مفتي الجمهورية ـ وتحريم الذهب ـ والعدد الذري
إن الحديث عن هذا الموضوع قد يُفسره البعض أنه استغلال للهجوم على مفتي الجمهورية في مصر في هذه الأثناء ، ولكن مجرد عرض هذا الموضوع جاء عن طريق الصدفة البحتة ..
كان الشيخ على جمعة ضيفا على ـ برنامج البيت بيتك يوم الثلاثاء الموافق ـ 22/5/2007 م ـ وقام الأستاذ تامر مذيع البرنامج بتلطيف الجو والدفاع عن المفتي بسبب الهجوم الذي لاقاه بسبب فتواه التي لا يقبلها عقل ، ولا تتناسب مع متغيرات العصر ، و قوله أن بول النبي وعرقه بركة وكانت أم حرام توزعه على أهل المدينة على حد زعمه ، كما قال أيضا بجواز تقبيل الحجر واعتبره نوعا من البركة ..
وأثناء هذه الحلقة من البرنامج سُئل المفتي سؤالا عن حكم لبس الذهب للرجال ، وكان الرد أغرب ما يكون ، ولأول مرة أسمعه ـ قال عن الذهب محرم على الرجال قطعيا وهذا ليس غريبا عليه على الرغم من مخالفته لما جاء في القرآن ، واستكمالا للسؤال قال تامر مذيع البرنامج وما حكم لبس الحلي المصنوع من البلاتين أو السبائك الأخرى التي تحتوى على الذهب مضافا إليه معدن آخر ..؟؟
وكان رد فضيلة المفتي أغرب ما يكون لأنه استخدم هذه المرة دليلا لا يمكن تصوره في عملية التحريم فقال إن الفيصل في هذا الموضوع هو العدد الذري للذهب كما هو موجود في الجدول الدوري لمند ليف .. وهذه سابقة من نوعها لشيخ أزهري في الاستدلال على قضية تشريعية تخص أمرا دينيا ..
لأنه من الطبيعي أن يستدل المفتي في أي قضية من خلال القرآن أولا ، ، أما كونه يستدل من كتب الكيمياء ، ويدخل العدد الذري في الموضوع ـ فهذا أعجب وأغرب ما يكون .. وعندها قلت لنفسي من الممكن أن يكون مند ليف قريب أو نسيب الشيخ البخاري ..!!!
لأن موضوع العدد الذري والعالم الكيميائي مند ليف ليس له علاقة بتحريم لبس الحلي من الذهب أو الفضة ، ولا يجوز لعالم دين أزهري أن يستدل بمثل هذا الدليل في أمرا يخص الدين ، متجاهلا رأي القرآن الكريم ،
و مند ليف هو عالم كيميائي بحث من أجل التفريق بين هذه العناصر بهدف علمي بحت ، ليس له علاقة بدين ..
وهذا رأي العقل ، ولكي تتضح الصورة أكثر نعرض رأي الحق في القرآن الكريم في هذا الموضوع ..
ذكرت كلمة الذهب ومشتقاتها في القرآن الكريم ثمان مرات ، مرتان منها كان الحديث عن الذهب في الحياة الدنيا ، ولم نجد في هاتين المرتين أدنى تحريم للبس الذهب للرجال ، ولكن كان التحذير للبشر من المولى عز وجل محدد وواضح كل الوضوح ـ أن جمع الذهب من الشهوات شأنه شأن النساء والأولاد والخيل المسومة والأنعام والحرث ، وتم وصف كل هذه الأمور على أنها متاع للدنيا ، وكان التحذير لكل الناس من جمع المال أو القناطير المقنطرة من الذهب والفضة وكان التحذير فيه ترغيب في الآخرة ، حيث وصف المولى عز وجل أن ما عنده في اليوم الآخر أفضل وأحسن ـ يقول تعالى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ )آل عمران : 14، وتتضح الصورة أكثر إذا قرأنا الآية التالية سنجد أن المولى ينبىء الناس بأن الأفضل من كل هذا هو لقاء الله عز وجل وثوابه للمتقين في اليوم الآخر يقول تعالى(قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) آل عمران ، 15
وتحذير آخر من رب العزة لمن يحب أن يكنز الذهب أو الفضة ولا ينفقها في سبيل الله فيبشره الله بالعذاب الأليم ، ولم نجد هنا أي شبهة تحريم تخص لبس الحلي المصنوع من الذهب ، ولكن حكمة التحريم هنا مبنية على المنفعة العامة للمجتمع ككل ، وخاصة الفقراء ، ودائما نجد في كتاب الله عز وجل عند التحدث عن الثراء في أي مجتمع دائما يكون مرتبطا بعدم الإنفاق ، ولكن عصر الرواية صاغ هذه النقطة لتتناسب مع أطنان الذهب التي كان يملكها الخلفاء في عصور التدوين وما بعدها ، حيث يحرم لبس الذهب على الرجال ولكن لا مانع أن يمتلك الخليفة وأولاده أطنانا من الذهب والفضة ، وفي نفس الوقت نجد آلافا من الفقراء لا يجدون قوت يومهم ، ولكن في النهاية الأمور تمشي حسب الروايات التي نسبوها للرسول ظلما وعدوانا ..
وفقهاء وعلماء اليوم بدلا من الاجتهاد وفهم التشريع القرآني الذي يهدف دائما للعدل والمساواة بين أفراد المجتمع الواحد والحث على الإنفاق والنهي عن كنز المال الذهب والفضة ، ويظهر ذلك جليا كما سبق عند الحديث عن الثراء تجده مرتبطا بالفقراء ، وبدلا من أن يجتهد الفقهاء والعلماء في كتاب الله عز وجل ويحرمون جمع الذهب والفضة للقضاء على الفقر ، دائما ما يساعدون الأغنياء ويؤيدون الروايات التي ما أنزل الله بها من سلطان في تحريم لبس الذهب على الرجال ، ولكن لا غبار من جمعه وكنزه أطنانا ، و لا مانع من انتشار الفقر والفقراء في معظم دول الإسلام ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق