السبت، 24 يوليو 2010

ثقافة الاعتماد على الغير عند معظم المسلمين

لقد حمل الإنسان الأمانة بإرادته وباختياره ، ومنذ بدأ المولى عز وجل خلق بنى آدم وذرياتهم وهم فى عالم الغيب (عالم البرزخ) أشهدهم على أنفسهم أنه جل وعلا ربهم ، وشهدوا على ذلك ، وحمـّل كل نفس مسؤليتها فيما ستمر به من اختبار دنيوي لتكون مسئولة عن نفسها يوم القيامة ، وكان هذا واضحا وضوح الشمس فى قوله تعالى ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ))الأعراف : 172.

وهذه المسؤولية الشخصية التي حملها الإنسان تحتم عليه أن يفكر في كل شيء حوله ، يفكر في مصيره بنفسه ، ولا يوكل مصيره لأحد ولا يركن لغيره ولا يتبع غيره تبعية عمياء دون تفكـُّر ودون تدبر أو تعقل لما يسمع أو يقرأ ، لأن الحساب سيكون فرديا وكل نفس بما كسبت رهينة ويوم القيامة سيتخلى ويتبرأ كل متـََّـبَع عن كل متـَّبــِـع وهذا ما وضحه رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم في آيات عدة يقول تعالى(إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْوَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلأَسْبَابُ)) البقرة: 166 وهنا يوضح ربنا جل وعلا أن دعاة ومشايخ وأئمة الإسلام على مر التاريخ سيتخلون يوم القيامة عن كل من اتبعهم وذلك لو كانوا يدعون الناس للباطل والضلال، و فى نفس الوقت لن يتحملوا مسئولية أحد أمام الله جل وعلا لو كانوا يدعون الناس للهدى والحق بل على العكس سيكون دعاة الحق هؤلاء شهداء على من كفروا وأضلوا ، وسيكون هدفهم أن ينجوا بأنفسهم ، فمهما سمعنا أو قرأنا فلكل إنسان الحق فى تحكيم عقله وذلك بتحكيم آيات الله جل وعلا والحكم من خلالها على كل ما نسمع أو نقرأ لأنه ليس لأحد سلطان على أحد من البشر فى الدنيا والآخرة .

وثقافة الاعتماد على الغير فى استقاء علوم الدين ولدت نوعا أخطر من التواكل والاعتماد على الغير لكن فى الأخرة التى سينشغل فيها كل إنسان فى الدفاع والبحث عن نفسه فقط ، ويفر من كل من حوله من أهله وأصحابه ، فهو مشغول بأمره وشأنه هو فى هذا الموقف الرهيب يقول تعالى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) عبس:

إذن كل من يتخيل أو يظن فى وجود وساطة أو شفعاء يوم القيامة فهو واهم ويعيش فى غفلة لأن الحساب سيكون فرديا لا جماعيا يقول تعالى (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ) الأنعام:94 ، كما أن أي إنسان يتسلل إليه الظن أن هناك مساعدات أو محسوبيات أو واسطة فى الحساب يوم القيامة فهو يفرض على رب العزة ما لا يقبله على نفسه فى الدنيا حيث نغضب جميعا نحن البشر من انتشار وتفشي المحسوبية والواسطة فى المجتمع كوسيلة رخيصة فى الحصول على فرص العمل والمناصب البارزة وهذا يبث روح الحقد والكراهية بين طبقات المجتمع فكيف نفرض هذا على الله جل وعلا ونرفضه ونقبحه ونغضب منه جميعا فيما بيننا نحن البشر كما يحوى هذا التمنى اتهام رب العزة بالظلم تعالى الله علوا كبير عن ذلك.ومن الآيات الواضحة جدا عن يوم القيامة التى تبين أن كل إنسان سيأتى للدفاع عن نفسه فقط ولن يفكر أحد فى أحد يقول تعالى (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)النحل:111.

هذه هي بعض حقائق القرآن عن مسئولية كل إنسان عن نفسه دينيا وعقيديا ، وكذلك طريقة الحساب الفردية التى لا ظلم فيها ولا محسوبية .

ورغم كثرة الآيات القرآنية التى توضح هذه الحقائق إلا أن معظم المسلمين يعيشون حالة من الغفلة المختلطة بالأمانى ولدت لديهم حالة من التواكل والاعتماد على الغير فى أمور الدين والشرع وبينما نجد كل إنسان يفكر بكامل قواه العقلية فى أى أمر دنيوى مثل شراء المأكل او المشرب أو الملبس او السكن أو قطعة أرض أو اختيار زوج لأحد أبنائه إلا أنه فى أمور الدين يشتري ويختار من سلة المهملات المستعملة كما قال الدكتور (احمد صبحي منصور) ، يسمع من أى شخص فى أى مكان ويصدق دون تفكير او تعقل او تدبر كما أمرنا ربنا جل وعلا فى القرآن الكريم كيف نتعامل مع آياته عند قراءته أو الاستماع إليه ، المسلمون يأخذون دينهم من كل من هب ودب دون وعى أو تفكير من الفضائيات والشوراع والنوادي ووسائل المواصلات والمصاطب وأماكن العمل ، دون أدنى درجة من التفكير والتعقل أو محاولة البحث وراء ما يقال وما يسمعه المسلمون من رجال الدعوة أو من بعضهم البعض ، وينتشر هذا بين جميع الطبقات فى العالم العربي والإسلامي حتى بين المثقفين ، وبين العامة المتعلمون والأمييون، تنتشر هذه الثقافة بين جميع فئات المجتمع. ثقافة التواكل والاعتماد على الغير فى استقاء علوم الدين ودروسه ، وهذا يرجع لسبب غير حقيقي ولا أصل له أن هناك مجموعة من الناس هم صفوة المجتمع وهم مسئولون عن أمور الدين والدعوة ، وقد أوكل إليهم المجتمع هذا الأمر ويجب طاعتهم طاعة عمياء ولا يجب مراجعتهم أو مناقشتهم لأنهم رجال الدين ودعاته ولا يجوز التفكير أو إعمال العقل فيما يقولون فهذا من المحرمات .

وبالطبع كل هذا يخالف كلام الله جل وعلا الذي يكلف كل إنسان أن يتدبر القرآن ويتفكر في آياته البينات ويتفكر فى خلق السموات والأرض ويتفكر فى خلق نفسه ويتفكر فى خلق الليل والنهار هذه أوامر الله جل وعلا لكل الناس بلا استثناء لأن المولى عز وجل يقول ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ ) ص: 29 ، الكلام عاما لكل البشر ، يقول تعالى(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ )ق :17، 22،32،40 , الكلام عاما وليس فيه استثناء لأحد.

ويقول تعالى (وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ــ وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )الأعراف:203 :204 ، وهذه الآيات تخاطب جميع الناس إلى قيام الساعة من يقرأ ومن لا يقرأ ، فمن يقرأ فعليه القراءة والتدبر والبحث فى حقائق القرآن وهذا فرض مثل الصلاة والزكاة ولا يمكن التهرب منه بحجة أن القرآن صعب وغير واضح ويحتاج لمن يوضحه كما يعيش معظم المسلمين فى هذه الخدعة الكبرى التى توارثوها جيلا بعد جيل معتقدين أن القرآن كلام الله مبهم وغير واضح وصعب ويحتاج لتفسيرات البشر أو يحتاج لأحد لشرحه وتوضيحه فهذه أكاذيب لا أساس لها من الصحة ، والسؤال هنا كيف فهم المسلمون القرآن قبل كتب التفاسير.؟

و لأن المولى عز وجل قد فرض قراءة القرآن وتدبر آياته على جميع الناس وهو أعلم بمن خلق ولا يمكن أن يفرض علينا ربنا جل وعلا فرضا يفوق قدرتنا وإمكاناتنا العقلية ، وسيقول قائل كيف يقرأ القرآن ويتدبره من لا يجيد القراءة أقول عليه بتنفيذ قول الله جل وعلا فى سورة الأعراف (وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) 204، إذا استمع الإنسان للقرآن بعقل واع وقلب مفتوح وأنصت كما أمره ربه جل وعلا سيفهم ما يسمعه إذا كانت لديه نية حقيقية واستعداد كامل للكفر بكل شيء يخالف كلام الله ، وهذا لن يحدث إلا إذا أهـَّل الإنسان عقله وقلبه لهذا ، وأعتقد أن كل إنسان سليم العقل يمتلك القدرة العقلية لفهم وتدبر القرآن ولكن عليه أن يحاول ويجاهد فى هذا وعليه بذل الجهد والمحاولة ولكن تتفاوت قدرة كل إنسان عن الآخر حسب صدق نيته وحسب قدرته على الجهاد فى قراءة القرآن وتدبره ولذلك يقول جل وعلا (وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ)العنكبوت:69.

ولازال الباب مفتوحا أما المشككين فيما أقول كي يطرحوا سؤالا يشككون فيما تؤكده آيات القرآن الكريم فى قدرة كل إنسان سليم العقل على فهم القرآن إذا قرأه أو سمعه بتدبر وبعقل واع منتبه لما يسمع أو يقرأ ، والسؤال هو كيف يستطيع الإنسان البسيط أن يفهم القرآن مثل (الفلاح ـ العامل ـ صاحب الحرفة ـ باقى فئات المجتمع من العامة والجهلاء والبسطاء) أقول إن هؤلاء الناس جميعا وبلا استثناء ينقسمون فيما بينهم لعدة فئات مختلفة حسب هواياتهم ورغباتهم فى الحياة ، فمنهم من يعيش فى حالة مرض مزمن اسمه مشاهدة مباريات كرة القدم يضحي من أجلها بنصف عمره ويحفظ أسماء معظم أندية ومنتخبات العالم ، كما يحفظ أسماء معظم لاعبي كرة القدم فى أندية ومنتخبات العالم باللغتين العربية والانجليزية ، كما يعرف ويحفظ مواعيد البطولات ويهب حياته بكل ما فيها لهذا الغرض ، وهناك فئة أخرى يتملكها مرض آخر وهو متابعة ومشاهدة المسلسلات والأفلام العربية والانجليزية والتركية والهندية ، ويسمح له عقله بحفظ معظم أسماء المسلسلات والأفلام بكل هذه اللغات ، كما يحفظ معظم أسماء الممثلين والممثلات بهذه اللغات أيضا ، ويحفظ ويدرك مواعيد عرض هذه المسلسلات والأفلام ومواعيد إعادتها، و رغم كل هذا قد نصف عقله بالمحدود أو القاصر ، وهناك فئة أخرى تدمن مشاهدة ومتابعة المصارعة الحرة ومصارعة المحترفين وعلى نفس المنوال يحفظون أسماء المصارعين باللغات الأجنبية ، وكل هؤلاء يستهلكون وقتا فى مشاهدة هذا الهراء لو حسبناه لتخطى نصف أعمارهم تقريبا ، وهناك من يحفظ مئات الأغانى باللغتين العربية والإنجليزية ، كما توجد فئة أخرى تنقسم بين( الفلاحون (المزارعون) و التجار) وهؤلاء رغم حياتهم البائسة والبسيطة والمحدودة ورغم الظلم الواقع عليهم والمعاناة التى يعيشون فيها إلا أنهم يمتلكون عقلا واعيا نابها ــ الفلاح يعرف جيدا علم الزراعة ومواقيتها وضوابطها والخطأ والصواب فيها ويعلم مواعيد كل محصول ويعلم كيف يبيع الحبوب وقت الذروة (أى ارتفاع الأسعار) فهو يخزن الحبوب لترتفع أسعارها ويستفيد بهذه الزيادة ، التجار يعرفون كيف يخدعون الناس فى البيع والشراء وهم أمييون لا يقرأون ولا يكتبون ولكن قاموا بتشغيل عقولهم بكامل قدراتهم العقلية والفكرية لكى ينجحوا فيما يقومون به كل حسب عمله ليخدموا متطلبات حياتهم الدنيا ، ومن أجل الحصول على مكاسب مالية دنيوية.

والسبب الرئيسي وراء فهم هؤلاء البسطاء لجميع أمور ومتطلبات الحياة من ناحية أعمالهم اليومية من تجارة وصناعة وحرفة ......الخ) ، وفهم وحفظ ما تفرضه عليهم رغباتهم ونزواتهم أنهم لديهم رغبة حقيقية وحب وإصرار وتركيز كامل أثناء فعل ذلك ، فهذا هو سر النجاح أن يحب الإنسان ما يقوم به من عمل ، وأن يخلص فى آداء هذا العمل ، ويكون لديه الإصرار والتركيز والانتباه أثناء القيام به ، لو فعلوا ذلك فى تعاملهم مع كلام الله لنجحوا فى فهمه ولفتح الله عليهم جميعا.

ومع الأسف يدعى هؤلاء جميعا الجهل والغباء وعدم القدرة على الفهم أمام آيات القرآن الكريم التى لم يحاولوا مرة إعطاء القرآن حقه وتنفيذ الفريضة الغائبة وهى قراءة وتدبر آيات القرآن بصفة دائمة ، وذلك لأنهم استسلموا لجهلهم حتى جعل الله على قلوبهم أكنة وأقفال أن يفقهوا القرآن الذي وصفه ربنا جل وعلا بأنه كتاب مبين محكم مفصل يسير ، والنتيجة أنهم فضلوا توكيل غيرهم فى أمور دينهم ، ويوم القيامة تكون الحقيقة الصادمة بقول خاتم النبيين عليهم جميعا السلام لرب العزة عن أمته ((وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) الفرقان:30 .

وإلى لقاء أخر

الإسلام والفكر الإسلامي


هنالك فرق بين الدين والفكر الديني أي هناك فرق بين الإسلام والفكر الإسلامي كما أن هناك فرق بين الإسلام والمسلمين ـ الإسلام هو دين الله تعالي الذي نزلت به كل الرسالات السماوية وبكل اللغات التي تكلم بها الأنبياء في كل زمان ومكان , ثم نطق دين الله ــ الإسلام ــ باللغة العربية في أخر رسالة سماوية وهي القرآن الكريم .


ــ وفي كل تلك الرسالات السماوية التي جاء بها كل الأنبياء فان دين الله تعالي يعني إخلاص الدين لله تعالي وحده لا شريك له فى كل شيء سواء أكان في العقيدة أوفي العبادة , أي لا تقدس غير الله ولا تدعو مع الله أحدا ولا تعبد غير الله ولا تتقي إلا الله تعالي .
ـ وفى كل الرسالات السماوية التي نزل بها دين الله تعالى فإن للبشر عادة واحدة , هى إضافة أفكارهم الدينية الخاصة أو تدينهم إلى الرسالة السماوية وخلط دين الله تعالى ( الذي نزل من السماء لإصلاح أهل الأرض ) بأفكار البشر وتدين البشر .
وهنا يحدث الاختلاف تبعاً لاختلاف البشر فى أفكارهم وأهوائهم وما يريدون تحقيقه من مكاسب دنيوية أو أخروية من وراء الدين فتحدث الانقسامات والطوائف والمذاهب الدينية ويتحول ذلك الاختلاف المذهبى إلى تقاتل واضطهادات , وكل فرقة تعتقد دون الأخرى أنها تملك الحق المطلق وأنها الفرقة الناجية , وتتدخل السياسة فتتحول المذاهب الدينية إلى دول دينية تضطهد خصومها في الرأى , ويأتى أقوام فيكرهون هذا التسلط الدينى , ولأنهم لا يعرفون أن ذلك التسلط لا شأن لدين الله تعالى به , وإنما هو من صنع الفكر الدينى للبشر وأهوائهم ومذاهبهم ونزواتهم , ولأنهم لا يفرقون بين الدين والفكر الدينى فإنهم ينبذون الدين كله ويهجرون الله تعالى ويخاصمون رسله وأنبياءه ورسالاته .


ولو أنصفوا لعرفوا أن دين الله تعالى برىء من ذلك التسلط الدينى البشري الذي صنعه البشر على مر التاريخ ، وذلك الاحتراف والانحراف الدينى وذلك التعصب والتطرف الدينى , فكل ذلك صناعة بشرية محضة وتم إلباسها ثوب الدين بفعل البشر لأغراض فى نفوسهم .
ـ وهذا هو موجز تاريخ الرسالات السماوية على هذه الأرض . حدث ذلك قبل بعثة خاتم النبيين . وحدث ذلك بعدها ـ قبلها جاء موسى بالإسلام ينطق بالآرامية ومثله باقى الأنبياء حتى عيسى ( بالعبرية ) وحدث الاختلاف بسبب الفكر الدينى , وتطور الاختلاف إلى مذاهب واضطهادات . ثم تكرر نفس التاريخ بعد نزول القرآن ومن العجب أن يتبلور الاختلاف ويصل إلى قمته بعد قرنين من نزول الرسالة السماوية كما حدث بعد نزول الإنجيل وبعد نزول القرآن . وتلك المذاهب المختلفة تجعل كل حزب يؤكد مصداقيته بأن ينسب كلامه لله تعالى أو للنبى أو للشيعة الأقربين من النبى أو من القديسين . ويصبح هذا الكلام البشرى مقدساً عن طريق هذه النسبة المزورة .


وبذلك يضاف لكتاب الله تعالى كتب أخرى مقدسة ، ويضاف لله تعالى أولياء مقدسون أو آلهة ، ولأن القرآن قد حفظه الله تعالى من التحريف فإن الفكر الدينى للمسلمين ركز على نسبة آرائه للنبى ( عند أهل السنة ) أو نسبتها لآل النبى (عند الشيعة) أو لمن جعلوهم أولياء مقدسين (عند الصوفية) وذلك بالإضافة إلى الأقاويل التى نسبوها لله تعالى .
ـ هذا مع أن الله تعالى ما فرط فى الكتاب من شىء وأنزل الكتاب تبياناً لكل شىء , وتجد فى القرآن السنة والشريعة وكل ما يهدى إلى صراط الله المستقيم . والله تعالى وحده صاحب هذا الدين وذلك الكتاب , وهو وحده الذى سيحاسب البشر جميعاً من الأنبياء والصالحين والعصاة أمَّا أولئك الأئمة فهم مجرد بشر يخطئون ويصيبون , وسيحاسبهم الله تعالى كما سيحاسب باقى البشر وهم ليسوا أصحاب الدين لأنهم ليسوا آلهته , ولأنه لا إله إلا الله , ولا إله مع الله . هم مجرد بشر قالوا كلاماً قد يكون صحيحاً أو باطلاً , وصحته وبطلانه فى إطار كونه فكراً وليس ديناً ، ومن هنا أقول إن تدين أى أمة ينسب إليها ، وفكر وآراء علماء أى أمة ينسب إليهم ولا يمكن على الإطلاق أن يكون دينا نقارنه أو نضعه فى نفس المرتبة أو نفس المكانة مع دين الله.
لأن الدين لله تعالى وحده , وإذا كان مستحيلاً أن نتخذ إلاهاً واحداً مع الله فكيف نضيف لله تعالى عشرات الآلهة وأنصاف الآلهة من الأئمة والأولياء ( المقدسين ). ؟
ـ وصدق الله العظيم ـ ( وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ ) النحل : 51
ـ (وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ ) النحل : 52
ـ وله الدين واصباً .. !!!
ـ أفغير الله تتقون .. ؟؟؟