الجمعة، 25 يوليو 2008

حوار بلا فائدة حوار بلا جدوى ..1

حوار بلا فائدة حوار بلا جدوى ..1


إن لغة الحوار من أهم ما يميز الشعوب المتحضرة ، كما أنه من خلال لغة وأسلوب الحوار ومستواه الأدبي والخلقي ، وقبول الاختلاف في الرأي يكون مدى تطور المجتمع وتمدنه ، ولحاقه بركب الحضارة والتقدم والرقي ، وأنا هنا أتحدث عن رد فعل كثير من المسلمين إذا سمعوا رأيا مخالفا لما اعتادوا عليه في طقوس حياتهم ، وعلى وجه الخصوص إذا كان هذا التغيير يخص أمرا دينيا ..


وهنا يكون النقد في أشد حالاته ، بل في أسوأ حالاته إن صح التعبير ، لأن كل إنسان حتى لو كان ضالا فاسدا ظالما في حياته العادية ، مفسدا في الأرض ، ولا يُـطبق تعاليم الإسلام في أبسط علاقاته الاجتماعية مع الناس ، وهي من أبسط أمور الدين ، ولكنه عندما يحاول الدفاع عن الدين الذي لم يطبقه على نفسه ـ يستخدم من العبارات ما هو بعيدا عن الدين ، يستخدم من الكلمات ما هو قبيح ـ ، ولأنه لا يعلم كثيرا عن الدين الذي يدافع عنه ـ فإنه يسب ويشتم ويقذف كل من يخالفه في الرأي ، أو كل من يطرح أمرا جديدا أو فكرا جديدا بمجرد أن هذا الرأي أو هذا الفكر يختلف عن وجهة نظره في فهم الدين ، أو يتضارب مع مصالحه الشخصية الدنيوية ، والهجوم على الفكر الجديد أو الفهم المبني على التدبر في آيات الله يتم بطريقتين :


الأولى : من يهاجم بسبب صدمته بما يقرأه ـ وعلى سبيل المثال عند التحدث في أمور تخص الشفاعة ـ تجد معظم المسلمين ـ يسبون من يتكلم في هذا الموضوع أو يحاول حرمان المسلمين من هذه النعمة (الشفاعة المزعومة )..


الثانية : من يهاجم بهدف المحافظة على وضعه ، وعلى منصبه ، وعلى كرسيه ، وعن عدم قدرته على الاجتهاد والبحث في تراث المسلمين الذي يستحق آلاف من العلماء لتنقيته من الشوائب العالقة به ، التي تسببت في التخلف الذي وصل إليه المسلمون اليوم ..


وفي هذه المقالة سأتحدث عن الفئة الأولى ، وهي التي تهاجم لخوفها من الحقائق القرآنية التي أقرها رب العزة جل وعلا في قرآنه ..


من الموضوعات التي تهيج أعصاب المسلمين ـ عندما يتعرض مفكر مستنير إلى إحداها ـ وإقامة الأدلة كاملة من كتاب الله عز وجل على نفيها وثبوت عكسها تماما .. (قضية الإيمان بالله وحده لا شريك له ، عدم ذكر أي شريك مع المولى عز وجل في الصلاة ، حتى لو كان نبيا أو رسولا ـ إنكار الشفاعة ـ إنكار عذاب القبر ـ الإيمان بالقرآن الكريم كمرجعية وحيدة للمسلمين ـ التحدث عن الزكاة بلغة تخدم المجتمع وفقراءه لا تخدم المستبدين والطغاة ، وعدم تحديد نسبة معينة لها ـ التحدث عن الدين على أنه مسؤولية خاصة بين كل إنسان وربه ، والحساب لكل البشر عند المولى عز وجل ـ احترام حرية الرأي وحرية العقيدة ، وحرية الاختلاف ـ الدعوة للتسامح بين الناس عموما ـ المساواة بين الناس عموما ـ عدم تقديس الأشخاص على كافة المستويات) هذه الأمور و غيرها ـ من يتحدث فيها يلقى ما لا يرضاه المولى عز وجل ـ لأن من يدافع عن هذه الأمور لا يحب أن يتساوى مع الغير ، لا يحب العدل ، لا يريد إخراج ماله للفقراء ، لا يريد أن يعبد الله بلا شريك ، لا يريد أن يؤمن بالقرآن وحده دون غيره ـ لأن القرآن واضح فصل في أحكامه ، لا يقبل التأويل والتحريف ، ولكن مصادر التشريع الأخرى تناسب الأهواء والأمزجة والطموحات الدنيوية ..


ومن هنا يكون رد الفعل قاسيا ـ ليس له أي علاقة بلغة الحوار الراقية التي أقرها الإسلام ، ومن الممكن أيضا أن يكون رد فعل كثير من الأشخاص على هيئة تعليق مكتوب ليس له أدنى علاقة بموضوع المقال ولكن هو يريد تكفير صاحب هذا الرأي وتشويه صورته أمام المجتمع والناس ، والهدف واضح هو المحافظة على وضع ما في مجتمع ما ، ويقوم هذا المعلق بشخصنة الحوار ويبدأ سلسلة من الردح ليس لها أدنى علاقة بموضوع المقال ، وإنما هي كلمات يراد بها طمأنة النفس أن صاحب هذا الرأي كافر ، ويستحق أكثر من ذلك ..


ولا يعلم الكثيرين أنه من خلال لغة الحوار وقبول الاختلاف قامت حضارات ، وصل العالم الخارجي إلى أعلى درجات التمدن ـ هذا العالم الذي يتهمه معظم أهل الإسلام بالكفر ، كما وصفه الإمام محمد عبده عندما زار إحدى دوله قائلا ( وجدت هناك إسلام بلا مسلمين ) وهذا الوصف لم يكن فيه مجاملة ، ولكن كان مبنيا على ما شاهده الإمام محمد عبده بعينيه في شتى المجالات الإنسانية ..
ولكن هذا العالم المتمدن المتحضر لم يصل إلى ما وصل إليه إلا بعد أن تخلى عن سيطرة الدين على المجتمع المتمثلة في سيطرة الكنيسة في العصور الوسطى ، وبعد فتح لغة الحوار ـ وأعطى حرية الاختلاف في كل شيء ، وأكبر دليل على هذا أننا والحمد لله كمسلمين أو عرب نعيش عالة على المجتمعات الأخرى ، وبكل فخر نحن شعوب مستهلكة للتكنولوجيا ، وإذا لم نؤمن بلغة الحوار واحترام الاختلاف في الرأي وفي وجهات النظر ، وجعل الدين شيئا خاصا بين كل إنسان وخالقه سبحانه وتعالى ، و نتجه جميعا لنطور فكرنا ونفعل كل ما يخدم مجتمعاتنا ، ونبحث ونجتهد ونعمل جميعا من أجل رفعة هذه المجتمعات ، دون أن يحاسب كل منا الأخر عن صلاته أو زكاته أو حجه ، أو عن علاقته بالمولى عز وجل ..


فلنحول جهودنا هذه إلى تنمية المجتمع ـ إلى الإنفاق على الفقراء والمحتاجين ـ إلى احترام حقوق الآخرين في كل شيء ـ إلى احترام وتقديس العمل ـ إلى احترام الاختلاف في الرأي دون تعصب ، ودون تطرف فكري ..


ولكن لأننا نريد أن يحاسب كل منا الأخر في الحياة الدنيا ، من منطلق أنه يعتبر نفسه مسئولا عن غيره نفس مسئوليته عن نفسه فيما يخص الدين أمام الله عز وجل ..


ولذلك يتحول رد فعل هذه النوعية من الناس إلى متعصبين متطرفين بالكلمات ، وهذه إحدى صور التطرف ، وقد تصل الكلمة في يوم من الأيام إلى سيف أو مدفع رشاش على أيدي الشباب الضعيف المُسَير الذي تعود على قالب معين في التفكير وفي فلسفة المجتمعات التي يعيش فيها وأكبر دليل على هذا نجد الشيخ الظواهري يقابل مراجعات الجهاد لسيد إمام بقوله أنها دعوة لديانة أمريكية ، وينتقد القائمين على هذه المراجعات قائلا أنهم يدَّعون التضلع في العلم ، وهذا أسوء ما يكون من فكر حيث يدعو الظواهري للإرهاب مجددا ويدعو للقتل ويرفع الروح المعنوية للمجاهدين في كل مكان ، وهو يريد بهذه الطريقة الرجعية أن لا تقف مجتمعاتنا العربية محلك سر فحسب ، ولكن مع الآسف سنتقدم مئات السنين إلى الوراء ..

وهذا هو الدور العظيم الذي يقوم به أمثال الظواهري وشيخه بن لادن حيث دائما يقولون مالا يفعلون فهم يحمسون الشباب ويدعونهم للقتال والجهاد والاستشهاد على حد قولهم ، ومع ذلك يسكنون الجحور والكهوف ويكفرون كل شيء في العالم ، ولا يمكلون لغة للحوار أرقى من تلك اللغة لغة القتل والدمار والفرار..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق