ماذا فعل أهل الجنة في هذه الدنيا ..؟؟
خُـلق الإنسان في هذه الدنيا لهدف واحد هو عبادة الله عز وجل بلا شريك كما يقول المولى تبارك وتعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )، وخلال فترة تواجد الإنسان منا في الحياة الدنيا يمر باختبار قد ينجح فيه أو يرسب ، وذلك يتوقف على مدى طاعته لله عز وجل وتنفيذ أوامره التي تم تبليغها عن طريق الرسل والأنبياء الذين أرسلوا لتعليم الناس مكارم الأخلاق وتبليغ رسالاته للناس , كي يوضحوا لهم ما يجب فعله وما يجب تركه، وما يجب على المسلم أن يؤديه تجاه خالقه ، وتجاه المجتمع الذي يعيش فيه ، وكل هذه التشريعات والفرائض والقيم والمثل العليا سيحاسب عليها كل إنسان بمفرده ، ودون المساعدة أو الواسطة من أحد ، وهذا ما أكده القرآن الكريم في الكثير من آياته وسوف أذكر بعض آيات من سورة المعارج وهي إحدى السور التي تناولت بوضوح ماهية العبادات والطاعات التي التزم بها وحافظ عليها فئة من الناس واستحقوا أن يكونوا من أهل الجنة ، توضح لكل إنسان مؤمن أن الحساب يوم القيامة سيكون فرديا ، وكل نفس بما كسبت رهينة ، وللرجوع إلى عنوان المقال ماذا فعل أهل الجنة في هذه الدنيا ـ يقول جل شأنه في سورة المعارج بعد أن تحدث عن المجرمين والكفار الذين قد رسبوا وفشلوا في حياتهم الدنيا بمخالفة أوامر الله جل وعلا ، ويوضح لنا رب العزة الأمور التي لو اتعبها أي إنسان سيكون جزاءه الجنة ، وهنا يتحدث المولى عز وجل الذي يقول عن ذاته جل وعلا (ما يبدل القول لدى وما أنا بظلام للعبيد) يقول تعالى يستثني فئة من الناس من دخول النار ويوضح لنا جل شأنه ماذا فعلت هذه الفئة المؤمنة في حياتها الدنيا كي تحظى برضى الله عز وجل ورحمته في الآخرة (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) المعارج / فهذه الآيات توضح لنا كمسلمين أن الصلاة أول الطريق لكن بشرط المداومة عليها ، ثم الزكاة للفقراء والمحتاجين والسائلين المحرومين هذه هي الخطوة الثانية في الطريق كي يعم الرخاء في المجتمع ، ويحدث تكافلا اجتماعيا بين طبقات المجتمع الواحد ، وهذه حكمة فرضها المولى عز وجل على الناس كافة لأنه يعلم أن الإنسان سيطغى بغناه ويظلم الفقير الضعيف ، الخطوة الثالثة التصديق بيوم البعث يوم الدين يوم الحساب وليس كما تحدث القرآن عن الكفار وعن إنكارهم ليوم البعث لكفرهم بآيات الله يقول تعالى (ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98)الإسراء ، ثم نعود للخطوة الرابعة ، بالرغم من إيمان هذه الفئة والتزامها بالقواعد التي أرساها الإسلام من صلاة وزكاة وإيمان باليوم الآخر لكنهم مشفقون وخائفون من عذاب ربهم لأنه غير مأمون أي أنهم رغم إيمانهم هذا يجتهدون في العبادة أكثر وأكثر حتى يـُنجهم الخالق جل وعلا من عذاب يوم عظيم ، أما من يتكبر عن عبادة الله ويرفض تنفيذ أوامره جل وعلا فيطمئن نفسه بالشفاعة ويتجاهل خوف المؤمنين القانتين العابدين من عذاب يوم عظيم ..
وكلما زاد إيمان الإنسان كلما خاف وخشي العذاب وطلب رحمة الله ، وهذا كان حال الأنبياء عند الدعاء كانوا يطلبون من المولى عز وجل أن يدخلهم ويلحقهم بالصالحين ، وهم صفوة الخلق وأفضلهم ..
ولكن المفسدين من الناس والمتكبرين يريدون تخطي كل تلك الأمور باللهو في الدنيا والفوز في الآخرة بالشفاعة المزعومة كما يظنون ..
ونأتي للخطوة الخامسة وهي مبدأ من شأنه الحفاظ على النفس البشرية من الوقوع في الرزيلة ، الحفاظ على المجتمع من خلط الأنساب ومن وجود أطفال بلا نسب معروف ، حيث أمرنا المولى عز وجل ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) ، ويوضح سبحانه وتعالى بعد هذه الآيات وهذه المبادئ والتشريعات أنه من حاول الخروج عن هذه الأمور فهو معتد ولا يريد رحمة الله عز وجل حيث يقول (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) ، ويستمر التوضيح عن أصحاب الجنة وما يجب أن يتحلى به الإنسان المؤمن من أمانة ومراعاة للعهود والمواثيق بينه وبين الناس ، وعدم كتم الشهادة في أي أمر يطلب من الإنسان بشرط أن تكون شهادة حق ، والمحافظة على الصلاة وهي غير المداومة عليها ، المحافظة على الصلاة هي عدم الوقوع في أفعال من شأنها تضيع صلوات الإنسان ويقول جل وعلا عن هذا ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ) ، وهنا قيمة المحافظة على الصلاة أي مقاومة مغريات الحياة من غرائز ومطامع دنيوية سواء أكانت صغيرة أو كبيرة يقول جل وعلا عن ذلك (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) والنتيجة الحتمية لمن يفعل كل ما سبق في هذه الآيات يقولها عز من قائل ( أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35) ، وقد يقول قائل أو يسأل سائل أين فريضة الحج ـ أقول الحج فرض على كل مستطيع ، وليس كل الناس يملكون تلك الاستطاعة المادية أو الصحية ، لكن إخلاص العبادة لله جل وعلا بلا شريك لا تحتاج لأموال أو مزيد من الصحة ، ويقول جل وعلا في آية قرآنية توضح أساسيات الإيمان بالله جل وعلا وتبسيط الصورة أمام الناس للفوز برحمة الله جل وعلا في الآخرة (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)البقرة ، وهنا المطلوب من كل إنسان أن يؤمن بالله أولا ، ثم يتبع إيمانه بالله إيمان باليوم الآخر ، ثم يعمل من الصالحات يقول جل وعلا (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)البقرة ..
وبعد هذا التوضيح يؤكد المولى عز وجل في سورة المعارج أنه لن يستطيع أي إنسان قد كفر أو رسب في امتحان الدنيا أن يدخل الجنة حتى لو حاول أن يفتدى بكل شيء ـ أولاده ، أصحابه ، أهله وعشيرته التي كان يعيش فيها ، يقول جل شأنه ( وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) المعارج ، وهنا يتضح أن كل إنسان قد أجرم أو كفر أو رسب في امتحان الدنيا سيكون المصير أو الجزاء من جنس العمل ، وهذا هو العدل الإلهي الذي لا يضاهيه عدل على الإطلاق ، ومن هنا يجب علينا جميعا أن نجتهد في عبادة الله ولا يعتقد أحدنا أنه قد أدى من العبادات أو الفرائض ما يكفيه لدخول الجنة ، كما يعتقد أصحاب الصدقات الجارية ، حيث يقوم إنسان بالتبرع لمسجد أومدرسة أو مستشفى ثم يذهب ليفسد في الأرض مطمئنا معتقدا أن لديه مشروعا لتفريخ الحسنات..
ولكن الحق القرآني عكس ذلك تماما ، فمهما كان الإنسان عابدا مجتهدا طائعا لله وخاشعا مؤديا كل الفرائض فهو في أمس الحاجة لرحمة الله سبحانه وتعالى ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما يقول جل شأنه على لسان موسي عليه السلام(وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)الأعراف ، وهنا رحمة الله سبحانه وتعالى سيكتبها لمن.؟ للمتقين الذين يؤتون الزكاة ويؤمنون بآيات الله عز وجل ، فإذا كان هذا حال من يتقون ويؤمنون بآيات الله ويؤتون الزكاة يطلبون رحمة الله ، فهل يعقل أن يقضى إنسان حياته فسادا وإفسادا في الأرض يظلم هذا ويسرق هذا ويكفر هذا ويضطهد هذا ، وفي النهاية يريد أن يدخل الجنة بلا عمل صالح أو فعل نافع ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق