الجمعة، 25 يوليو 2008

حوار بلا فائدة حوار بلا جدوى ..3

حوار بلا فائدة حوار بلا جدوى ..3



كتبت مقالتين سابقتين عن لغة وأدب الحوار بين المتحاورين في القضايا الدينية والعقائدية ، حيث يدور الحوار بين طرفين يظن كلاهما أنه على الحق ، وعلى الرغم من قيام الطرف الأول بعرض رأيه ووجهة نظره بالحكمة والموعظة الحسنة ، كما أمرنا المولى عز وجل ــ يلجأ الطرف الثاني للرد بلغة التكفير والاتهام بالردة والعمالة لأعداء الإسلام ..


وأنهى الجزء الأخير من هذا المقال بالآتي :
أقول أن أي حوار بين اثنين أو أكثر في هذه الدنيا ـ كلاهما يملك القدرة على الرد الآن في هذه الدنيا ، كلاهما يملك الرد الآن على من يحاوره سواء اتفق أو اختلف معه سواء وافقه الرأي أو لم يوافقه ، سواء احترم اختلافه معه أو بادر بتكفيره لمجرد هذا الاختلاف ، سواء تهرب من السؤال وهرب وترك ساحة الحوار ـ فكل هذه الفرص متاحة في هذه الدنيا الزائلة بين أي متحاورين .. حيث يمكن لكل إنسان قبول أو رفض رأي الآخر ، كما يمكن ا لمناقشة والتعليق والحوار والرد ..
لكن الأصعب هو يوم الحساب عندما يقف كل منا أمام رب العزة جل وعلا ، ويـُسأل عن قضيته التي كان يدافع عنها في هذه الدنيا فلابد أن يكون مستعدا للرد على رب العزة جل وعلا ، ولكن في تلك اللحظة مهما كان الرد ومهما كانت الإجابة فهناك حـَكـَم عـَادل ، وهناك حـُكـْم عـَدْل ، ولا يمكن التهرب أو الفرار ..



ومن تلك الأمثلة الدنيوية التي قد يتهرب منها الكثير من الشخصيات المسئولة سواء كان رجل دين أو سياسة ، عندما يكون أحدهم ضيفا على أحد البرامج أو الندوات والفضائيات ويوجه له المحاور سؤال ، فيقوم بالتهرب من السؤال واللف والدوران حول الإجابة وقد ينجح في هذا ـ في هذه الدنيا ، وبتقدير جيد جدا ، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينجح ذلك في الآخرة ولو بدرجة مقبول جدا ..


ولو ضربنا عدة أمثلة توضيحية :
أقــول لكل منهم :
ـ كيف ترد على مولاك جل وعلا إذا كنت قد قضيت حياتك في الدفاع عن روايات تخالف القرآن الكريم وتكفر كل من يحتكم للقرآن الكريم على هذه الروايات بهدف تصحيح عقائد المسلمين ـ عليك تحضير الحجة والبرهان من الآن ..


ـ كيف ترد على مولاك جل وعلا إذا كنت تـُسَخر الدين طوال حياتك للوصول إلى طموحات سياسية دنيوية زائلة حتى لو تسبب ذلك في قتل وتشريد ملايين من الأبرياء ـ عليك تحضير الحجة والبرهان من الآن ..


ـ كيف تبرر موقفك أمام المولى عز وجل وقد قضيت حياتك تعجيزا في آيات الله عز وجل وتحاول اتهام القرآن بأنه ناقص وغير كامل ويحتاج لكتب أخرى لتوضيحه وتفسيره ، وقد تأثر بكلامك وكتاباتك معظم المسلمين لدرجة جعلتهم تجاهلوا القرآن وباتوا يبحثون في متاهات التراث وفتاويه ـ عليك تجهيز حجتك وبرهانك من الآن..


ـ كيف تبرر موقفك إذا كنت من رجال الدين وتـُسَخـِّر نفسك ووظيفتك في خدمة السلطان ضد الفقراء والمساكين ـ فمن الآن عليك بتجهيز نفسك ومعك الرد بالحجة والبرهان ..


ـ كيف تبرر موقفك أمام المولى سبحانه وتعالى ـ إذا كنت تعيش لدعوة الشباب لتفجير النفس بدعوى الاستشهاد في سبيل الله ، ونشر ثقافة التطرف والقتل ـ بدلا من نشر ثقافة التسامح والحب والسلام ـ فمن الآن حضر حجتك وبرهانك ..


ـ كيف تبرر موقفك أمام المولى سبحانه وتعالى وأنت تدعو الناس لإخراج الزكاة وأنت تمتلك ملايين وتسكن القصور، وتمتنع عن إخراج الزكاة فعليك بتحضير الحجة والبرهان ..


ـ كيف تبرر فتواك أن الحد الأدنى لزكاة الفطر خمسة جنيهات في مجتمع به أربعة ملايين يسكنون المقابر ، ومثلهم بدون عمل ومثلهم بدون مأوى ومشردين ، ومثلهم لا يملكون قوت يومهم ـ عليك بتحضير حجتك وبرهانك على هذه الفتوى ..


ـ كيف تبرر موقفك أمام المولى عز وجل بفتوى تدعو فيها الناس للتبرك ببول الرسول ـ بدلا من دعوة الناس لتدبر آيات القرآن الكريم ـ عليك من الآن تحضير حجتك وبرهانك لتقدمه للمولى عز وجل ..


ـ كيف تبرر موقفك أمام المولى عز وجل ـ وقد دافعت طوال حياتك عن الشفاعة يوم القيامة وأعطيت الناس أملا فيها لدرجة جعلت كل فئات المجتمع تتشدق بالقول المشهور (صلِّي على اللي هايشفع فيك) يقولها الملتزم والمنحرف يقولها الصالح والطالح ـ عليك بتحضير الرد والإجابة يوم الحساب ..


ـ كيف تبرر موقفك أمام المولى عز وجل ـ وقد عشت حياتك تكفر كل من يؤمن بالقرآن الكريم وحده ، وتبحث عنهم وتتربص بهم في كل مكان لاتهامهم بالردة والكفر وإهدار دمهم وتشويه صورتهم ـ عليك من الآن تحضير إجابات وحجج وبراهين لرب العالمين ..


وكما قلت في السابق أن الحوار في هذه الدنيا في أي موضوع مهما كان خطيرا أو بسيطا فالإنسان يملك عدة خيارات بين الرد أو التهرب من الإجابة أو تغيير الموضوع أو الكذب أحياناً ، لكن في الآخرة أمام المولى عز وجل ليس هناك أية خيارات فلابد من حجج وبراهين يوضح بها كل إنسان حقيقة أمره وحقيقة القضية التي عاش يدافع عنها بكامل إرادته وهو في وعيه الكامل ، ومع ذلك سيعترف كل إنسان بما فعله أمام المولى عز وجل ، لأنه ليس هناك مجال للكذب أو الهروب أو التدليس وإخفاء الحقائق


وفي نهاية المقال أوضح لكل من يتعدى في الحوار ، لكل من يقسو في الحكم على الآخرين بمجرد الاختلاف في الفكر أو العقيدة أو وجهات النظر ، أقول لكل إنسان لا تـُحمل نفسك ما لا تطيق بحجة الدفاع عن دين الله عز وجل لا تبرر لنفسك تكفير الغير وإهدار دمه لمجرد أنك اختلفت معه في الرأي ، فمهما وصلت درجة الخلاف ليس من حق أي إنسان أن يتعدى على حرية إنسان آخر في التفكير ، وأخذ القرار وتحديد المنهج والطريق ، لأن هذه الحرية المطلقة أعطاها الخالق لكل إنسان ، وسأوضح من خلال آيات القرآن الكريم أوامر المولى عز وجل للرسول نفسه بإخلاء مسئوليته عمن يعرضوا عن آيات الله ودينه ، يقول جل وعلا للرسول عليه السلام في سورة الأنعام


(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) صدق الله العظيم


ومن سياق هذه الآيات يتضح أن الحساب في أي خلاف ديني أو عقائدي مرجعه للمولى عز وجل وليس من حق الرسول نفسه أن يتهم إنسان بالكفر أو يبالغ في تأثره بكفر طائفة من الناس ، لأنهم لم يؤمنوا بالقرآن كلام الله فيأمره الله أن يبحث لهم عن معجزة من عنده حتى يؤمنوا أو يتبعوه ، ويبين له المولى عز وجل أنه قادر على أن يجمع قلوبهم جميعا على الإيمان والهدى ، لكن ـ لأن الحرية مكفولة للجميع في اختبار الطريق والمنهج في الحياة الدنيا ، وما على الرسول إلا البلاغ ، وهكذا كان الرسول قدوتنا ومعلمنا ـ يتبع كلام الله عز وجل في الحوار مع الآخر، في نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق