يسألون ولا يقرؤون
إن التحدث عن الإسلام من خلال آيات القرآن وحده يجعل بعض المسلمين الذين لا يعجبهم هذا النوع من الحديث عن الإسلام يطرحون بعض الأسئلة الغريبة التي لا تعكس إلا شيئا واحدا ـ أن من يسألها لا يعلم كثيرا عن القرآن الكريم , وتثبت في الوقت نفسه أنه لا يقرأ كتاب الله ولا يعطيه حقه من التدبر والبحث ــ كما يبحث ويذاكر في الكتب الأخرى ليجد أسئلة يحاول بها تعجيز كتاب الله , من هذه الأسئلة التي تعودنا عليها في كل مكان وزمان من الذين لا يسعدهم الكلام عن الإسلام من خلال القرآن وحده ... كيف عرفت عدد ركعات الصلاة ؟؟ وأين الآيات التي تتناول هذا الموضوع بالتفصيل في القرآن ..؟؟ ، وكيف تتوضأ؟؟ وكيف تخرج الزكاة ؟ وكيف تصوم ؟ .........الخ ، ولا يعلم من يسأل أن القرآن كتاب واضح ومفصل وكتاب تشريع عظيم من خالق هذا الكون الذي يعلم من خلق ويعلم ما يحول بين المرء وقلبه ويعلم ما نخفى وما نعلن ـــ فعندما يرسل إلينا خالقنا العظيم كتابا في الدين والتشريع الإسلامي ويفرض علينا أننا سنحاسب على كل ما فيه فمن البديهي أن يوضح لنا رب العزة كل ما هو غامض علينا في هذا الدين الجديد الذي سيحاسبنا عليه في الآخرة . أما إذا كان ما هو واضح وجلي وغير محتاج للشرح أو التوضيح فهل يقوم رب العزة بإعادة التحدث فيه مرة أخرى كيف هذا ؟؟ ... إن المولى عز وجل :كل شيء عنده بمقدار ,ويعلم من خلق وبالتالي يعلم من الأمور ما يحتاج إلى توضيح إلينا ومالا يحتاج ,وهكذا نجد القرآن الكريم يتحدث بالتفصيل إذا كان الموضوع جديدا ويحتاج إلى توضيح ما فيه من تفاصيل صعبة أو تشريعات جديدة أو تعديل في شيء معين ..
بالنسبة لموضوع الصلاة الذي يسأل عنه كثيرا من الناس وأن الصلاة غير مذكورة بالتفصيل في القرآن ... إن الصلاة ـ يا سادة كانت موجودة قبل ظهور الإسلام كما تحدث القرآن ،إن جميع الأنبياء كانوا يصلون مثلنا صلاة فيها ركوع وسجود والآيات التي تثبت أن جمع الأنبياء كانوا يصلون كثيرة ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قول الله تعالى (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ) آل عمران : 43 (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ) مريم : 44, 45 ـــ , النبي محمد عليه الصلاة والسلام متبع ملة إبراهيم كما قال رب العزة جل وعلا (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) الأنعام : 161 .. فالصلاة إذن كانت معروفة جيدا ونقلت بالتواتر من جيل إلى جيل ومن قوم إلى قوم كما قرأنا في كتاب الله عز وجل.
الصلاة موجودة منذ زمن طويل وتاريخها مع البشر طويل جدا فأصبحت من العبادات المعروفة السهلة التي لا تحتاج مع نزول الإسلام إلا للتأكيد للمحافظة عليها وأداءها في أوقاتها والخشوع فيها لرب العزة وتحديد الوسطية في الصلاة أي بين الجهر والتخافت كما قال رب العزة . واعتقد أن تاريخ الصلاة زمنينا كافي لنقلها بين الناس وبقائها في الذاكرة والسبب أن الإنسان الذي يسلم وجهه لله وهو مؤمن كان يقيم الصلاة يوميا في جميع العصور ومع اختلاف الرسالات والرسل فالصلاة موجودة ضمنا لدين الله لأن الصلاة هي العلاقة التي يثبت فيها العبد أنه يعبد الله ويؤمن به حقا : وإذ لم تكن الصلاة من قبل مع الرسالات السماوية السابقة فكيف كان الإنسان يثبت أنه مؤمن بالله تعالى , لأن القرآن الكريم علمنا أنه دائما تكون الصلاة والزكاة مرتبطتان بالإيمان بالله والآيات كثيرة يقول تعالى ( .. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة : 277
, ولذلك عزيزي القارئ لم نسمع عن أب أمسك قطعة طباشير ووقف أمام السبورة يعلم أبناءة الصلاة ؟؟؟ ، لكن الطفل من سن سنتين يبدأ في تقليد من معه في المنزل في الحركات والكلمات والأفعال وكلنا يعلم هذا ويشاهده يوميا ، لأنه لا يخلو منزل من الأطفال , ونرى جميعا الأطفال وهم يقلدون الكبار في الصلاة ويقفون أمامهم وهم يؤدون الصلاة ورويدا رويدا يتعلم الصغير الصلاة , وأنا أذكر وأنا في السادسة من عمري كنت أذهب للصلاة في المسجد أنا وأصدقائي من نفس السن وكنا نقف في الصف الأخير من المصلين وكنا نضحك أحيانا لأننا صغار السن ولا ندرك قدسية الصلاة ونحن في هذا السن , وكان الناس الكبار محدودي الفهم دينيا يشتموننا وأحيانا نضرب ونطرد من المسجد وهذا يحدث في أغلب المساجد مع الصبية الصغار إذا قاموا بالضحك والعبث أثناء الصلاة في المسجد !! وطبعا كنا جميعا أنا وأصدقائي من نفس السن لا نؤدي الصلاة بطريقة صحيحة ... فمن الواجب أن يأخذنا أحد الكبار ويعطينا درسا ويعلمنا كيف نصلى !!! إذا كان هذا هو الأسلوب المتبع في تعليم الصلاة عند المسلمين .. خصوصا أن هذا الضحك أو العبث في الصلاة منى أنا والأطفال كان يحدث في كل فرض تقريبا داخل المسجد , ولكن لأن الصلاة من الأمور التي يتعلمها المسلم من خلال الممارسة الفعلية ومشاهدة الكبار وهم يؤدونها ,من خلال تراكم المعلومات فيتعلم المسلم الصلاة الصحيحة . وطبعا هناك مرحلة سنية لا يحاسب الطفل فيها على الصلاة , وخلال هذه المرحلة سيتعلم الطفل الصلاة ممن يعيشون معه في المنزل ومن يصلى معهم في المسجد وكما قلت سابقا أن الطفل يبدأ في تقليد ما يراه من أفعال وحركات من سن سنتين فأكثر , ولذلك لا يحاسب الإنسان على الصلاة منذ ولادته ولا يحاسب على باقي العبادات إلا بعد سن معين يكون قد اكتمل النمو العقلي ويستطيع فهم أمور الدين , يكون راشدا ويمكن أن يحاسب على التقصير في أداء الصلاة وغيرها من العبادات , كما أن هناك بعض الركعات الجهرية في الصلاة , ومن خلالها يتعلم أيضا المصلون شيئا ليس بالقليل عن الصلاة وخاصة الأطفال , لأنهم يسمعون كل ما يقوله الإمام في الصلاة ، وهذه حكمة من الله عز وجل أن تكون بعض الركعات جهرا ليتعلم الصغير ما يقال في الصلاة ..
ولكن هناك موضوعات تحتاج إلى توضيح لحدوث بعض التغيير والتعديل مع نزول الدين الجديد ــ الإسلام ــ ولأنها كانت تمارس بطريقة غير صحيحة قبل ظهور الإسلام ولا تتناسب مع تشريعاته الجديدة وبالتالي الوضع هنا يختلف كثيرا فلابد من التفصيل والتوضيح والتكرار .. أشياء كانت تحدث في العصر الجاهلي قبل الإسلام ويريد الله عز وجل أن يصحح هذه الأمور للمسلمين ومن هذه الأمور موضوعات الزواج والعلاقات الاجتماعية بين أهل البيت الواحد وبين الناس وبعضهم , وكل أمر يراه رب العزة جل وعلا محتاجا إلى توضيح وتفصيل كان يوضح في القرآن حتى في علاقة الرجل والمرأة وكيفية التعامل بينهما . والتأكيد على حقوق المرأة والتحدث بالتفصيل عن تشريعات الزواج والطلاق والميراث ...
, هناك شيء أخر أحب الإشارة إليه ـــ إن المسلمين كما تعلمون كانوا ينادون النبي كما ينادى بعضهم بعضا فأراد الله أن يعلمهم كيف ينادون النبي صلى الله عليه وسلم , وتعليم المسلم ألا يرفع صوته فوق صوت النبي , كما كانوا يدخلون بيت النبي بدون استئذان فنزلت الآيات توضح ذلك بالتفصيل وتوضح كيفية تعامل المسلم وهو في بيت النبي مع زوجاته والتحدث معهم من وراء حجاب ــ هذا بالنسبة لعلاقة المسلم بالنبي وزوجاته ..
أما بالنسبة لسلوكيات المسلم وكيفية دخول بيوت الغير أمرنا الله سبحانه أن نستأذن قبل دخول بيت الغير وفى الآية توضيح رائع في هذا الأمر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ: فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) النور : 27, هذا الأمر بعد دخول الإسلام كان يحتاج إلى تقنين وضبط يراهما رب العزة جل وعلا , على الرغم من أن هذا كلام الله ويجب أن يطبق وينفذ ـــ فكيف يكون رد الفعل إذا جاءك زائر إلى منزلك ودخل بغير استئذان كما أوضحت الآية ,وقمت بتوبيخه ؟؟ كيف سيكون رد فعلة ؟؟ سيغضب طبعا ....
وكيف يكون رد الفعل لنفس الشخص إذا جاءك في وقت غير مناسب وقلت له لا تدخل ؟؟ أو ارجع كما قال القرآن ... هل سيعجبه هذا التصرف ؟؟ طبعا سيقول عليك إنسان رجعى !!
هذا موضوع بسيط وقانون للعلاقات الاجتماعية وكيفية دخول بيوت الغير وضعه رب العزة , لكنه قد يغضب كثيرا من الناس إذا تعرض احدهم لهذا الموقف ... , من الموضوعات التي تحدث عنها رب العزة جل وعلا بالتفصيل أيضا موضوع الميراث لأنه من الأمور التي جدت مع دخول الإسلام وكانت تحتاج إلى تفصيل لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى لأنه أعلم بخلقه من أنفسهم . ويعتبر تشريع الميراث من التشريعات التي فصلها القرآن ورغم ذلك هل ينفذ كل المسلمون قواعد وقوانين الميراث كما جاءت في القرآن ؟
ــ فليس من الحكمة أن نتهم كتاب الله بالتقصير في توضيح بعض التشريعات أو العبادات لأن هذا اتهام صريح لرب العزة بالنسيان والتقصير , اتهامه سبحانه بعدم إحاطته علما بمن خلق , كيف يخلقنا الله سبحانه وينزل إلينا كتابا سيحاسبنا عليه في الآخرة ويكون هذا الكتاب محتاجا إلى أحد من البشر لتفسيره فهل هذا يعقل ؟؟ ــ يقول المولى سبحانه (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) هود : 1 ـ فالتفصيل جاء من عند الله في نفس الكتاب حيث يفسر القرآن بعضه , ويقول ( كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) فصلت : 3 ويقول تعالى (َلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ) فصلت : 44 ويقول تعالى ويقول (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ) القصص :2
ويقول (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ) فاطر : 31 , ويقول تعالى عن كتابه العزيز ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) الأنعام : 38..
آيات كثيرة تثبت أن القرآن الكريم كتاب كامل جامع وغير ناقص, واضح مبين ومفصل من رب العزة وأنه هو الحق وما دونه الباطل وهذا لاشك فيه.. ، ورغم ذلك نجد كبار العلماء في الأزهر يسألون عن كيفية الصلاة وعدد ركعاتها من القرآن ، وهنا سأوجه لهم نفس السؤال ـ أين الأحاديث التي توضح كيفية الصلاة وعدد ركعاتها وكيفيتها من البخاري ..؟؟
رضا عبد الرحمن على
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق