السبت، 26 يوليو 2008

هل هناك صدقة جارية .. في الإسلام ..؟؟

هل هناك صدقة جارية .. في الإسلام ..؟؟


هذه الرواية ذات الصدى الكبير والتأثير الخطير في عقيدة المسلمين منذ زمن التدوين .. هذه الرواية المغلفة بأسلوب الخداع والظلم للفقراء والمساكين لحساب الأغنياء والأثرياء في المجتمعات الإسلامية ، على يد الفقهاء وأصحاب الفتاوى المحبوكة ..
الرواية الشهيرة التي تقول إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، إحدى هذه الثلاث ( صدقة جارية) ، وأنا أرى أن هذه الرواية كاذبة من ثلاثة جوانب ..


أولها ـ أن القرآن الكريم علمنا أن ننفق الأموال على الفقراء والمساكين في المجتمع المحيط ، وحذرنا ربنا جل وعلا من كنز المال وجمعه ، وحتى لا يصبح المال علينا أو ضدنا في الآخرة يقول تعالى (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ـ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ ـ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ ـ كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ـ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ـ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ) الهمزة : 1: 6 ، وهذه الآيات الكريمة توضح أن جمع المال وكنزه وعدم إنفاقه على الفقراء والمحتاجين يضر بصاحبه في الآخرة ، وبدلا من أن يستغل الإنسان هذا المال الزائد عن حاجته للإنفاق على الفقراء والمحتاجين ، فإنه يجمعه ويكنزه ليكون ضده في الآخرة ، ويتسبب هذا المال في خلوده في العذاب ، وهذا ما قاله القرآن الكريم عند التحدث عمن يكنزون الذهب والفضة أيضا ، وهو نوعا من تجميد الأموال في المجتمع ، ويساعد بدوره في زيادة الفقر والفقراء يقول تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)التوبة : 34 .. وهنا توضيح غاية في الروعة من رب العاملين حيث تمت مقابلة عدم الإنفاق في سبيل الله بمن يكنز الذهب والفضة .. للعلاقة المباشرة بين عدم الإنفاق والفقر في أي مجتمع ..


ثانيها ـ أن هذه الرواية عكس ما جاء في القرآن عن انقطاع علاقة الإنسان بالدنيا بعد الموت ، لأنه بعد الموت تصعد النفس إلى عالم البرزخ الذي أتت منه ، وتغلق صحف الأعمال ولا مجال هنا لزيادة درجات أو حسنات لكتاب الأعمال لأي إنسان ، وهذا مالا يعتقده الكثير من المسلمين ـ حيث أنه بعد الموت يمكن أن تكون له صدقه جاريه تنجيه من عذاب النار في الآخرة ، ومن يحج لأبيه أو لأخيه بعد الموت ، ومن يصوم أيضا لهما بدعوى أن الأجر يصلهما ، ومنهم من يبني سبيلا ويقول صدقه جارية على روح الفقيد فلان ، وهذه جميعها حكايات وقصص تراثية ليس لها أساس من الصحة ، وبدأت هذه القصص برواية من بنى لله مسجدا بنى الله له قصرا في الجنة ، حيث كان الفقهاء يعملون لخدمة أصحاب الموال ولا يزالون ـ وذلك بهذه الروايات التي تبرر ظلم وقهر من القوي للضعيف ، وفي النهاية الحل موجود ابني مسجدا وسيكون لك قصرا في الجنة وموضوع الصدقة الجارية ، وهذه الروايات جميعها تؤيد بطريقة أو بأخرى الرأسمالية الظالمة في المجتمع ، حيث يكنز الناس المال ويجمعونه تلالا ، وفي المقابل ملايين الفقراء يموتون جوعا ، ولكن الفقهاء لم يسكتوا وجدوا الحل السحري لهذه المشكلة حتى يعيش الأغنياء وهم لا يعبئون بالفقراء ، وقدموا لهم هذه الرواية ـ من بنى لله مسجدا بنى الله له قصرا في الجنة ، وكانت المفاجأة في حجم المسجد ( ولو كمفحص قطاه) .. ولأن الأثرياء درجات ، وليس جميعهم يستطيع بناء المساجد ليحظى بقصور الجنة ، فلم تبخل عليه الروايات أيضاً ، وقدم إليهم الفقهاء هذه الرخصة ، (الصدقة الجارية ) يعني باختصار افعل كل ما تريد في ترك الفقراء يموتون جوعا هنا وهناك وانهب في أموالهم واقهرهم واظلمهم بشتى الطرق ـ والمطلوب أن تتبرع بملغ لو عشرة جنيهات في بناء مسجد أو مدرسة أو معهد ـ أو عليك بعمل سبيل مياه للشرب في طريق عمومي ، وبذلك تكون قد ضمنت لنفسك مشروعا لتفريخ الحسنات طوال حياتك وبعد مماتك ، جميع هذه الروايات والفتاوى مهما كانت ، ومهما أخذت من تقديس في حياة المسلمين ، ولكنها في النهاية تخالف شرع الله سبحانه وتعالى في قرآنه ، حيث أنه لا مجال لإضافة الحسنات أو السيئات بعد الموت ، ولكن يحسم الموقف ربنا سبحانه وتعالى فيقول جل وعلا(َيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ) النساء : 123

وهذه الآية توضح أنه لا مكان لأصحاب الأمنيات من المسلمين أو أهل الكتاب ، وأن الجزاء من جنس العمل سواء أكان العمل صالحا أو سيئا ـ ويقول سبحانه وتعالى موضحا أن من يعمل سوءا لابد أن يتوب بنفسه في الدنيا توبة صادقة لكي يغفر الله له هذا الذنب ـ بمعنى أن التوبة وتصحيح الوضع لأي إنسان تكون من الشخص نفسه ، وأثناء حياته ـ يقول عز من قائل (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا)النساء : 110

وعند التحدث عن النفس البشرية وهي تغادر الجسد عند الاحتضار يتحدث القرآن أن الإنسان يعرف قبل موته إذا كان من أصحاب الجنة أو من أصحاب النار فعن أهل الجنة يقول تعالى (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل : 32 ، ويقول سبحانه وتعالى عن أهل النار (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) النحل : 28 ـ إذن هنا لا توجد مرحلة وسط بين الاثنين كما وضحت الآيات القرآنية ..

وهذا ما يجزم أن الإنسان لن يستفيد بأي عمل يقوم به في الدنيا إلا وقت فعله فقط فإن كان خيرا أخذ ثوابه كاملا وقت فعله ، وإن كان سيئا كتبت عليه سيئاته وقت فعلها ، وانتهى الأمر في حينه ، ولا تبديل لهذا العمل إذا كان سيئا إلا بتوبة الشخص بنفسه كما قال رب العزة جل وعلا ..

ثالثها ـ أن الفقهاء يحرمون فوائد البنوك ، أنا أعتبرالصدقة الجارية مثل فاوئد البنوك ، بالمفهوم الذي يعرضه الفقهاء بالروايات الظنية ، وهو الصدقة الجارية واستفادة الإنسان منها بعد موته ..

ولكن المولى جل وعلا غاية في الرحمة والعفو والكرم والجود فجعل من يعمل حسنة يأخذها أضعافا ، ومن يعمل سيئة تكتب له سيئة , وهذا حافز لا مثيل له ، ولكن الشرط الوحيد في ذلك هو أن يقوم الشخص بنفسه بكسب تلك الحسنة أو السيئة في حياته بنفسه.. يقول تعالى عن ذلك (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) الأنعام : 160 ، وهنا شرطا آخر على قبول الحسنات من الإنسان في الدنيا ، أن يكون مؤمنا ـ يقول جل شأنه (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ )غافر : 40


ولكي لا تنتهي سلسة الرخص الفقهية ، ولكي يرضى الأغنياء والأثرياء عن الفقهاء ، بدؤوا في استخدام روايات الشفاعة المزعومة للنبي يوم القيامة .. ولكن نكتفي بهذا القدر ونكمل موضوع الشفاعة في مقال آخر ..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق