الأحد، 2 ديسمبر 2012

بيـن الـواقـع والخـيـال ..... في حــدوتـة مصــريـة

بيـن الـواقـع والـخـيــال ... في حــدوتـة مـصــريـة


يحكى أن شابا كان يعيش في أسرة متوسطة الحال ومعظم أصدقائه وأقاربه من الأثرياء ، ظل هذا الشاب يعيش في الدنيا وحيدا لا عمل له ولا وظيفة ولا قدرة على تحمل المسئولية ، وفجأة اجتمع الأقارب والأصدقاء الأثرياء وقرروا أن يزوجوه لكي ينصلح حاله وتتغير أحواله ، وعـدوه بأنه لن يخسر أي شيء ولن يدفع أي شيء وأنهم سيتكفلون بكل المصاريف وسيدفعون كل التكاليف ، تزوج الشاب بعد أن قام الأصدقاء والأقارب الأثرياء بتجهيز وتأسيس كل شيء ولم تنقطع مساعداتهم له حتى بعد الزواج ، عاش بلا عمل وبلا درس ولا خبرات يتعلمها في الحياة تساعده في إدارة شئون حياته الجديدة خصوصا أنه كان يرزق بطفل كل عام تقريبا ومع زيادة عدد أفراد أسرته ازدادت مسئوليته وقلت معها مساعدات واهتمامات الأقارب والأصدقاء ، ورويدا رويدا تركوه وتخلوا عنه جميعا وتركوه يواجه مصيره بنفسه بعد أن أصبح مسئولا عن أسرة كبيرة وتعلقت في رقبته أفواه عديدة تحتاج المأكل وأجساد عارية تحتاج الستر والكسوة ومسئولية إدارة البيت اجتماعيا وأدبيا واقتصاديا ، وأصبح الرجل يعيش مع أسرته الكبيرة التي وضعت على كاهله مسئوليتهم وكفالتهم جميعا وأصبح من الطبيعي والمنطقي جدا أن يبحث عن عمل بدخل مناسب أو يعيد زراعة قطعة الأرض التي ورثها عن أبيه وتركها وأهمل فيها حتى أصبحت جرداء لا زرع فيها ولا ماء ، ولم يفكر بجد في المطالبة بأمواله التي لا تحصى ولا تعد عند التجار الذين كانوا شركاء أبيه في تجارته الكبيرة ، كل هذه الحلول لم يفكر فيها ليحقق مطالب هذه الأسرة الكبيرة لمواجهة الظروف الجديدة الصعبة ليوفر لهم الغذاء والعلاج والسكن والملبس وجميع احتياجاتهم ومتطلباتهم وفوق كل هذا توفير الحماية لهم وتأمين حياتهم بحيث يشعروا بالطمأنينة والهدوء والسكينة ، لأن هذه هي واجبات مُلِحة وضرورية تفرضها الأعراف الإنسانية والرجولة على أي رب أسرة يظن في نفسه أنه محل احترام الناس ، وهي واجبات كل رب أسرة يظن أنه مسئول وعلى قدر المسئولية ، على الأقل ليكون مثل الحيوانات في الغابة التي ترعى صغارها وتحميهم وتدفع عنهم كل شر وسوء وتوفر لهم المأكل والمشرب.

فشل هذا الأب ـ الرجل ـ العائل ـ لهذه الأسرة في تحقيق أقل القليل من متطلبات بعض أفراد الأسرة ، وفشل في تحقيق وتوفير أي شيء من ضروريات الحياة اليومية ، كان هذا الأب يعول أسرة مكونة من عشرة أفراد أو أكثر بعضهم في مراحل تعليم مختلفة ، والبعض بلا تعليم من أصحاب الحرف اليدوية والبعض فاشل وعاطل وبلا عمل ، وهذه الأسرة مجتمعة هي مسئولية هذا الرجل الأب وكانت لهم بعض المطالب الضرورية منها مطالب يومية وأسبوعية وشهرية وسنوية ، منها مطالب داخلية وخارجية ، ونعطي أمثلة : كان أحد أفراد الأسرة في حاجة ماسة للعلاج والذهاب للطبيب للكشف الطبي وتشخيص حالته الخطيرة ، والآخر يحتاج ثمن كتاب مهم ، والثالث يحتاج لملابس جديدة للعام الدارسي الجديد ، الرابع يحتاج لحقيبة (شنطة) يضع فيها كتب الدراسة ، والخامس تأخر في سداد مصروفات الدراسة والدروس الخصوصية والسادس يبحث عن عمل ، والسابع فاشل يصطحب بعض الفاشلين ويدخلهم البيت ويعبث معهم في البيت ويشربون المخدرات ويتلصصون على نساء البيت بدون علم الأب المغيب ، والثامن والتاسع انخرطا في إحدى الجماعات المتشددة وأصبحا يتهمان كل من حولهما بالكفر حتى أخوتهم وأبويهم.

  وكانت الأم تشكو دائما قلة ذات اليد وتطالب الأب بإيجاد حلول لهذه المشاكل الحياتية اليومية ، وبدأت تطالب الأب بتغيير وتجديد وتنجيد المراتب والأَسِرّة لأنها تهالكت وأصبحت قديمة وغير صحية وغير نظيفة وتسببت في نقل أمراض جلدية للأبناء وأصابت عظامهم بالانحرافات القوامية ، كذلك طالبت الأب بتجديد دهانات المنزل التي تآكلت من الرطوبة وشوهت وأخفت المعالم الأساسية المميزة لحيطان المنزل الذي كان قبل سنوات رمزا في الشارع وأفضل وأجمل منزل في الشارع كله ، كما طالبته بتغيير باب المنزل الرئيسي الذي تآكلت أخشابه من أشعة الشمس حرصا على تأمين البيت ، كذلك طالبته بتنظيف المكان المحيط بالمنزل والبحث عن حل لجبال القمامة التي تحيط المنزل من كل الاتجاهات ، وإصلاح ماسورة المياه الرئيسية التي انفجرت منذ أسابيع وتسببت في تحويل الشارع إلى برك ومستنقعات مائية صغيرة لا تصلح لمشي الآدميين ، وصرخت الأم في وجهه قائلة هل ستترك سلك الكهرباء الذي انقطع وتدلى أمام بيتك ولامس الماء الذي يملأ المكان حتى يسير عليه أطفالنا فيُصْعـَقـُوا بالكهرباء فيموتوا.؟ ، متى تفكر فينا وفي تحقيق احتياجاتنا.؟ ، متى تهتم بما يحتاجه أولادنا وما يحتاجه بيتك.؟   

والأم تسكت حينا لكنها لم تنسى ولن تنسى ما هي متطلبات بيتها وماي هي احتياجات أولادها لأن هؤلاء الأولاد قطعة منها وحملت كل واحد منهم تسعة أشهر في بطنها فلا يمكن أبدا مهما طال الوقت تهمل فيهم وتنسى ما يريدون أو تتجاهل فيما يفكرون ، وترجع الأم وتستجمع قواها فتقول للأب المهمل: أنها تحتاج لتغيير أسطوانة الغاز وتحتاج لسداد فواتير الكهرباء والماء والتليفون والانترنت وتحتاج لأساسيات غذائية في البيت لإطعام كل هؤلاء ثلاث وجبات كاملة يوميا (تحتاج للزيت والسكر والأرز واللبن والبيض واللحوم والدواجن والأسماك وجميع أنواع الخضروات والفاكهة) ، فهذه مشاعر طبيعية فطرية تشعر بها كل أم تجاه أولادها.
ورغم كل هذه المشاكل وكل هذا التقصير من الأب العائل الوحيد لهذه الأسرة ترك هذه الاحتياجات وهذه المتطلبات وأخبرهم أنه يريد التحدث معهم جميعا ، انتبه الجميع ولبوا الطلب : بدأ كلامه معهم قائلا  بصوت عالٍ يجب ان تعلموا جميعا أنني هنا كبير البيت وأنا صاحب الكلمة الأولى والأخيرة وليس من حق أي فرد من أفراد الأسرة أن يفعل أي شيء بدون إذني وليس من حق أحدكم الاعتراض على أي كلمة من كلامي ، يجب عليكم جميعا الالتزام بقواعد العيش في هذا المنزل الخروج بإذن والدخول بإذن وليس من حق أحدكم التأخر خارج البيت لساعات متأخرة ، ويجب عليكم جميعا أن تُحافظوا على الصلاة ولا تتركوا ركعة واحدة ولو عرفت أن أحدكم لا يصلي سوف أطرده من البيت ، ويجب أن لا تشاهدوا التليفزيون والانترنت ، ويجب أن تهتموا بدينكم حتى تتدخلوا الجنة.

الأخطر من هذا كله  أنه رغم تجاهله وإهماله لمطالبهم الأساسية التي لم يحقق منها أي شيء قد كتب كل هذه التعليمات والتحذيرات في ورقة وطلب من الأسرة جميعا أن يوقعوا عليها ويوافقوا ويلتزموا بما جاء فيها ، بدون أن يسمح لأحدهم أن يقرأ هذه الورقة أو يسأل ما مضمون هذه التعليمات خصوصا أن نصف أفراد الأسرة من الأميين والغير متعلمين.

ركوب أظْهُر المصريين ... باسم الشريعة والدين

ركوب أظْهُر المصريين ... باسم الشريعة والدين


بداية لابد أن نبين حقيقة قرآنية هامة جدا وضحها رب العزة جل وعلا في القرآن العظيم ، وهي أن أي إنسان في هذا الكون غير مسئول عن اختيار الآخرين لدينهم ومعتقدهم ومذهبهم ، لأن اختيار الدين حرية شخصية فردية أقرها القرآن الكريم وتكررت في مواضع عـدة لأن هذه الحرية الدينية منحة وهبه وعطاء من الله جل وعلا لكل البشر فليس من حق فرد أو جماعة أن يسلبنا حقنا في هذه الحرية الدينية وليس من حق أي فرد أو جماعة أن يتدخل في هذه المسألة أبدا أبدا ، وكذلك وضح وبين القرآن أن مقابل هذه الحرية في اختيار الدين هناك مسئولية فردية وشخصية عند الحساب ، ولن يتحمل أحد وزر أحد مهما كان من أصدقائه أو أقاربه أو أهله وعشيرته ، الكل عند الحساب سيهرب من الآخرين سَيَـفِـرُّ من أهله وعشيرته وأقاربه وأولاده وأصحابه وحتى زوجته ، سينشغل كل إنسان بقضيته ومصيره ، ولن يجد أحد متسعا من الوقت للدفاع عن غيره أو الوقوف بجانبهم وقت الحساب ، مهما كان يحاول فرض رأيه الديني عليهم في الدنيا ، ومهما كان يحبهم صدقا أو كذبا أو كان محبا لفرض الدين على الناس في الدنيا ، مهما ادعى أنه يريد تطبيق شرع الله في الدنيا ، ومهما ادعى أنه يدافع عن الإسلام في الدنيا فيوم القيامة الأمر يختلف تماما كما وضح ربنا جل وعلا ولأن الحساب في اختبار الدنيا سيكون فرديا لا جماعيا ، يقول تعالى عن هذا الموقف العظيم(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)عبس: 34 : 37 ، وقوله تعالى (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)النحل:111 ، ويقول تعالى يؤكد أن كل إنسان سيأتي فردا وحيدا وسيتخلى عنه كل من وعدوه بدخول الجنة وكل من خدعوه وأقنعوه أنه لو فعل كذا سيكون من أهل الجنة فهؤلاء جميعا سيهربون منه ويتخلون عنه وسينقطع الاتصال والتواصل بينه وبينهم وقت الحساب وعند العرض على الله يقول تعالى ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)) الأنعام:94 ، ورغم هذا الوضوح القرآني إلا أن معظم الدعاة اليوم ومعظم المنشغلين بنشر الدعوة قد رفعوا أنفسهم درجات فوق الأنبياء والمرسلين ، فبينما يقرر ويؤكد رب العزة أن الدين لا إكراه فيه ، وأنه ليس من حق أي إنسان أن يجبر إنسانا أخر على اعتناق دين أو مذهب آخر مهما كان ذا قربى إلا أن هؤلاء الدعاة يتجاهلون كلام الله جل وعلا ويفرضون فهمهم للدين على الناس على أنه هو الدين ويدّعون أن كل من يوافقهم سيكون من أهل الجنة وأهل الحق وأنه على الصواب ، ويدّعون أن كل من يخالفهم هو من أهل النار لأنه على الخطأ وفوق كل ما فعلوه وقالوه استغلوا كل هذا الخرف في الدعاية السياسية ووعدوا أنصارهم السياسيين بدخول الجنة ، والأمثلة القرآنية العديدة التي تكررت في القرآن العظيم تبين وتؤكد أنني كإنسان ليس من حقي فرض الدين على أي مخلوق آخر مهما كنت على يقين أنني على الحق ، وأعتقد أن أنبياء الله عليهم جميعا السلام الذين كُلفوا بتبليغ رسالاته للبشر كانوا على هذا اليقين لأنهم أصحاب دعوة سماوية ومكلفون من الله بتبليغها للناس ، لكن رغم ذلك لم نقرأ في القرآن الكريم آية واحدة تبين أن أحد الأنبياء فضّل نفسه على الناس وتعامل معهم بتكبر وتعصب أو غلظة في عرض دعوته وتبليغ رسالته ، بل كان يركز الأنبياء دائما أن يكونوا قدوة في أفعالهم وسلوكياتهم وحركاتهم وتعاملاتهم مع الناس ، و لا ننسى أن خاتم النبيين قبل أن يبعث نبيا كان مشهورا بالصدق والأمانة بين كفار قريش.

ونذكر بعض أمثلة لبعض المرسلين ، ضرب الله جل وعلا بهم أمثلة رائعة في حرية العقيدة وحرية الاختيار لكل إنسان ، في قصة نوح عليه السلام الذي ظل يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وفي نهاية القصة حين أمره ربه أن يصنع الفلك ويحمل فيها من كل زوجين اثنين وكل من آمن معه ، وبعد أن ركب نوح عليه السلام ومن آمن معه في السفينة ظلّ ينادى على ابنه لكي يركب معه فرفض ، وأصرّ على موقفه ومات كافرا يقول تعالى(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ)هود:42 ، 43 ، وفي قصة إبراهيم عليه السلام خليل الله الذي وصفه ربنا جل وعلا أنه كان أمّة واتخذه الله خليلا ، ورغم ذلك كان أبوه كافرا يعبد الأصنام ويشرك بالله جل وعلا يقول تعالى(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )الأنعام:74 ، يقول تعالى(وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ )التوبة:114 ، يقول تعالى((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ)الزخرف:26 ، وهنا نموذج رائع في رقي الدعوة وأسلوبها وتسلسل بديع من رب العالمين في حوار طويل بين إبراهيم وأبيه اتمنى أن يتعلم منه المتطرفون والارهابيون الذين يريدون فرض عفنهم الفكري على الناس على أنه صحيح الدين ، وتسول لهم أنفسهم تكفير وقتل كل من يخالف فكرهم البشري وفهمهم للدين ويدّعون أنه سيكون من أهل النار يقول تعالى((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً))مريم: 41 : 48 ، حين رفض أبو إبراهيم الهداية هو من معه وأصروا على عبادة الأصنام اعتزلهم وتركهم إبراهيم عليه السلام ولم يكفرهم أو يحاول قتلهم ، لكنه ابتعد عنهم.

المثال الثالث في قصة نبي الله لوط عليه السلام وهو من ذرية إبراهيم أيضا ، كانت امرأة لوط كافرة برسالته ، وحين جاء أمر الله إلى لوط ومن آمن معه تركوا القرية بأمر من الله ، وهربوا بدينهم من القرية التي كانت تفعل الخبائث يقول تعالى(وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)العنكبوت:31 : 34.
القصة الرابعة وان اختلفت لكنها تبين وتؤكد أن الإنسان الذي يريد الهداية يهديه الله جل وعلا مهما كان المكان أو الزمان الذي يعيش فيه ، والإنسان الذي يصر على الكفر لن يهديه الله أبدا مهما كان في بيت يشع بالإيمان ولنا موعظة في قصة امرأة نوح وامرأة لوط كأمثلة للذين كفروا رغم أنهن زوجات لأنبياء ، امرأة نوح أكبر طغاة التاريخ التي آمنت بالله جل وعلا رغم أنها تعيش في بيت فرعون موسى الذي ادعى أنه إله مع الله وضرب الله بهذه المرأة مثالا للذين أمنوا ، يقول تعالى(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)التحريم:10 ، 11.
هؤلاء أنبياء الله ولم يستطيع أحدهم فرض الدين على أبيه وزوجته وولده وماتوا كفارا ، ولن ينفع هؤلاء الكفار يوم القيامة قرابتهم من الأنبياء والمرسلين ولن تغني عنهم هذه القرابة من الله شيئا ، وعلى النقيض تماما امرأة فرعون أعتى طغاة التاريخ ضرب الله جل وعلا بها مثالا للذين أمنوا ، إذن من يريد ويصر على تطبيق الشريعة ويتجاهل حقول الناس في العيش بحرية وعدالة وكرامة إنسانية ، ويتجاهل المرضى والفقراء المعدمين ويتجاهل فساد التعليم وفساد معظم مؤسسات الدولة ويتجاهل الفوارق الطبقية الهائلة ولا يفكر إلا في تطبيق الشريعة فهو يخالف آيات وتشريعات القرآن ويرفع نفسه فوق الأنبياء الذين اهتموا بحياة الإنسان وقدسوها ولذلك خليل الله إبراهيم حين ترك زوجته وابنه اسماعيل عند البيت الحرام كانت مطالبه ودعواه لهم تتلخص في أمرين أن ينعم أهله بالأمن(بأمن يتحول المكان الذي تركهم فيه إلى مجتمع متكامل) ، وأن تتوفر لهم سبل العيش(بأن يرزقهم الله من الثمرات ) ، لكن ترك مسألة إقامة الصلاة لهم فقال (لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) يقول تعالى(رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)إبراهيم:37 ، ونستفيد من هذا الموقف أن أي مسئول عن أسرة أو عن دولة يجب أن يهتم بتحقيق الأمن وتوفير احتياجات من يعول ، ويترك لهم حرية الدين لأنها مسئولية شخصية وفردية.

ومن وجهة نظري إن إصرار أي نظام سياسي حاكم على موضوع تطبيق الشريعة هو هروب من مهام وظيفته الأصلية وهي تحقيق مطالب الناس وتوفير حياة حرة كريمة لهم وتوفير كل احتياجاتهم وتحقيق العدالة والمساواة بينهم وفوق كل هذا تحقيق الأمن والأمان ، لكنهم يتركوا كل هذه الإصلاحات الملحة والضرورية التي يحتاج إليها ويشتاق إليها معظم المصريين ويضحكون على الناس ويرفعون شعارات تطبيق الشريعة ، وهنا كل أمة وكل شعب سيحدد مستقبله ومصيره بنفسه وباختياره لأن الشعب هو مصدر السلطات كما يقولون ، فهل سيسمح الشعب المصري لأحد أن يركب ظهره باسم الشريعة أم سيصر أولا على تحقيق مطالب ثورته في العيش بكرامة وحرية وعدالة اجتماعية.

الخميس، 8 نوفمبر 2012

عشوائيات القاهرة وقرار غلق المحلات في العاشرة


منذ أسابيع أو شهور عدة والمجتمع المصري كله مشغول بقضايا في منتهى التفاهة ولا قيمة لها ولا تأثير في التغيير الذي كان المطلب الأساس للثورة المصرية التي أظن أنها دخلت عالم النسيان عند معظم المصريين.
فقد انشغل واهتم المصريون بغلق المواقع الإباحية وغلق المحلات في العاشرة مساء وغلق القنوات الفضائية وغلق الجرائد الورقية التي تهاجم الأخوان ، ورغم هذا الانشغال إلا أن معظم المصريين لم يفكروا أن معظم القرارات تطالب بـ (غلق) ، وهذا لا يبشر بأي خير إطلاقا ، ويثبت ويؤكد أن مشروع النهضة المزعوم كان أكبر أكذوبة في تاريخ البشرية بعد أكذوبة أن الاخوان هم أبطال الثورة وأن الوضع الذي نعيشه الآن يمكن وصفه بأنه نجاحا للثورة.
ومقالي هذا سيتناول فقط قرار واحد ألا وهو "قرار غلق المحلات التجارية في العاشرة مساء" بهدف توفير مليارات على الدولة كما يزعم صاحب القرار ومن أيده وواقف عليه وسانده ، وأظن بل أؤكد أن غلق المحلات في هذا التوقيت لن يجلب على مصر إلا الخراب والفقر والبطالة والبلطجة وانتشار خفافيش الظلام من بلطجية وخلايا إرهابية وهابية في كل شبر من أرض مصر دون رقيب أو حسيب وسيكون المستفيد الوحيد من إخلاء شوارع القاهرة كلها في هذا الوقت المبكر هم البلطجية والمسجلين والارهابين من تجار الدين وذلك مع استمرار حالة الفراغ الأمني المتعمدة من الدولة.
وسؤالي هنا لصاحب هذا القرار الشجاع البطل : إذا استطعت تنفيذ هذا القرار على أصحاب المحلات التجارية في المناطق والشوارع التجارية المشهورة في الأحياء الكبرى في القاهرة مثل العتبة ورمسيس والتحرير والموسكي وخان الخليلي والحسين والزمالك والمهندسين ومدينة نصر ومصر الجديدة (روكسي) ومدينة 6 أكتوبر وهذه مجرد أمثلة ، ولنفرض جدلا أن أصحاب هذه المحال سيوافقون وينفذون القرار ويغلقون مصادر رزقهم في هذا التوقيت المبكر ، فهل يجرؤ أو يستطيع أي مسئول في هذه الدولة أن يصدر قرارا بغلق الورش والمصانع والمحلات التجارية المنتشرة في كل شبر من عشوائيات القاهرة.؟ وإليكم أمثلة على كلامي : في مدينة الحرفيين ، وفي حي البساتين والسيدة عائشة وبعض أحياء تابعة للمعادي وهي مجاورة لحي البساتين وحي الدويقة ومنشأة ناصر والزاوية والسيدة زينب ، ولكي لا أطيل على حضارتكم فإن العشوائيات أصبحت سرطان لا يمكن علاجه لأنه يتكاثر بصورة غير طبيعية وغير تقليدية وليس هناك أي نية للدولة لعلاج هذا السرطان ، ونجد في أرقى أحياء القاهرة وبجوار أشهر الفنادق مساكن عشوائية ، وهذه مجرد أمثلة فقط ، فكل هذه الأحياء السطنية مليئة بورش نجارة لصناعة ودهان الموبيليا وصناعة وتنجيد جميع أنواع الأثاث وورش لصيانة السيارات ميكانيكيا أو أعمال السمكرة والدوكو ، أو ورش لتصنيع جميع أنواع الرخام والحجر الجيري والحجر الفرعوني وجميع أعمال البناء وصناعات الأسمنت والجبس ، (كل هذا في قلب العمارات السكنية) ، وكل هذه المهن رغم أهميتها في المجتمع واعتبارها مصدرا أساسيا للدخل لكثير من المصريين الذين فشلت الدولة في توفير أعمال مناسبة لهم ، إلا أن هذه المهن تضر بصحة الإنسان لأن معظمها يتسبب في تلويث الجو بغبار الرخام والجرانيت والأدخنة والأتربة والعوادم ومخلفات البترول التي يستخدمها من يقومون بدهان الأثاث ودهان السيارات وكذلك عوادم مصانع الملابس وصباغتها ، وعوادم ورش الخراطة وبرادة الحديد والمعادن الأخرى ، فهذه العشوائيات تعتبر المسبب الرئيسي لكثير من الأمراض مثل الربو الشعبي وأمراض الجهاز التنفسي ، ولا يجب ان ننسى الضوضاء التي تسببها هذه الورش التي أدمن أصحابها النوم نهارا والعمل ليلا حتى مطلع الفجر ، وقد أصيب معظم سكان هذه العشوائيات بأمراض نفسية وسمعية وعقلية بسبب الضوضاء وكانت أيضا سببا في تفريخ البلطجية والمسجلين.
وسؤالي الأخير : هل قرار غلق المحلات مبكرا هو قرار إصلاحي.؟ نتمنى ذلك ، لكن من وجهة نظري أراه قرارا مُسَيَّـسَا من الدرجة الأولى لأن هدفه كما قلت إخلاء شوارع القاهرة من الناس في ساعات مبكرة من الليل لكي يخلو الجو لأرباب السوابق وخفافيش الإرهاب ، ولو أن هذا القرار الغرض منه إصلاح حال الناس وتوفير أموال للدولة فلابد من التفكير في العشوائيات ونقل جميع الورش والمحلات خارج المناطق السكنية إذا كنتم تفكرون أصلا في أي إصلاح يعود على المواطن الفقير المعدوم ، لكي لا يشعر أنه في عالم النسيان حتى في القرارات التي لا نعلم هل هي مع أو ضد الوطن المواطن.

الاثنين، 5 نوفمبر 2012

تـنـاقـض السـلـفـيـيـن والاخــوان مع آيات وتشـريعـات الـقـرآن



تـنـاقـض السـلـفـيـيـن والاخــوان مع آيات وتشـريعـات الـقـرآن

هذا المقال في عجاله اعتبره ردا على ثلاثة نقاط أساسية:
الأولى: إصرار السلفيين والاخوان على موضوع تطبيق الشريعة مع أنهما مجتمعين لم يفكروا حتى هذه اللحظة في تحقيق العدالة والمساواة والقضاء على الفقر والجهل والمرض والتفكير في حل أزمات المواطنين.
الثانية: مخالفة الاخوان لآيات وتشريعات القرآن
الثالثة: مخالفة السلفيين لآيات وتشريعات القرآن
ونبدأ بالنقطة الأولى ، على الرغم أن المجتمع المصري يعج بالمشاكل والأزمات التي يعاني منها معظم المصريين في كل شبر من أرض مصر إلا أن السلفيين والاخوان لا يهمهم ولا يشغلهم ولا يخطر ببالهم لحظة واحدة القضاء على هذه الأزمات والمشاكل اليومية للمصريين ، يتظاهر السلفيون والاخوان في كل مكان أنهم يريدون تطبيق الشريعة ، ولو أنهم يريدون فعلا وحقا تطبيق شريعة الله التي نزلت على خاتم النبيين في القرآن الكريم فلا مانع أبدا ولا يمكن أن نعترض على تطبيق شريعة الله ، لأن القرآن الكريم شريعة كل البشر نزل للناس كافة لتحقيق العدل والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس جميعا ، والقضاء على الفساد والاستبداد والاستعباد والاسترقاق وتقديس الأشخاص ، والقضاء على ظلم المرأة والتعامل معها على أنها ناقصة عقل ودين ، كذلك نزل القرآن لنشر التسامح والأخلاق الحسنة والآداب العامة وغض البصر واحترام حقوق الآخرين مهما اختلفوا معنا في الرأي أو الدين والعقيدة ، وشريعة القرآن بصفة عامة تدعو لكل سلوك حضاري راقٍ إنساني عادل.
وكل هذه الأمور لا يختلف عليها ولا يرفضها أو يعترض عليها أحد أبدا ، بل وينادي بها جميع الناس في كل مكان ، لأنها تعاليم وتشريعات قرآنية واضحة لا عوج فيها ومن يطالب بها نحن معه ونسانده ونضع يدنا بيده ، لكن حين يخرج علينا مجموعة من الدعاة ويدّعون أن الشريعة هي فهمهم هم للدين ، وأن الشريعة هي وجهة نظرهم هم في فهم هذا الدين ، وأنهم أولى الأمر وأنهم مفوضون من الله لتطبيق شريعته ، فلابد أن نقف ضدهم ونفضحهم ونكشف تناقضهم مع شريعة الله ، ونثبت من خلال القرآن الكريم أنهم أكثر الناس تناقضا مع شريعة الله ومخالفة لها ، شريعة الله التي نزلت في القرآن الكريم على خاتم النبيين ، وهذا ما وقع ويقع فيه كل يوم السلفيون والاخوان ، وسنضرب مثالين اثنين نوضح بهما إلى أي مدى يتناقض السلفيون والإخوان مع آيات وتشريعات القرآن ، وهذا ما أشرنا إليه في النقطتين الثانية والثالثة:ـ
النقطة الثانية:ـ مخالفة الاخوان لآيات وتشريعات القرآن
لا أجد مثالا حيا أستدل به على هذه المخالفة إلا مقطع الفيديو الذي يصور مرشد الاخوان وهو يؤدي مناسك الحج في بيت الله الحرام الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا ، ولكن رغم ذلك يحيط المرشد مجموعة من الشباب لحراسته وحمايته من ماذا .؟ لا أدري ... أرجو مشاهدة الفيديو قبل قراءة تعليقي عليه
الفيديو على الرابط
والرد على هذا المشهد الذي يثبت ويؤكد ويبين مخالفة صريحة واضحة لآيات الله جل وعلا ، لا يحتاج لتفكير أكثر من ذكر آيات القرآن الكريم التي يتحدث فيها رب العزة جل وعلا عن بيته الحرام ويؤكد فيها أن هذا البيت آمن ، ومن دخله كان آمنا يقول تعالى(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)البقرة:125 ، وفي موضع آخر (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ  فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ)آل عمران:96 ، 97 ، وفي سورة قريش توضيح رائع يبين ويؤكد أن من خرج مسافرا متوجها لبيت الله فهو آمن وسورة قريش القصيرة جدا تبين وتشرح هذا في إيجاز وإعجاز قرآني رائع وبديع يقول جل وعلا (لإِيلافِ قُرَيْشٍ  إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ  فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ  الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)قريش ، ونترك للقاريء حرية الاختيار والتفكير واستنباط الحقيقة ، هل فعلا من يؤمن بآيات الله جل وعلا وشريعته الواضحة في القرآن الكريم ويؤمن أن بيت الله آمن ومن دخله فهو آمن يوافق أن يؤدي مناسك الحج وحوله حراسة بهذا الشكل .؟.
النقطة الثالثة:ـ مخالفة السلفيين لآيات وتشريعات القرآن
وبطل هذه القصة أحد دعاة السلفية وأئمتهم الذي يغضب من العلمانيين والليبراليين ويعتبرهم كفارا يجب قتلهم ولا يعترف بحقهم في العيش على أرض الوطن وأن عليهم البحث عن وطن آخر أو بتعبيره فليرحلوا من هذا الكون ، كذلك وصفه للنصارى بأنهم مواطنون درجة ثانية ولا يجوز أن نساوي بين المسلم والنصراني ليعيشا معا رأسا برأس كما قال وليس من حق النصارى بناء كنائس مثل حق المسلمين في بناء المساجد لأنهم أقلية ، واتهامه كل من يخالف فهمه للدين وكل من يعترض على وجهة نظره في فهم الدين بأنه كافر ، وظنه بأنه مفوض من الله لتطبيق شريعته على الناس ، وهو أبعد ما يكون عن شرع الله القرآن الكريم ... وإليكم الفيديو أرجو مشاهدته أيضا قبل قراءة تعليقي عليه
الفيديو على هذا الرابط
ربنا جل وعلا أمرنا كمسلمين ومؤمنين بالقرآن الكريم ألا نزكي أو نفضل أنفسنا على أحد ، لأن هذه التزكية وهذا التفضيل مرجعه إلى الله وحده لا شريك له ولا يحكم فيه أو عليه إلا الله سبحانه وتعالى ، وليس من حق أي إنسان أن يدعى أنه أعلى من الناس درجة عند الله يقول تعالى(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى)النجم:32 ، وهذه قاعدة أساسية لكل مؤمن بشريعة الله ليس من حقك أن تمنح نفسك درجة إيمانية أعلى من الناس لأن الله جل وعلا أعلم بنا ويعلم ما نخفي وما نعلن ويعلم ما تخفي صدورنا ، إذن ليس من حق أي داعية أو شيخ أن يصنف المواطنين في أي دولة حسب دينهم وعقيدتهم ويمنحهم درجات وأفضليات ، لأنه بذلك وضع نفسه مكان الله جل وعلا دون أن يدري.
أما بخصوص التعامل مع الكفار ، إذا كان هناك كفار أصلا يعيشون في الدولة الإسلامية حتى يومنا هذا ، فليس أمامنا إلا أن نتذكر معا الدولة التي أسسها خاتم النبيين محمدا عليه الصلاة والسلام ، وهو قدوتنا وأسوتنا الحسنة ولابد أن نتعلم منه ونستفيد ونأخذ دروسا في كيفية إدارة الدولة وكيفية التعامل مع الكفار والمنافقين إن وجدوا ، وهذا ما بينه القرآن الكريم ووضحه في آيات عديدة ، لكن لأننا هجرنا كلام الله جل وعلا وقعنا فريسة لدعاة تطبيق الشريعة وهم أبعد الناس وأكثر الناس تناقضا مع شريعة الله وقرآنه الكريم.
في الدولة الإسلامية الأولى التي عاش فيها خاتم النبيين مع المسلمين والأنصار والمنافقين والكفار ، لم يكن هناك أبدا أي ذكر لتفضيل الأغلبية على الأقلية كما يدعي شيوخ السلفية ، ولم يكن هناك تمييز وتزكية لأحد على أحد في أول وآخر دولة تم تطبيق شريعة الله فيها ، وكان العدل والإحسان والتسامح والعفو والصفح الجميل هي أهم صفات خاتم النبيين وأبرز سلوكياته مع أعدائه وأعداء الدين وهو نبي مرسل من عند الله ، ولم يفكر خاتم النبيين أن يقتل كافرا أو منافقا أو يظلم كافرا أو منافقا أو حتى مشركا ، ولكنه كان يحكم بين الجميع بما أنزل الله بالقرآن الكريم على الرغم أنهم لا يؤمنون بدين الله ولا برسوله وقرآنه لكن عظمة الإسلام تحتم على خاتم النبيين أن يعدل بينهم وأن يتسامح معهم ويعفو ويصفح عنهم مهما آذوه أو حاربوه أو سخروا منه ومن رسالته ووصفوه بالجنون وأن القرآن أساطير الأولين ، لم يخطر بباله عليه الصلاة والسلام أن يطالبهم بالهجرة من وطنهم أو أن يفرض عليهم أن يرحلوا من بلادهم ، ولكنه حين تعرض للظلم والقهر وحاربوه جاءه الأمر والوحي أن يهاجر بعيدا عنهم ويتركهم في غيهم أحرارا يفعلون ما يشاؤون.
ومن عظمة الإسلام التي عبّر عنها القرآن الكريم في قصة مسجد الضرار ، وهو مسجد بناه المنافقون للكيد للإسلام ومحاربة المسلمين ومواجهة دعوة خاتم النبيين والتخطيط للتفريق بين المؤمنين ، لكن ربنا جل وعلا لم يأمر خاتم النبيين أن يهدم مسجدهم أو يقاتلهم أو يحاربهم طالما يفعلوا ما يفعلون في شكل سلمي ، ولم يعتدوا عليه ، وإنما كان الأمر غاية في الرقي والتحضر والعدل واحترام حقهم في رفض دعوة الإسلام والكفر برسول الإسلام وكان الأمر لخاتم النبيين(لا تقم فيه) يقول تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ  لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ  أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)التوبة:107 : 110 ، نزل الأمر بالنهي عن الإقامة في هذا المسجد الذي بُنِيَ للضرر ومحاربة الإسلام فكريا ونشر الأكاذيب ضد رسالته ، ولو تدبرنا آيات القرآن الكريم وفهمنا تشريعاته وقواعده الواضحة في كيفية التعامل مع الخارجين عن الدين أو مع كل من يقوم بالسخرية من ديننا الحنيف والاستهزاء بقرآننا الكريم أو حتى اتهام رسولنا الكريم بأنه شاعر أو مجنون أو كذاب سنعرف ماذا نفعل معهم.؟.
طالما أننا مسلمون وندّعى أن محمدا عليه الصلاة والسلام قدوتنا وأسوتنا فلابد أن نتبع منهج القرآن وتوجيهاته وأوامره ونواهيه التي نزلت من قبلنا على صاحب الرسالة الخاتمة عليه الصلاة والسلام ، هذا إذا كنا فعلا نريد تطبيق شرع الله جل وعلا.
أولا: تعرض الرسول عليه الصلاة والسلام للأذى النفسي والمادي من الكفار والمشركين والمنافقين ماذا فعل .؟(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)الحجر:85 ، منهجه في الدعوة ومنهجه في التعامل مع أعدائه (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ  وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)فصلت:33 ، 34 ، رده عليه الصلاة والسلام على الإيذاء (وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً)الأحزاب:48
ثانيا: كثيرا ما سخر واستهزأ الكفار من الرسول ومن القرآن واتهموه بأنه شاعر ومجنون وكان يضيق صدره مما يقولون ، واتهموه بأنه هو مؤلف القرآن وأن القرآن أساطير الأولين وطلبوا منه أن يأت بقرآن آخر غير هذا القرآن فكيف ردّ عليهم وماذا فعل معهم عليه الصلاة والسلام.؟ ، طبقا لما نزل من القرآن يقول تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)يونس:15 ، (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً  وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)الفرقان:4 ، 5 ، (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ)يونس:2، (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)يونس:15 (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ)ص:4 ، (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ  فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ  وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)الحجر:97 : 99 ، والأكثر من هذا ماذا تفعل يا مسلم حين تجلس في مكان وسمعت بعض الناس يسخرون من القرآن أو يكفرون به يقول تعالى(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً)النساء:140 ، وهذا الأمر نزل لخاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام حين يرى الناس يخوضون في آيات الله ماذا يفعل معهم.؟( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)الأنعام:68. هذه هي اوامر وتشريعات القرآن في التعامل مع كل إنسان يرفض دين الإسلام ويكفر به أو حتى يسخر منه ويستهزيء به ، وذلك لأن الإسلام دين الأخلاق والتحضر وحرية الاختيار مهما كانت تخالف الإسلام ومرجع كل هذا والفصل فيه بين الناس إلى الله جل وعلا يوم الحساب.
السؤال هنا للسلفيين والاخوان وجميع المسلمين في مصر: هل سمعتم من أحد العلمانيين أو الليبراليين أو دعاة الدولة المدنية أو ممن يريدون مناقشة الدستور قبل الموافقة عليه أو ممن يرفضون أخونة الدولة أو ممن يعترضون على طريقة السلفيين والاخوان في التحدث عن مخالفيهم أو ممن ينتقدون سياسة الاخوان في إدارة الدولة ، هل سمعتهم أحدا من هؤلاء يُكذب بالقرآن أو يستهزأ بالقرآن أو يسخر من خاتم النبيين أو يتهم خاتم النبيين بأنه شاعر أو مجنون أو يقول على القرآن أساطير الأولين أو حاول بناء مسجد لمحاربة الاسلام والمسلمين ونشر الفتنة بينهم.؟
أعتقد لم يفكر أحد من هؤلاء ولم يخطر بباله أن يفعل أي شيء من هذه الأفعال ورغم ذلك تعرضوا للتكفير وإهدار دمهم من السلفيين والاخوان في كل مكان لمجرد أنهم وجهوا نقدا لأفكار واجتهادات مجموعة من البشر من السلفيين والاخوان لم ينزل عليهم وحي من رب العالمين ، يصيبون ويخطئون لأنهم بشر غير معصومين ، وحتى لو أنهم أنبياء مرسلون يوحى إليهم فليس من حقهم تكفير أحد أو إهدار دمه أو تحقيره أو محاسبته في الدنيا ، لو أنهم فعلا يؤمنون بشريعة القرآن الحقيقية كان يجب عليهم الاقتداء بأخلاق الأنبياء إذا كانوا فعلا يؤمنون بشرع الله ويعتبرون خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام قدوتهم وأسوتهم الحسنة ، وإذا كانوا يريدون تطبيق شرع الله جل وعلا ، ولكنهم خالفوا هذا الشرع وتناقضوا معه في أبسط سلوكياتهم وأفعالهم وردود أفعالهم مع كل مواطن يوجه إليهم نقدا أو يخالف فكرهم ومنهجهم ورؤيتهم في فهم الدين ، وهذا يثبت ويبين أنهم يريدون تطبيق شريعة بشرية لا علاقة لها بشريعة الله القرآنية ..

الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

عـلاقـة الغــدد والهــرمـونـات .. بـتحـديد السيـئات والحـسنات


عـلاقـة الغــدد والهــرمـونـات .. بـتحـديد السيـئات والحـسنات 

تمهيد ::

يوجد في جسم الإنسان عدد كبير من الغدد وظيفتها إنتاج أو إفراز مواد نافعة وكثير من هذه الغدد تفرز إنتاجها من خلال قناة وتسمى الغدد القنوية مثل الغدد اللعابية، والبعض الآخر تفرز إنتاجها مباشرة إلى الدم بدون قناة ، وتسمى الغدد الصماء
ويحمل الدم الهرمونات إلى جميع أجزاء الجسم ليؤدي كل هرمون منها وظيفة معينة مختلفة في جسم الإنسان.

ويمكن تعريف الهرمون بأنه مادة كيميائية تفرزها الغدد الصماء في الدم مباشرة لأداء وظيفة معينة وعلى ذلك فوظيفة الهرمونات بصفة عامة تنسيق عمل أعضاء الجسم.

وبعض الهرمونات سريعة التأثير ، مثل : هرمون الأدرينالين الذي يهيئ الجسم لمواجهة المواقف الحركية ، والأنسولين الذي ينظم نسبة السكر في الدم ، وبعضها الأخر بطئ التأثير ويؤثر خلال فترة زمنية طويلة ، مثل هرمون النمو والهرمونات الجنسية

الغدة النخامية

وهي الغدة المسيطرة على الغدد الصماء فهي عبارة عن جسم صغير يتدلى من السطح السفلي للمخ، وتفرز هرمونات منبهة منشطة لكل من الغدة الدرقية والغدة الكظرية والغدد التناسلية ( الخصية والمبيض ) ولذلك تعتبر الغدة النخامية رئيسة الغدد الصماء الأخرى ، ومن أهم هرموناتها هرمون النمو الذي يسيطر على تمثيل الغذاء ، وأي اختلال في إفرازه يؤدي إلى اضطراب ملحوظ في نمو أعضاء الجسم ، وخاصة الهيكل العظمي، وكذلك هرمونات تسبب انقباض العضلات غير الإرادية، مثل عضلات الأوعية الدموية وعضلات الرحم

الغدة الكظرية أو الغدة فوق الكلوية
يوجد زوج من الغدد الكظرية ، كل منهما جسم أصفر هرمي الشكل ، يلتصق بأعلى الكلية، ويتركب من جزء خارجي ، يفرز مجموعة من الهرمونات ، منها هرمون الكورتيزون الذي يرفع من مقاومة الجسم ، وجزء داخلي يفرز هرمون الأدرينالين ، المعروف بهرمون النجدة حيث يزداد إفرازه في حالات الخوف والغضب والانفعال ، ويهيئ الخلايا لزيادة استهلاك الأكسجين، وانطلاق مزيد من الطاقة، وفي نفس الوقت تزداد سرعة دقات القلب ، ويزداد تدفق الدم نحو العضلات والمخ ، وتصبح الحالة العامة للجسم في حالة استعداد لموقف معي


الغدة الدرقية
تقع أسفل الحنجرة على جانبي مقدمة القصبة الهوائية ، تفرز هرمون الثيروكسين الذي يدخل في تركيبه عنصر اليود ، لذلك يتأثر نشاط الغدة بكمية اليود في الغذاء ، و وظيفة الهرمون السيطرة على عمليات التحول الغذائي ( الأيض ) في الأنسجة
وتعتبر زيادة أو نقص إفراز هرمون الثيروكسين ، والناشئ عن خلل في وظيفة الغدة الدرقية مثالاً للآثار الضارة الناشئة عن الخلل الهرموني.
في حالة زيادة إفراز الغدة الدرقية تزداد معدلات التحول الغذائي ، ويعاني الشخص من نقص في الوزن وبروز العينين وتورم الغدة ، ويعرف ذلك بالجويتر الجحاظي ( جحوظ في اللعينين ) ، ويصبح المريض قلقًا حاد الطبع سريع الانفعال ، وتعالج حالات زيادة الإفراز باستئصال الجزء المتضخم من الغدة أو بالعلاج الإشعاعي.
في حالة نقص إفراز الغدة الدرقية تنقص معدلات التحول الغذائي ، ويعاني الشخص من نقص معدل الاحتراق وقلة في الحركة ، وبلادة تدريجية في النشاط العقلي ، ويعرف ذلك بالجويتر البسيط، وإذا حدث ذلك في الأطفال يتوقف النمو، ويصاب الطفل بالبلاهة ، وتعالج حالات نقص الإفراز باستعمال خلاصة الغدة الدرقية للماشية ، وإضافة اليود إلى الغذاء

الغدد جار الدرقية


على جانبي القصبة الهوائية خلف الغدة الدرقية توجد أربع غدد كل منها في حجم حبة القمح تسمى الغدد الجار درقية تفرز هرمون الباراثورمون الذي ينظم نسبة عنصري الكالسيوم والفوسفور في الدم ، حيث إن اتزان نسبة كل منهما يسبب النمو السليم للعظام وضبط الانفعال

البنكرياس
غدة هاضمة تفرز الإنزيمات في الاثنا عشر خلال قناة بنكرياسية ، كما أنه غدة صماء ، حيث تفرز بعض خلاياه ، التي تعرف باسم ( جزر لانجرهانز )

الهرمونات في الدم
وتفرز جزر لانجرهانز نوعين من الهرمونات حسب نسبة سكر الجلوكوز في الدم فعندما تنخفض نسبة سكر الجلوكوز في الدم تفرز جزر لا نجرهانز هرمون الجلوكاجون الذي يحفز خلايا الكبد لتحول النشا الحيواني المخزون بها إلى سكر جلوكوز في الدم ، ليعيد للسكر توازنه.
وعندما ترتفع نسبة سكر الجلوكوز في الدم ، تفرز جزر لانجرهانز هرمون الأنسولين ، ليحفز خلايا الكبد لتحول الجلوكوز إلى نشا حيواني يتم تخزينه في الكبد ، وكذلك يحفز خلايا الجسم على استخدام سكر الجلوكوز الضروري لعملية التنفس وانطلاق الطاقة
ويظهر مرض السكر نتيجة فشل خلايا البنكرياس في إفراز الهرمونات ، أو عجز الجسم عن استهلاك سكر الجلوكوز الموجود في الدم ، مما يخل بنسبة السكر في الدم ، وتظهر أعراض المرض

ملخص لما سبق

1ــ لكل هرمون وظيفة محددة ، ومن خلال هذه الوظيفة يتحكم الهرمون في سلامة أداء الأعضاء.
يفرز الهرمون بنسبة معينة محكومة باحتياج الجسم كله، وأي زيادة أو نقص في نسبة الهرمون تسبب أعراضًا مرضية.
2ــ الهرمونات مواد كيميائية تحقق التنسيق بين أجهزة الجسم وتحقق التوازن الداخلي للجسم ، فالهرمونات تنظم تركيز السكر والأملاح والماء في الدم.
ففي حالة تعرض الجسم لظرف طارئ فإن الهرمون يعمل على زيادة نبضات القلب ، ورفع ضغط الدم وزيادة النشاط العضلي ، وسرعة التنفس وانطلاق سكر الجلوكوز من الكبد ، وتغيرات وظيفية أخرى ، تزيد من القدرة على مواجهة المواقف

هذا الموضوع يمكن أن نطلق عليه فسيولوجيا الجسم وعلاقتها بسلوكيات وانفعالات الإنسان وأفعاله وارتباط هذا بتسجيل وحفظ الأعمال بمعنى أوضح وأكثر تبسيطا فسيولوجيا جسم الإنسان من الأمور المعقدة جدا ، وهذا مجرد توضيح بسيط لعمل الغدد والهرمونات في الجسم وعلاقتها بتحديد الأفعال وتصنيفها إلى حسنات أو سيئات ، ما أقصده هنا أن كل رد فعل أو كل شعور يصدر عن الإنسان سواء ظاهر أو خفي تقوم هذه الغدد بإفراز هرمون معين سواء وقت الفرح أو الغضب ، أو الحقد والكره أو الخوف ، او النظرة المصحوبة بشهوة جنسية أو نظرة الأمومة ونظرة العطف والتعاطف مع الآخرين ، فكل هذا يرتبط ارتباطا وثيقا جدا بوظائف الغدد الصماء التي تقوم بدور هام جدا غير ظاهر ، ولكن ربنا جل وعلا يعلم ما نخفي وما نعلن وسواء اظهرنا أو أخفينا فربنا جل وعلا يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ولذلك فإن أعضاء جسم الإنسان سوف تشهد عليه يوم القيامة ، وارتباط هذه الفسيولوجيا الجسدية المعقدة تجعل من المستحيل إمكانية التزوير أو التبديل في كتابة وتسجيل الأعمال ، وهذا ما سنوضحه بالتفصيل في المقال القادم بعونه جل وعلا...

أرجو من الأخوة الأطباء تصحيح أي خطأ علمي في هذا المقال لكي أصححه وأستفيد منه في كتابة المقال القادم ....

الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

إعجـاز المعـاني في اللـفـظ القـرآني ...3 (سبّحَ ـ يُسبِّحُ)



إعجـاز المعـاني في اللـفـظ القـرآني ...3 (سبّحَ ـ يُسبِّحُ)

نجح السلفيون الوهابيون في إقناع معظم المسلمين أن العبادة غاية يؤديها الإنسان كحركات بدنية وانتهى الأمر ، وتناسوا انها وسيلة لإصلاح عيبوهم السلوكية والخُلُـقية وتقويم وعلاج انحرافاتهم وأخطائهم في حياتهم اليومية ، ويعتقد معظمهم أيضا أنه حين يصل لدرجة إيمانية معينة ــ مثل أداء فريضة الحج ــ أنه أصبح معصوما من الخطأ وأنه لا يحتاج لمزيد من العبادة والاستغفار والتسبيح على مدار اليوم والساعة لأنهم أقنعوه أنه عاد من الحج كما ولدته أمه ، ولأن الإنسان بنفسه البشرية الأمّارة بالسوء ــ كما وصفها ربنا جل وعلا ــ قد يقترف إثما أو ذنبا ــ كبيرا كان أو صغيرا ــ في أي وقت ، وقد يظلم الإنسان نفسه أو غيره ، وقد يكتسب سيئة في أي لحظة ، فهذا الإنسان في حاجة ماسة ومستمرة لمواصلة العبادة والاستغفار وذكر وتسبيح الله في كل وقت وحين مادام حيا لأنه غير معصوم من الوقوع في الخطأ ، وأعتقد أن حكمة الله جل وعلا في جعل الصلوات الخمس موزعة على مدار اليوم لكي تكون سببا في نهي الإنسان عن الفحشاء والمنكر في الأوقات بين الصلوات على مدار الساعة كما قال ربنا جل وعلا في آية جامعة تبين أهمية قراءة القرآن والصلاة وذكر الله(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)العنكبوت:45، ولأن الشيطان لم ولن يتوقف عن إضلال وإغواء البشر ، فتكرر في القرآن الكريم الأمر بذكر الله والاستغفار والتسبيح بين الصلوات في معظم الأوقات ، وهذا هو موضوعنا اليوم تدبر بعض معانى التسبيح في القرآن الكريم ، لأن معظم المسلمين يضيعون صلواتهم حين يشغلون وقتهم بتوافه الأمور ، يضيعون فيها ساعات طويلة في كلام لا طائل من ورائه في جدال لا يسمن ولا يغني من جوع ، وكالعادة تجاهلوا اوامر الله سبحانه وتعالى لهم أن يسبحوه في كل وقت وحين ، لحكمة يعلمها ربنا جل وعلا لأن الإنسان ضعيف أمام النزوات والشهوات ولا منقذ له من الشيطان إلا بذكر الله في معظم الأوقات لأن بذكر الله تطمئن القلوب.
ونبدأ بتدبر بعض معاني التسبيح في القرآن الكريم
ــ كل ما في الكون من مخلوقات مرئية وغير مرئية حية وغير حية تسبح بحمد الله
 الملائكة يسبحون الله جل وعلا ويقدسونه ورغم ذلك جعل الله الإنسان خليفة في الأرض (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ)البقرة:30 ، الملائكة حين اعترضوا على جعل آدم خليفة في الأرض وشعروا بالندم والخطأ قالوا(قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)البقرة:32 ، وهو اعتراف بالخطأ من الملائكة حين قالوا (سبحانك) وهو اعتراف بقدرة الله وعلمه بكل شيء
الملائكة يسبحون الله يوم الحساب (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلاَّ)الزمر:75 ، (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)غافر:7
ــ الرعد يسبح و الملائكة (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ)الرعد:13
ــ كل ما في هذا الكون يسبح لله ، ولكل مخلوق لغة وأسلوب يسبح به لله جل وعلا ولكن لا نفقه ــ نحن البشر ــ ولا نفهم لغتهم وتسبيحهم (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً  تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)الإسراء:43 ، 44 ، لأن كل مخلوق ألهمه الله وعلمه صلاته وتسبيحه(أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)النور:41
ــ ربنا جل وعلا سخّر الجبال مع سليمان عليه السلام يُسبحن ليلا ونهارا (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ)ص:18
ــ الأنبياء وهم أفضل الخلق يسبحون الله ، وجاء الأمر لهم بذكر الله كثيرا والتسبيح بالعشي والإبكار (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ)آل عمران:41 ، وربنا جل وعلا يقول لنبيه زكريا (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) وهنا إعجاز قرآني يجعل الإنسان يحدد ويقدر بنفسه كيف يذكر الله كثيرا وباختلاف تقديرات البشر في فهم وتطبيق قوله تعالى (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) حسب ظروفهم سيكون اختلاف الدرجات بينهم في الدنيا والآخرة حسب الإخلاص في العبادة ، موسى عليه السلام حين طلب رؤية الله وتأكد أن هذا مستحيل ، وكذلك أحسّ بأنه وقع في ذنب أو وقع في خطأ ، لأن الإنسان كمخلوق لا يتحمل رؤية الله جل وعلا فقال موسى عليه السلام (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)الأعراف:143 ، التسبيح فريضة أساسية واجبة على كل مخلوق يؤديها في أي وقت لأن فيها تنزيه لله جل وعلا وتبرئة له سبحانه وتعالى من كل سوء ومن كل صفة من صفات البشر(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ)النحل:57
 ، وتكون واجبة حين يخطئ الإنسان ، يمكن القول بأنها (معنىً مرادفاً للتوبة أو صيغة قرآنية للتوبة) ، كما حدث في قصة الملائكة واعتراضهم على جعل آدم خليفة في الأرض ، وفي قصة موسى وطلبه رؤية الله ، قصة صاحب الحوت (يونس عليه السلام) (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ)الأنبياء:87 ، موسى ويونس والملائكة استخدموا نفس الكلمة حرفيا حين اعترفوا بالخطأ وقرروا الإسراع بالتوبة بقولهم ( سبحانك ).
ــ يونس عليه السلام حين ابتلعه الحوت لولا أنه كان من المسبحين لظل في بطن الحوت إلى يوم البعث (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)الصافات:143 ، 144
ــ يتحدث ربنا جل وعلا عن أهل الجنة وأنهم كانوا يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ، والأكثر من هذا كانوا يتفكرون في خلق السموات والأرض لكي يزدادوا إيمانا(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)آل عمران:191، حين يقول أهل الجنة (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ) لابد أن نربط بين هذا وبين قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)هود:7.
ــ تأت للتعبير عن قدرة الله جل وعلا وإظهار مدى عظمة هذه القدرة كما جاءت في آية الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)الإسراء:1 ، كما جاءت في سياق يبين قدرة الله في خلقهم ورزقهم وموتهم وإحيائهم مرة أخرى ، وهذا ما يستحيل ان يفعله الشركاء الذين يتبرك بهم البشر ويعبدونهم مع الله (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)الروم:40 ، (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ)يس:36
ــ الاعتراف بقدرة الله يتطلب أن يسبحه البشر حين يستفيدون من المخلوقات التي خلقها وسخرها لهم لخدمتهم في كل مرة يستعملونها (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)الزخرف:13
ــ تأت لتوضيح الفارق بين البشر وبين خالقهم جل وعلا في سياق اعتراف النبي عليه السلام ببشريته (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً)الإسراء:93
ــ كفار قريش كانوا يجادلون في آيات الله ، فجاء الأمر من الله جل وعلا  للرسول (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ)غافر:55 ، حين تعرض خاتم النبيين عليه السلام للأذى من كفار قريش ، جاءه الأمر مكررا بالصبر ، وبأن يسبح الله (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى)طه:130، وهنا دعوة لكل البشر أن يصبروا على الأعداء مهما تطاولوا عليهم بالقول ، وأن يسبحوا الله ، إذا كان هؤلاء البشر يؤمنون فعلا بآيات الله وإذا كان هؤلاء البشر فعلا يحبون خاتم النبيين ويعتبرونه قدوتهم الحسنة ، يتكرر الأمر لخاتم النبيين دائما بأن يصبر ويسبح بحمد ربه جل وعلا حين يتعرض للأذى القولي أو العملي من كفار قريش ومن أعداء الإسلام (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ  وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ)ق:39 ، 40 ، ولم تأت آية واحدة للرسول عليه الصلاة والسلام أن ينتقم من المخالفين له في الدين والعقيدة ، أو حتى من يعتدون عليه بالقول ويحاربون دعوته ، ولكن كان يأتيه الأمر بالاستغفار والصبر وتسبيح الله جل وعلا ، وهنا لابد أن نفهم أن حرية الدعوة لأي دين أو أي فكر مهما كان مخالفا لدين الله هي حق مشروع لكل البشر ، ولو كان بيننا اليوم رسول لامتثل لأوامر الله جل وعلا واستعان بالصبر والاستغفار والتسبيح ، وترك المخالفين أحراراً ، وإضافة إلى هذا إخلاء ساحة النبي وتبرأته من ذنوب البشر (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً)الفرقان:58

ــ الذين أمنوا بالله جل وعلا وبآياته حين يذكر القرآن أمامهم ويستنبطون ويفهمون بعض معانيه بعد أن ينصتوا لآياته ويتدبروا مفرداته يقولون سبحان الله ، وهو اعتراف يسجله كل مؤمن بالقرآن(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)السجدة:15
ــ جاءت في سياق التنبيه والإشارة إلى قدرة الله جل وعلا  وأن السموات والأرض في قبضته ومطويات بيمينه رغم كبر حجمهما واتساع مساحتهما ، لكن رغم ذلك هناك من يشرك بالله آلهة أخرى(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)الزمر:67
ــ التسبيح مرتبط بالصلاة (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ)الحجر:98، (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ)النور:36 ، (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ)الأعراف:206 ، (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ)الروم:17
أخيرا :
وتعليقا على رد فعل المسلمين الذي أظهرهم في صورة لا علاقة لها بالإسلام كدين يدعو للتسامح والصبر والعفو والصفح ، وكان هذا هو منهج القرآن الكريم وأوامره لخاتم النبيين مع كل مخلوق يتهمه بالجنون ، أو يكذب بالقرآن ويقولون أنه من تأليف خاتم النبيين ، أو يدعى أن هناك آلهة أخرى أو يدعي أن لله بناتا ، أو يدعي علم الغيب ، أو يكيدون للرسول وللمؤمنين ، يقول ربنا جل وعلا (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنْ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)
وبعد كل هذه الإساءات لرب العزة جل وعلا ولكتابه القرآن الكريم ، ورسوله الخاتم والتشكيك في كل شيء كان الأمر للرسول عليه الصلاة والسلام أن يتركهم حتى يلاقوا يومهم وحسابهم يوم لا ينفعهم كيدهم لأنهم ظلموا (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (47)  ، و كان الأمر لخاتم النبيين بأن يصبر حتى يأت حكم الله فيهم ويتفرغ للتسبيح حين يقوم ، وحين تدبر النجوم (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) الطور ، ولم تأت آية واحدة تأمر خاتم النبيين أن يحرق سفارتهم (بيوتهم) أو يتظاهر ضدهم أو يرد عليهم الإساءة ليكون مثلهم ، ولكن السمو الأخلاقي للرسول كقدوة وأسوة حسنة للعالمين لابد ان يترفع ويبتعد عن هذا كله وينشغل بالصلاة والتسبيح والصبر ، والسؤال هنا : هل ما فعله السلفيون و المسلمون ــ رغم أنهم يدعون أن الرسول قدوتهم وأسوتهم ــ له علاقة بالقرآن والإسلام أو بصفات الرسول عليه الصلاة والسلام.؟.