العمل الصالح ـ في اليوم الآخر
إن المولى عز وجل خلق الإنسان ،تكفل برزقه ، وأعطاه مطلق الحرية في الإيمان أو الكفر ، وفي مقابل هذه الحرية المطلقة يكون الحساب العادل في الآخرة حيث لا وساطة لأحد على أحد ، وهذا اليوم سيحاسب فيه كل إنسان على أعماله التي قام بها في الدنيا بكامل إرادته وبدون ضغوط من أحد ، ومن السمات الأساسية لهذا اليوم يوم الدين ـ العدل ـ المطلق الذي يستحيل أن يحدث في حياتنا الدنيا ، وهذا العدل المطلق هو من صفات المولى جل وعلا ، ولا يمكن أن نتهم ربنا سبحانه وتعالى بالظلم ، ولذلك لا يمكن أن نشك ولو للحظة واحدة أن هناك شفاعة يوم القيامة ـ بالمفهوم الذي يعتقده معظم المسلمون ، ومنهم من يعيش على هذا الأمل الكاذب الذي ليس له وجود في كتاب الله عز وجل ، ولكنهم صدقوا الروايات ..
وفي هذه المقالة لن أذكر آيات إنكار الشفاعة التي تتحدث عن نفي الشفاعة بطريقة مباشرة في كتاب الله ، لكن سأذكر آيات من كتاب الله توضح أيضا أنه لن يدخل الجنة إلا من يصلح لدخول الجنة ، وكما توضح أيضا أن من يدخل النار لا يمكن أن يدخل إلا النار، وهذا كله يتضح من الأعمال التي يقوم بها كل إنسان في اختبار الدنيا الذي يمتلك فيه كامل حريته .
لن يدخل الجنة إلا من صلح من الناس ـ والصلاح هنا كلمة تتضمن معان كثيرة ، من أهم هذه المعاني أن هذه الأعمال الصالحة التي يقوم بها أي إنسان صالح تؤهله إلى دخول الجنة ، لأن العمل الصالح يسجل في صحيفة أعمال الإنسان ، مما يجعل الإنسان صالحا لدخول الجنة يقول تعالى (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ) الرعد : 23 ـ ونجد هنا أن الدعاء بدخول الجنة مشروط بالصلاح ، ويقول تعالى (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) غافر: 8
وهاتين الآيتين توضحان أن من يدخل الجنة لابد أن يكون صالحا لها بمعنى أن تكون أعماله لا تؤهله إلاَّ لدخول الجنة فلن يدخل النار لأنه غير صالح لها ..
وهذا الصلاح هو من عند الله سبحانه وتعالى ، بمعنى أن المولى عز وجل إذا غفر للعبد فسادة أو سيئاته أو يصلحها له لتكون أعمالا صالحة لدخول هذا العبد الجنة ، فهذه صفة تخص المولى عز، وجل وليس لأي بشر شأن فيها ، لأن هذه الأعمال غيب ، ولا يعلم الغيب إلا الله ـ يقول تعالى (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)الأحزاب : 71 ـ وإذا لم يصلح المولى جل شأنه للعبد ما أفسده في الأرض فلن يدخل الجنة ، وهذا ما قاله القرآن (فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)يونس :81 ،ويوجد من الناس من يخلط عملا صالحا بآخر سيئا فمرجعه إلى الله أيضاً ، كما يقول سبحانه (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وهنا التوبة والمغفرة من الله دون تدخل من أحد ، يقول جل شأنه (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) الفرقان :70ـ إذا هنا القبول من الله ، وهو الذي يبدل السيئات حسنات ليتوب على العبد ، لأنه يعلم الغيب ، ويعلم إذا كان الإنسان صادقا في التوبة ..
ولذلك إن الآيات التي تحدثت عن الأعمال الصالحة كثيرة جدا في القرآن لدرجة اقتران الإيمان بالعمل الصالح دائما في كتاب الله عز وجل ، لتوضح أمراً هاما هو أن العمل الصالح مع الإيمان يؤهلان الإنسان لدخول الجنة ، وعكس ذلك يكون الكفر ، ومن المستحيل أن يدخل الكافر الجنة يقول تعالى (فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ) الأنبياء :94 ـ ، ولنتأكد جميعا أن الإيمان والعمل الصالح هما السبيل للدخول في الصالحين أي الصالحون لدخول الجنة طبعا ـ يقول تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) العنكبوت :9 ـ ، ولكي نعرف جميعا أن هناك فرق بين المؤمن الذي يعمل الصالحات وبين الكافر الفاجر الذي يسعى في الأرض فسادا ، ويطمع في النهاية أن يشفع له النبي ، وهنا يفرق القرآن بين الاثنين يقول تعالى (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ص :28 ـ ، وهذا دليل آخر على أن الأرض يرثها الصالحون من الناس (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) الأنبياء :105 ـ
آيات القرآن عديدة توضح تمني الأنبياء والرسل أن يلحقوا بالصالحين أي الصالحون لدخول الجنة ، هذا اللفظ يقترن بالعمل الصالح بمعنى أن من يعمل صالحاً سيلحق بالصالحين لدخول الجنة ، ومن لا يفعل لن يكون صالحا إلا لدخول النار ، وهذه قوانين إلهية ، يقول تعالى (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) ، وهنا يتضح دعاء سيدنا سليمان الذي أعطاه الله الكثير والكثير ما لم يعطى أحدا من البشر ، ولكنه يدعو ربه أن يقبل أعماله الصالحة ، ثم يدخله برحمته في عباده الصالحين ، النمل :19 ـ ، وهذه الآية الكريمة توضح مثالا قرآنيا واضحا للتحذير من منع الزكاة وعدم الإنفاق على المساكين في الدنيا ، وهذا يعد عملا صالحا ، ومن لم يفعل سيدعو ربه عند الموت أن يعطيه أو يمهله فرصة قريبة ليصَّدق حتى يكون من الصالحين ، ولم يدعوا أن يشفع له أحد ، ولكن الفيصل هنا في دخول الجنة من عدمه فيما يفعله الإنسان من أعمال في الدنيا يقول سبحانه (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) المنافقون :10ـ ولأن أقل الأعمال تسجل على الإنسان سواء كانت صالحة أو فاسدة .
إذن كل إنسان يريد النجاة يوم القيامة حتى الأنبياء يدعون ربهم أن يدخلوا برحمة الله في عباده الصالحين ـ لم يطلب أحدا منهم أن يدخل الجنة مباشرة ، ولكن يدعون ربهم للدخول في الصالحين أولا كمرحلة أولى لدخول الجنة ، وهذه أعظم الدرجات ، من خلال هذا العرض المتواضع لموضوع الصلاح النفسي لكل إنسان يمكن أن يتضح لنا أمرا هاما هو أن تركيبة الإنسان المؤمن الصالح تختلف كليا وجزئيا عن الإنسان الكافر الذي يختلف في تركيبه أيضا ، وبذلك لا يصلح كل منهما إلا في دخول مكانه ، ومن هنا نبدأ الحديث عن أهل النار .
هناك آيات عديدة توضح لنا أن الجنة أعدت للمتقين ، ومنه على سبيل التوضيح قوله تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران :133 ـ إذن الجنة أعدت لنوع خاص من الناس ، هم من صلحوا للجنة بأعمالهم الصالحة في الدنيا ، وعن أهل النار يقول تعالى (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) البقرة :24 ـ وفي قوله تعالى (وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) آل عمران : 131 ـ فهذه الآيات الكريمة توضح أن يوم الدين هذا قمة في العدل ، وقمة في النظام والدقة ، فالجنة أعدت للمتقين ، والنار أعدت للكافرين ، ولا يستوي هذا وذاك ولذلك لا يمكن أن يدخل أحدا من هنا إلى هناك لاختلاف التكوين الذي حدده العمل في الدنيا ..
ومن لم يؤمن بالله وبكتابه الحق في الدنيا يتحدث عنه القرآن الكريم، وعن طمعه في أن يكون من الصالحين فيقول (وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ)المائدة : 84 ـ ، ويقول المولى عز وجل عن الإيمان والعمل الصالح في الدنيا، الذي يعد أساساً للفوز في الآخرة دون النظر لدين بعينه (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)المائدة :69 ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق