعنون( "شجرة الأخوان المسلمين" زرعها السعوديون في مصر في عهد عبد العزيز آل سعود)، وفي حوارات المسلسل ظهرت عبارات وجمل جديدة على الدراما المصرية لم نعهدها من قبل ، وهي نتيجة هذا التأثير الذي حدث لكاتب المسلسل نتيجة قراءته لهذا البحث ، أو لتأثره بفكر الدكتور منصور عموما ، ومن هذه الحوارات والعبارات:

1ـ إرساء قاعدة هامة وهي أن معرفة التاريخ تحتاج للبحث وإعمال العقل ، وأن التاريخ أمانة ، وتحقيقا لهذه القاعدة كان التحول في وجهة نظر ورأي مستشار كبير بحيث أصبح لا يحب ولا يكره الإخوان ، ولكنه يختلف معهم ، وحدث هذا التغير بعد دراسة وبحث ، وكذلك جعل الخلاف والاختلاف يكون في الفكر بلا حقد أو كره ، وعرف الخلاف بأنه قضيه كبيرة تحتاج دراسة متأنية ورؤية سليمة وإدراك واعٍ.
2ـ اعتبار البيئة مؤثر هام جدا في نشأة الإنسان وتحديد مصيره.
3ـ الإشارة إلى عدم وجود كفار في مصر ، ولكن من الممكن وجود مسلمين عصاه وأصحاب ملل أخرى وهم أهل كتاب وليس أهل كفر.
4ـ رفع العصمة عن البشر وتقرير أن أي كلام بشري يؤخذ منه ويرد عليه حتى أحاديث النبي عليه السلام حدث لها مراجعات وتم استبعاد الأحاديث المشكوك فيها.
5ـ توضيح أمر هام جدا وهو عدم اعتبار الجماعة ممثلة للإسلام.
6ـ إشارة أخرى هامة جدا وهي أن مصر بهذه الحركات الإسلامية تـُسْـرَق من أهلها عن طريق التيار السلفي المتشدد الذي يسرق مصر من أهلها بتدمير الوسطية في الإسلام ، وأن مصر قد عاشت عمرا طويلا منارة للثقافة والعلم والمعرفة ، والسلفية هنا لا تعني الأخوان فقط ، وإنما تعني من يدعمون الأخوان ويريدون تحويل مصر إلى عقول مغلقة أو عقول غبية.

7ـ إشارة واضحة تبين أن كل إنسان يتحمل صدقه أو كذبه أمام الله جل وعلا ولذلك أمرنا ربنا جل وعلا بإعمال العقل في كل شيء.
8ـ طرح تعريف أخر للسنة في اللغة (هي الطريقة أو الطريق)
9ـ إظهار صورة الإخوان الدموية المستمدة من الوهابية وأنهم أصحاب مصلحة وهدف منشود ويسعون لتحقيق المصلحة والوصول للهدف المنشود.
10ـ إشارات من الشيخ رشيد رضا أن الإسلام في محنة ويحتاج من ينصره ، وإشارة أخرى في نفس السياق تصور عبدالعزيز آل سعود على أنه أفضل شخص يصلح خليفة للمسلمين ، وكلام الشيخ رشيد رضا بوضوح عن الخلافة الإسلامية التي سيكون فيها الخليفة قوي يبسط سلطانه على كل البلاد الإسلامية ، وإقناع حسن البنا أن الإسلام في محنة ويجب تخليصه من الملحدين والعلمانيين والتنويريين.

ـــ وهنا سؤال هام جدا خارج حوار المسلسل (( هل منذ عام 1928م تقدمت البلاد الإسلامية خطوة واحدة للأمام في ظل نشاط الحركات الإسلامية।؟)).

11ـ إظهار خطورة الإخوان وطموحهم في الوصول للحكم بالمبايعة ، لتطبيق الحكم حسب الشريعة الإسلامية(الإخوانية) حتى مع الأجانب.
12ـ يكفي أن الإخوان نجحوا في صناعة هامة جدا وهي صناعة الموت.
13ـ إظهار طاعة المرشد أو الأمير على أنها طاعة لله جل وعلا واعتبار عصيان أوامر كلاهما عصيان لله جل وعلا ، واتهام أي إنسان لا يؤمن بما يقوله المرشد بأن إيمانه ضعيف.
14ـ إشارة الشيخ رشيد رضا الهامة بوصفه للسعوديين بأن الدين أمانة في أعناقهم وهم أولى الناس بالحفاظ عليه.
15ـ اختيار لفظ (الفتح) لكل مدينة يقوم الأخوان بنشر دعوتهم فيها.
16ـ حديث المبايعة للمرشد الذي يدعو لطاعة المرشد بلا مناقشة لأنها طاعة لله ، كما يدعو لضرب عنق كل من تسول له نفسه مخالفة المرشد.
17ـ توضيح الصورة الحقيقية والصفات البشرية للأخوان من وجود صادقين وكاذبين ومنافقين بينهم وأنهم أصحاب مصلحة مثلهم مثل باقي الأحزاب في مصر.
18ـ التذكرة بأن مصر كانت في السابق أفضل حالا من الوقت الحاضر حيث كان يسود الحب بين الناس والطمأنينة للسيدات اللاتي يمشين في الشوارع.
19ـ جعل الاحتكام للقرآن الكريم هو الحل في أي قضية خلافية إذا حدث للإنسان لغط أو دخل في قلبه الشك والحيرة مما يقرأ.
20ـ وصف الجماعة وصفا دقيقا يبين حقيقتها وعلاقتها بمبدأ الحاكمية النجدي القديم حيث قسم حسن البنا الجماعة لثلاثة أجيال
أـ جيل التكوين وهو جيل السمع والطاعة
بـ جيل العمل والتنفيذ
ج ـ جيل جني الثمار أو جيل التمكين
21ـ إظهار الفشل النسبي لسيطرة عبدا لعزيز آل سعود على جماعة الأخوان السعودية لأنهم بدو يحملون صفات البداوة من الطباع المشاكسة والأدمغة الصلبة ويصعب السيطرة عليهم ، ولذلك فكر كل من عبدا لعزيز آل سعود ورشيد رضا ومحب الدين الخطيب في تمويل حسن البنا وتوفير الدعم المادي والمعنوي والسياسي لتأسيس جماعة الأخوان المسلمين في مصر التي من شروطها أن تسير على المنهج الإسلامي السائد في الجزيرة العربية ، والتلميح إلى عودة الخلافة الإسلامية لمهدها في الجزيرة العربية ليكون عبد العزيز آل سعود خليفة المسلمين।

ونكتفي بهذا القدر

وإليكم قراءة مبسطة ومختصرة لجزء من البحث الذي كتبه الدكتور / أحمد صبحي منصور شارحا العلاقة بين نشأة الإخوان وعبد العزيز آل سعود।

كان منطق التدين في العصور الوسطى الحروب و التطرف الديني والتعصب وكان هذا ملمحا هاما في جميع دول العالم الإسلامي والغربي المسيحي باستثناء دولة وحيدة وهي مصر ، فكانت الحروب الدينية بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي الغربي في الخارج كما كانت محاكم التفتيش والاضطهاد الديني في الداخل ، وتبادل الاتهام بالكفر في الداخل والخارج ، بالإضافة للظلم والاستبداد وكان كل هذا يتخفى في ثوب الدين ليجعل للحروب والاضطهاد الديني والظلم أدلة ومسوغا يضفي عليها الشرعية بالتأويل والتزييف .
وكانت مصر وحدها تختلف عن هذا النوع من التدين فكان السائد في مصر تدين من نوع خاص قام على أساسين:الصبر على ظلم الحاكم والتسامح مع الأخر وعلى الرغم من وجود بعض حركات التعصب ضد أهل الكتاب إلا أنها نقطة في بحر وشيء لا يذكر مقارنة بما حدث في العصور الوسطى في الغرب المسيحي والبلاد الإسلامية ، بالإضافة أنها كانت في الأغلب تحدث بسبب عامل خارجي مثل فقيه متعصب زائر ، ليس له دخل بعلاقة المسلمين بأهل الكتاب داخل مصر وسرعان ما يعود المصري لطبيعته المتسامحة ليعود معه الوئام.

وهذه الطبيعة المصرية المتسامحة في العصور الوسطى كانت سببا في دهشة الرحالة والفقهاء الزائرين لمصر ، خصوصا من أتى منهم من بلاد ينتشر فيها التعصب ، ومبعث دهشة هؤلاء هي انصراف العابد إلى عبادته والماجن إلى مجونه ، ولا يتدخل أحد في شئون الأخر وكلاهما مشغول بما هو فيه.
ولهذه الأسباب وبهذه الطبيعة المصرية البعيدة عن التعصب والتطرف والاضطهاد الديني لم تنجح دعوة ابن تيمية في مصر مثلما لقيت نجاحا ورواجا في بلاد الشام حيث تسود الطائفية والتعصب ، وفي ظل هذه الظروف قد تأثر المذهب الحنبلي المتشدد بالتسامح المصري فترك تشدده الذي نجح في بلاد الشام ، وفي الوقت الذي اشتعل فيه الصراع الطائفي والمذهبي في الشام والحجاز والعراق كان الأمر في مصر يسير على النقيض فكان لكل شيخ الحق في الانتقال من مذهب إلى مذهب حسب الأطماع الوظيفية ، وهي حالة لم نر مثيلا لها خارج مصر في العصور الوسطي.

وكانت كلمة السر هي التصوف الذي احتوى كل العقائد المصرية القديمة وصاغها في أشكال تحمل رموزا إسلامية ، واشترك المصريون جميعا في تأدية تلك الطقوس في نفس المناسبات مثل الموالد والقبور المقدسة والاعتقاد في الأولياء والقديسين ، وفي ظل هذه الظروف كان التسامح مع الأخر والتسليم بحقه وحريته هو دستور التعامل مع الأخر في مصر ، وعلى النقيض كان تغيير المنكر بالقوة هو الدستور المتبع خارج مصر وقد يحول تغيير المنكر لثوراة وحروب كما حدث بين الشام وإيران.
تفردت مصر في العصور الوسطى بتسامحها وصبرها على جور الحكام وهذا يجعل من الغريب بل ومن العجيب أيضا أن يدخل العالم إلى العصر الحديث تاركا التعصب الديني والحروب الدينية وتتلاشي مفاهيم العصور الوسطى ولكنها تعود إلى مصر في القرن العشرين الميلادي تحمل نفس الملامح التي سادت وسيطرت في العصور الوسطى ، ومن المؤكد أن هناك سبب ، والسبب هناك في منطقة نجد والدولة السعودية.

كانت منطقة نجد في الجزيرة العربية متطرفة في مناخها شحيحة في مواردها منعزلة على نفسها لا يرون في أي غريب إلى أنه ضحية للسلب والنهب ، وفي هذه الصحراء القاحلة عاش الأعراب على قطع الطريق وكان من العوامل المساعدة لهم انتشار أي دعوة دينية تبيح وتبرر لهم القتل والسلب للآخرين باسم الدين على أنه جهاد ، وارتبط استحلال الأعراب النجديين لدماء المسلمين المسالمين وأموالهم وأعراضهم بما يسمى بثوراة نجد الدينية ، بالإضافة للثورات والغارات الداخلية أو الغارات السنوية على قوافل الحجاج وهي غارات بدون شعارات دينية ، ولذلك كانت قوافل الحجاج تسير في حماية جيش خوفا من السلب والنهب والقتل.
ونتيجة لتأثر ابن خلدون بتاريخهم قد وصفهم في مقدمته قائلا ( أن الأعراب أسرع الناس للخراب وأنهم يحتاجون إلى دعوة دينية يستطيعون من خلالها استحلال الدماء والأموال والأعراض وإسباغ الشرعية على ثوراتهم واعتدائهم).

لذلك فإن منطقة (نجد) في الجزيرة العربية هي نقيض مصر ذات الموارد المتجددة والموقع المتميز المتصل بالعالم والمناخ المعتدل والشعب المتسامح ، ولذلك كانت لمصر خصوصيتها في العصور الوسطى في تسامحها وصبرها وتأثيرها الإيجابي في التاريخ الإسلامي ، وعلى النقيض كانت لنجد خصوصيتها في العصور الوسطى في تطرفها ودمويتها وتأثيرها السلبي في التاريخ الإسلامي.
وتسليما بمبدأ أن البيئة التي يولد ويعيش فيها الإنسان لها تأثير كبير في تشكيل شخصيته وطبائعه التي يكتسبها من نفس البيئة.
نقف بالتحليل للبيئة الجغرافية التي ولد فيها محمد بن عبد الوهاب صاحب الدعوة الوهابية.
1ـ في نجد بدأ التطرف مبكراً حين كان المركز الأساسي لحركة الردة ، وتحديدا في سهل حنيفة ظهر مسيلمة الكذاب ، وفي نفس سهل حنيفة ولد وعاش محمد بن عبد الوهاب صاحب الدعوة الوهابية فيما بعد .

ولقد وصف ربنا جل وعلا الأعراب أنهم أشد كفرا ونفاقا (التوبة: 97) ، وقد دخل الأعراب في الإسلام بعد أن أصبح دولة قوية ، لكن الإسلام لم يدخل في قلوبهم (الحجرات:14) ، وبعد موت النبي عليه السلام وتولي أبا بكر الخلافة تمردوا علي الدولة في حركة حربية كان مركزها (نجد) وهاجموا المدينة ، وحاربوا أبا بكر والمسلمين ، وليس صحيحا أن أبا بكر هو من حارب المرتدين ، ولكي يتخلص من بأسهم فكر في توجيههم للخارج فيما سمي بعد ذلك بالفتوحات العربية إلى شمال نجد والعراق ، ثم الشام وإيران ، وقد تكون جيش الفتوحات في معظمه من الأعراب (المرتدين سابقا ) وقيادة من الأمويين القرشيين (المعاندين سابقا ) ورأى الأمويين أن مصلحتهم تحتم عليهم الدخول في الدين الجديد وكانوا في الصفوف الأولى في الفتوحات لما لهم من خبرة حربية ومعرفة بالطرق وعلاقات بالقبائل العربية في الشام وانتهت الفتوحات وحكم الأمويون الشام والعراق ومصر وشمال أفريقا باسم الإسلام ، وفي خلافة عثمان سيطروا عليه ومن خلاله انتقموا من أعدائهم السابقين في الإسلام مثل عمار وابن مسعود ، واصطدموا بأعراب نجد فكانت الفتنة الكبرى التي لا زلنا نعيش في نفقها المظلم حتى الآن.

كان حلم امتلاك السواد وهي (الأرض الزراعية الواقعة بين نجد والعراق) سببا في اشتعال الثورات وبداية الفتنة الكبرى بين أعراب نجد والأمويون ، حيث كان السواء قريب من موطن أعراب نجد الأصلي وكانوا يغيرون عليه قبل الإسلام ، ولكن الأمويين لم يسمحوا لهم واعتبروا السواد بستان قريش ونتيجة لحصار عثمان قتله ثوار نجد ونصبوا عليا خليفة واشتعلت الحروب الأهلية وكان عماد جيش على هم أعراب نجد ثم خرجوا عليه وقتلوه وأصبح اسمهم الخوارج وتفرقوا يرفعون لواء الحاكمية (لا حكم إلا لله) وصاروا يقتلون المسلمين المسالمين في العراق وإيران ولكثرة ثوراتهم كانوا سببا في سقوط الدولة الأموية أمام العباسيين وخفت صوت الخوارج بعدهم . ولكنهم قد أرسوا مبدأ الحاكمية وقد طبقوه عمليا ودمويا على المسلمين المسالمين في الأسواق والتجمعات السكنية وأصدروا قرار نجدي باستحلال دماء كل المخالفين لهم في المذهب والعقيدة ، فكان الاستحلال هو المبدأ النجدي الأصيل في التعامل مع الأخر بدون فتوى أو مسوغ ديني ، أما حين يقوم نفس الاستحلال تحت دعوى دينية أو مسوغ ديني فإنه يكون مبررا قويا بفتاوى وأحاديث مثل (جعل رزقي تحت ظل رمحي).

وبعد أن ملَّ عرب نجد من الإغارة على الحجاج عادوا للثورة في العصر العباسي ، وكان الغطاء الديني في دعوة المغامر علي بن محمد فاتبعوه ، مع أغلبية من الرقيق الزنوج فيما عرف بثورة الزنج التي كانت سببا في تخريب جنوب العراق طوال خمس عشرة سنة (255ـ 270)هــ ، ثم اشتعلت ثورة أخرى لأعراب نجد تحت اسم القرامطة وامتدت غاراتهم إلى العراق والشام والحدود المصرية ، ولم تنج الكعبة من تدميرهم وكان لهم سبق مثل المغول في إبادة كل الأحياء في المدن التي يستولون عليها واستمروا حتى تغلب عليهم أعراب المنتفق.

وبعد القرامطة عاد أعراب نجد لسابق عهدهم في قطع الطريق على الحجاج والاقتتال الداخلي فيما بينهم ، إلى أن ظهر فيهم محمد بن عبد الوهاب بدعوته الدينية وتحالف مع ابن مسعود وكان أهم بند بينهما (الدم الدم الهدم الهدم) وهو مبدأ ليس غريبا على بيئة وطبيعة العرب النجديين ، وجعلوا الاستحلال شرعا وتشريعا من خلال اتهام كل المسلمين الآخرين بالكفر وكان ذلك الاتهام مبررا دينيا للغزو والتوسع ، وعلى هذا الأساس قامت الدولة السعودية الأولى ، ونشرت السلب والنهب وسفك الدماء في الجزيرة العربية وحول الخليج وفي العراق والشام ، إلى أن قضى عليها محمد علي باشا ودمر عاصمتها الدرعية عام 1818م.
أي عدنا من "نجد" إلى "مصر" لنعثر على الجذور الحديثة للتطرف الديني أو الحركة السلفية السياسية।

وإلى اللقاء في الجزء الثاني...

الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

لماذا أكتب مقالا عن هذا الحديث .؟

لماذا أكتب مقالا عن هذا الحديث .؟




كنت طالبا في المرحلة الإعدادية وبالتحديد عام 1992م ، وذات مرة جلست مع شقيقي ( رمضان ) عند أحد الجيران الذي يفتح دكان ، فطلب هذا الجار صاحب الدكان من رمضان أن يبتعد عني ولا يعلمني هذه الأفكار (يقصد الفكر القرآني) وبدون أي مقدمات أو اتفاق مسبق سألني شقيقي هذا السؤال (لماذا تذاكر الأحاديث يا رضا )) .؟ فأجبت في التو واللحظة أنا أذاكر الأحاديث لكي أنجح فيها في الدراسة ، فتعجب صاحب الدكان قائلا والله حرام عليك يا رمضان سيب رضا في حاله.
وفي عام 1996م كنت في نهاية المرحلة الثانوية وتسلل لزملائي في الفصل أنى لا أؤمن بالأحاديث فاجتمعوا لكي يناقشوني في وقت كنا بلا مدرس ، قالوا لي هل حقا أنت لا تؤمن بالأحاديث فقلت لهم نعم وكان في يدي المصحف فقلت لهم أنا لا أؤمن بأي شيء غير هذا القرآن الكريم فتعجبوا أيضا وتسابقوا في طرح أسئلة معتادة ومتكررة كيف عرفت الصلاة والزكاة ووووو..إلخ) .

وفي عام 1997 دخلت امتحان الثانوية الأزهرية للمرة الثانية بعد نجاحي في المرة الأولى بالطبع و كان ذلك لتحسين المجموع لأني حصلت على الشهادة الثانوية الأزهرية مرتين على التوالي ، وفي امتحان مادة الحديث كان السؤال الثاني يحتوى على حديث من أصعب أحاديث المنهج وكان ترتيبه في الكتاب المدرسي السادس ، ووفقني الله جل وعلا وحصلت على الدرجة النهائية في مادة الحديث 40 درجة من 40 درجة ، وعند ظهور النتيجة تعجب زملائي و كان لسان حالهم يقول كيف لا يؤمن بالأحاديث ويحصل فيها على الدرجة النهائية.

ذكرت تلك المواقف للرد على بعض الحقده والكاذبين والجاهلين والمتاجرين بدين الله ، و الذين عندما وجهنا لهم نقدا فكريا فشلوا في الرد عليه وحسبوه نقدا شخصيا للجسم لا للعقل لأنهم يقدسون الأجسام والأجساد على السواء ، فاتهمونا بأننا نتاجر بدين الله وأن لنا مآرب أخرى من كتابة هذه المقالات واتهمني أحدهم تحديدا في أبريل من عام 2008 أن هناك سبب لهذا التحول المفاجئ في شخصي ، في الفكر والعقيدة وكتابة مثل هذه المقالات ، لأن هؤلاء كانوا يسكنون الكهوف وعندما اصطدموا بخرافة الإنترنت ووجدوا أسماءنا موجودة ولها حيز من هذا الكيان الرهيب اشتعلت الأحقاد بداخلهم وبدأوا في كيل الاتهامات لنا بالباطل بلا علم ولا هدى.

بعد أن زاد انتشار وتأثير الفكر القرآني في كل أنحاء العالم ، وبعد أن أصبح الحديث عن التراث ونقده والمطالبة بإعادة قراءته وتصحيح أخطائه مطلبا هاما و متاحا ، وبعد أن طالب رجال وعلماء الأزهر أنفسهم البحث عن النسخ الأصلية لمخطوطات صحيح البخاري للوقوف على حقيقة بعض الأحاديث التي أثارت جدلا واسعا كما أثارت حفيظة كثير من المسلمين ، كل هذا التحول والتغير في المناخ الفكري وفي النظرة العامة للتراث وكتب الأحاديث كان سببه جهودا ومعاناة القرآنيين الذين جعلوا القرآن الكريم مصدرا وحيدا للتشريع يـحكمون من خلاله على كل ما هو بشري ، وهذه النقلة الكبيرة في الفكر الإسلامي التي قادها الدكتور / أحمد صبحي منصور على مدى ثلاثة عقود تقريبا صاحبها تغيير واضح وفاضح في تفكير وفكر المدافعين عن الأحاديث سواء من السنيين المعتدلين أو من الوهابيين ، ومن أبرز التغييرات التي طرأت على فكر هؤلاء جميعا حينما وجدوا أنفسهم على حافة هاوية لا يملكون حجة واحدة يدحضون بها قضية فكرية واحدة من القضايا التي فجرها الفكر القرآني فكان لابد من تغيير الفكر وتغيير أسلوب الرد واختراع حجج جديدة لمقاومة ومهاجمة الفكر القرآني ومحاولة تخفيف أثره وتأثيره الواضحين على كثير من المسلمين ، وما قالوه وما فعلوه يثبت ويبين هشاشة منهجهم وضعف حجتهم ، وإليكم أمثلة على ذلك:

1ـ عذاب القبر : حينما كتب الدكتور أحمد صبحي منصور ـ مؤلفا يتعرض فيه لأكذوبة عذاب القبر ، وقام بنفيها تماما من خلال عشرات الآيات من القرآن الكريم ، وكان هذا منذ حوالي ربع قرن من الزمان ، كان رد أهل السنة والوهابية على السواء الدكتور أحمد صبحي منصور كافر لأنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة ، وعذاب القبر ثابت بالسنة (الأحاديث) ومنكره كافر : أما ألآن وبعد مرور هذا الزمن اختلفت الردود والحجج حيث قالوا أن عذاب القبر لا علاقة له بالجسد ، إنما العذاب يكون للنفس لأن الجسد يتحلل ويأكله الدود فالعذاب يكون للنفس لا للجسد .

وهنا أقول لهؤلاء طالما أن العذاب يكون للنفس لا للجسد فما قولكم في هذا الحديث الذي يثبت أن العذاب يكون للجسد
صحيح البخاري - كِتَاب الْوُضُوءِ - إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به
215 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا) ص 89 –
http://hadith.al-islam.com/loader.aspx?pageid=236&Words=%D9%8A%D8%AE%D9%81%D9%81+%D8%B9%D9%86%D9%87%D9%85%D8%A7&Level=exact&Type=phrase&SectionID=2
ومن المعلوم أن النفس البشرية بعد خروجها من الجسد عند الموت تعود لمكانها التي جاءت منه في عالم البرزخ.

2ـ حد الردة : بعد كتاب الدكتور منصور الذي ينفي من خلاله حد الردة ويبين تناقضه مع حقائق القرآن الكريم ، كان نفس رد الفعل تقريبا منصور كافر وحد الردة من الإسلام ومن يخرج عن دين الإسلام يجب قتله وكان الدليل حديث كاذب يقولون فيه (لا يحل دم أمريء إلا بثلاث إحداها التارك لدينه المفارق للجماعة) ، والآن بعد حالة الحراك الثقافي والتطور الفكري في العالم أصبحت هذه الأدلة والحجج واهية وتلحق بأصحابها العار والدعوة للعنف والتطرف والرجعية ، وهم يريدون ركوب الموجة و يتمنون الظهور بمظهر أهل الإصلاح والتنوير ودعاة الحرية وحقوق الإنسان ، فكان هذا التغيير فقالوا جميعا حكم المرتد الاستتابة واختلفوا في مدة الاستتابة هل هي شهر أو عام أو عشرة أعوام أو أو ....إلخ ، وفوضوا الأمر لولي الأمر وأن ولي الأمر وحده من حقه حبس أو قتل هذا المرتد ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى قال أحدهم أن من يريد الردة أو الخروج عن الإسلام من حقه أن يفعل هذا بشرط أن لا يعلن ردته في بلاد الإسلام وأن لا يجهر بكفره ، ولو أراد أن يجهر بالكفر فعليه ترك بلاد الإسلام والذهاب لأي بلد أخر ، وقال أخر من يريد الخروج من دين الإسلام أو من يرتد يروح في ستين داهية إحنا هانعمله أيه هكذا قال.

3ـ إنكار السنة : قضية ثالثة وهي الأخطر حينما أثار الدكتور منصور قضية الأحاديث وقال أن معظم الأحاديث آحاد ظنية تقبل الشك لأنها كتبت بعد وفاة خاتم النبيين عليهم السلام بأكثر من قرنين من الزمان ولم يناقش أحد منذ ربع قرن أو أكثر قضية تدوين الأحاديث بعد وفاة خاتم النبيين بعد قرنين من الزمان ولكن كان كل التركيز على تكفير أحمد صبحي منصور والدفاع عن البخاري واعتبار الأحاديث وحي مثل القرآن ، وقد طالب الإمام الغزالي لجنة الفتوى بالأزهر إصدار فتوى قالوا فيها من ينكر السنة ليس بكافر ، فكان الرد أحمد منصور كافر ومنكر السنة ويريد هدم الإسلام وتموله جهات أجنبية ويجب قتله والأحاديث المروية صحيحة وهي وحي مثل القرآن ، لكن الآن هذه الحجج لا تناسب عقلية وثقافة الإنسان العادي فكان الحل في إثارة فكرة جديدة جدا وهي أن الأحاديث تمت كتابتها في عهد النبي وفي حياته ، ومن القصص الظريفة التي استدل بها الدكتور أحمد عمر هاشم على ذلك قصة عن ابن عباس ، قال فيها أن ابن عباس كان يكتب ما يسمعه من خاتم النبيين عليهم جميعا السلام وكان يسمي الصحفية التي يدون فيها الصادقة وقال ابن عباس لا أتخيل حياتي بدون الصادقة إذن ابن عباس كان يترك رسول الله يتحدث بالقرآن و يفضل أن يعيش مع الصادقة ، على الرغم أن أبو بكر وعمر بعد أن تولوا الخلافة قام كلاهما في خلافته بجمع كل هذه الصحف وأحرقوها خوفا على المسلمين من التشتت وإهمال وهجر القرآن الكريم وهذا ثابت في السيرة السنية ، والعجيب أن هؤلاء جميعا يتفقون في شيء خطير ألا وهو أن القرآن لم يكتبه خاتم النبيين في حياته ، بينما الأحاديث تمت كتابتها في حياة في الرسول .هكذا وصل حال هؤلاء في دفاعهم عن البخاري وأحاديثه.

هذه كانت مجرد أمثلة سريعة لبعض القضايا التي تعرض إليها أهل السنة والمدافعين عن البخاري وهكذا تباينت ردود أفعالهم بمرور الزمن ، وهناك عشرات المواضيع وعشرات القضايا الدينية التي اختلفت ردود أفعالهم حولها بين الحين والأخر ، فهم مع الأسف يعيشون حالة من عدم الاستقرار النفسي والفكري بين حب الدفاع عن البخاري لما يضمنه لهم من حياة كريمة وتوقير واحترام من عامة الناس وبين اتباع الحق القرآني حتى لا يتحولوا لتلاميذ في مدرسة القرآنيين وبذلك تسقط الأقنعة وتـُفـْـقـَـد الكراسي والمناصب والهيبة ويحل محلها المساواة والحوار الهادئ الذي لا يجدون له سبيلا.