وجهة نظر في قانون التصالح مع الفاسدين مقابل رد الأموال
في الأيام القليلة الماضية كَـثـُرَ الحديث وارتفعت نبرة صوت تنادي بمحاكمة سارقي مصر عن طريق الفداء بالمال ، أو قبول بضع ملايين أو مليارات من هؤلاء مقابل العفو عنهم ونيل حريتهم ، مع العلم أن هذه المليارات كلها من دماء المصريين .!! ، ويتم عرض هذا الأمر في صورة المطالبة بالعفو عن الواحد منهم في مقابل دفعه نسبة محددة من ماله الذي سرقه واعترف بنفسه أنه سرقه من أموال المصريين ، وإلا ما فكر هؤلاء ولجأ كل واحد منهم لهذا الحل الذي يريدون من خلاله الخروج من محبسهم طلقاء أحرارا هاربين من كل جرائمهم التي تحتاج لأضعاف أعمارهم كي تكفي لسنوات السجن التي يحكم عليهم بها في هذه القضايا والجرائم ، ولكي يعودوا لضلالهم القديم في سرقة أموال المصريين ونشر الفقر والجهل والمرض والذل بين معظم المصريين الشرفاء الذين فجروا الثورة.
ونتيجة للعمل المتواصل لاجهاض الثورة وقتلها يعمل أعداء مصر في الالتفاف على الثورة بكل الطرق حتى تم التفكير مؤخرا في مشروع قانون يقنن التصالح مع الفاسدين الذين سرقوا أموال الدولة والشعب في مقابل رد جزء من هذا المال والاحتفاظ بالباقي ، وهو قانون لو تمت الموافقة عليه سيكون بمثابة الضربة القاضية للثورة والثوار لأن الفاسدين و السارقين رغم كل ما فعلوه أصبحوا أفضل حالا ، وأكثر حرية من الثوار الشرفاء ، لأن الفاسدين ـ بعد الموافقة على هذا القانون سيعودون للماضي مرة أخرى ، لأنه قد تم سن قانون لمساعدة الفاسدين للإفلات من المحاكمة ، وعلى النقيض يتم سن قانون تجريم التظاهر أو الاعتصامات أو الاضرابات لسهولة القبض على الثوار الشرفاء ومحاكمتهم ووضعهم في السجون حتى تخلو الساحة مرة أخرى لبقايا النظام السابق لإعادة بناء أنفسهم مرة أخرى ، وهذه أكبر حرب ضد الثورة ، وأكبر خيانة للثورة.
ومن وجهة نظري أرى أن هؤلاء الناس الذين سرقوا أموال وأعمار المصريين خلال حقب متفاوتة ومختلفة من تاريخ مصر يريدون خداع المصريين بهذه الطريقة الظالمة التي تخالف قواعد وتشريعات الإسلام في التوبة ، فهم يريدون الحصول على حريتهم وبراءتهم من كل هذه التهم في مقابل دفع مبالغ زهيدة من الأموال التي سرقوها من هذا الشعب ، ومع الأسف يجدون من يساعدهم من الشخصيات التي يفترض أنها تقيم العدل في البلاد.
إن هذه القضايا تشبه تماما بل تعتبر مثل التوبة لكل من هؤلاء ، فإذا سلمنا أنهم قد اعترفوا بذنوبهم ويريدون التوبة (التوبة الصحيحة) والعزم على عدم العودة فلابد لهم من التنازل بدفع جميع هذه الأموال لآخر مليم والتنازل عن جميع الممتلكات ، ويبدأ كل واحد منهم من جديد ، وإذا كان فعلا سيتوب توبة حقيقية ويتق الله جل وعلا سيجعل الله له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، لأن هذا هو كلام الله ووعد الله الذي لا يخلف عباده ما وعدهم ، أما غير ذلك من محاولات يريد هؤلاء ـ وكل من يساعدهم ـ الضحك على المصريين وخداعهم مرة أخرى فهذه ستكون طامة كبرى على المصريين ، وعلى سبيل المثال نتخيل أن أحمد عز يريد دفع مليار جنيه مقابل العفو عنه ومقابل حريته ، فهناك مليارات لديه يستطيع من خلالها الظلم والسرقة والطغيان واحتكار أي شيء في المستقبل ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ، فهذا مخالف تماما لقواعد التوبة التي توجب على الإنسان إذا أراد التوبة أن يعترف بذنبه ويعتذر للناس عما لحق بهم من تبعات هذا الذنب هذا من ناحية الناس ، ويقر بينه وبين ربه جل وعلا بأنه لن يعود مرة أخرى لسابق عهده ، وإذا كان فعلا صادق في توبته فعليه أن يؤمن بقول الله جل وعلا (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) ، وعليه التخلص من كل مليم اكتسبه من حرام ، ويبدأ حياته بعمل ورزق حلال.
وأتمنى من الأزهر ومن دار الإفتاء التدخل في هذه القضية الخطيرة التي يراد منها إيجاد مبرر لسرقة أموال مصر والشعب المصري ، كما يراد منها الالتفاف على الثورة وسرقة بعض مكتسباتها الهامة جدا فيما يخص محاكمة الفاسدين ماليا ، لأننا كشعب مصري قبل 25 يناير لم نكن نتوقع أو يراودنا حلم أن نرى أحمد عز أو رشيد محمد رشيد أوحبيب العادلى أو زهير جرّانه في قفص الاتهام للمحاكمة والمحاسبة أمام القضاء والقانون وسؤالهم عن أموالهم من أين لك هذا.؟.
إذن هي معادلة واضحة ـ الحرية والعفو الشعبي والقضائي ـ مقابل التنازل عن جميع هذه الأموال والممتلكات دفعة واحدة والاعتراف أمام المصريين جميعا بالخطأ والسرقة والذنب ـ والعزم على عدم العودة مرة أخرى وفتح صفحة جديدة مع المصريين ، وأعتقد أنه ليس هناك شعب عاطفي في العالم كله مثل شعب مصر ، ولن تجد شعب متسامح وسريع العفو والنسيان مثل شعب مصر.
أنبه جميع المصريين في جميع التخصصات والمجالات وكل مؤسسات الدولة ـ إذا تم الاتفاق أو تم تمرير هذا القانون في محاسبة هؤلاء ، بقبول جزء من هذه الأموال مقابل العفو عنهم وإطلاق سراحهم ، وهم يمتلكون كل هذه المليارات فهذه مساعدة واضحة جدا لقهر وإذلال المصريين من جديد ، وبداية طريق جديد من الفساد والإجرام ، لأن هؤلاء الناس قبل امتلاك هذه الأموال كانوا يعيشون على هامش الحياة المصرية ، ولم يظهروا إلا بعد تزواج المال مع السلطة فتضخمت أموالهم وعاثوا في الأرض فسادا ، وكانت النتيجة ما نعاني منه الآن.
نحن نتحدث عن عشرات و مئات المليارات المسروقة ، و أذكركم يا دعاة الحق والعدل أنه في قانون العمل المصري إذا ثبت على موظف أنه اختلس أو سرق أو تلاعب في أرقام زهيدة أو وقع في مخالفة مالية صغيرة جدا لا تتعدى مائة جنيه أو كبيرة تصل إلى ألف أو بضعة آلاف من الجنيهات ـ فورا يتم التحقيق معه وتحويله للشئون القانونية والنيابة الإدارية وتوقيع الجزاء عليه بالخصم من راتبه أو النقل أو الفصل أو الحبس أحيانا وذلك حسب حجم سرقته، ولا يقبل منه على الإطلاق الاعتذار أو دفع ما سرقه مقابل حريته أو براءته أو العفو عنه ، فهل يعقل أن نتعامل بهذه السهولة والمياعة مع كل من سرقوا هذه المليارات وساهموا في فساد كل شيء في الدولة ـ وأنتم تعلمون جميعا أن هؤلاء لم يسرقوا ألف أو مليون أو مليار بل سرقوا مئات المليارات ـ فهل تكون محاكمتهم بهذه البساطة وهذه السهولة؟ ، وهل من العدل يا أهل العدل أن نساعدهم بسن قوانين خاصة تنجيهم من العقاب.؟.
أخيرا ::
بهذه الطريقة وهذا الأسلوب أرى أن أقل الناس استفادة من الثورة هم الثوار وأهالي الشهداء والمواطنين الشرفاء مقارنة بالفاسدين الذين يجدون من يساعدهم في الهروب بجرائمهم ، و باقي الفاسدين الذين لم يمثلوا امام القضاء للمحاكمة أصلا ، إضافة للتيارات الدينية التي انقلبت على الثورة وبحثت عن مصالحها وتناسوا شعاراتهم وهتافتهم عن المواطنة والدولة المدنية والحرية والعدالة الاجتماعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق