الأرضية الثقافية التي صنعها مبارك بمساعدة مشايخ السُلطة
هناك حقيقة يجب أن نشير إليها ... أن جميع الحركات والتيارات الدينية الموجودة في مصر كلها تنتمى لمنشأ واحد هو الوهابية السعودية ، سواء كانوا أخوان أو جماعة إسلامية أو سلفيين أو أنصار السنة أو جهاد أو القاعدة أو أو ...إلخ) ، فكلهم ينتمون لنفس الفكر ونفس المنشأ ، وتراودهم جميعا فكرة عودة الخلافة الإسلامية وإقامة الدولة الدينية مهما اخفوا ذلك ، لكن لكل تيار طريقته وأسلوبه ومنهجه ، ومن الممكن جدا ان يتفق هؤلاء جميعا لو سمحت لهم الظروف بذلك وتبين لهم أن في ذلك مصلحة ، كما حدث في الاستفتاء على التعديلات الدستورية حين اتفقوا على التصويت بنعم وتضافرت جهودهم لاقناع العامة بــ نعم ، ظنا منهم أنهم يحافظون على الاسلام.
وعلى الرغم أن الرئيس الراحل السادات قـُـتِلّ بسبب خطأ ارتكبه حين أفرج عن هذه التيارات خصوصا أعضاء الجماعة الإسلامية معتبرا أن الإفراج عنهم وخروجهم من محبسهم هو الحل الأمثل لمواجهة الشيوعية في الحياة السياسية المصرية.
إلا أن مبارك ومنذ اللحظة الأولى في حكمه وهو يعرف كيف يتعامل مع هؤلاء ، فقد استخدم معهم سياسة المد والجذب والصفقات والثواب والعقاب ، وسلّـط عليهم أمن الدولة يـُعذب من يشاء ويقتل من يشاء ويُجًنـّـدُ من يشاء ، فتح مبارك الباب على مصراعيه أمام التيارات الدينية بكل ألوان طيفها بالرغم من الاعتقالات ، وكان نظام مبارك يبارك المد الوهابي السعودي لمصر بكل وضوح لا خلاف عليه ، وساعد في هذا مشايخ النظام المباركي ، ومعظم من عمل في مجال الدعوة واعتلى منبرا من منابر الدعوة في عهد مبارك كان له بصمة واضحة في تنمية هذا الفكر وهذا المد وهذا الهجوم على الهوية المصرية المتسامحة الأصيلة ، جميعهم وقعوا في جريمة مساندة الفكر الوهابي ورعايته وحمايته من أي هجوم فكري مضاد أو نقاش أو نقد ، لدرجة أحاطته بسور مكتوب عليه ممنوع الاقتراب أو التصوير وكأنه منطقة عسكرية ، حتى من التزم الصمت تجاه هذا الفكر وهذه الثقافة فهو قد شارك ضمنيا في تمريره داخل مؤسسات الدولة ، لأنه لم يظهر موقفا إيجابيا أو سلبيا واضحا يبين للعامة مميزات أو سلبيات هذا الفكر وهذه الثقافة الدخيلة على الثقافة المصرية الليبرالية.
ازداد نمو الوهابية في مصر في عهد مبارك بمساعدة ومباركة شيوخه الأفاضل ، وانتشر النقاب والحجاب ومعهما انتشرت اللحية والجلباب في مشارق الأرض ـ المصرية ـ ومغاربها ، وأصبح السلفييون في نظر العامة هم رمز الصدق والأمانة والأخلاق الحسنة والالتزام والتدين الصحيح داخل المجتمع المصري ، لدرجة أنه إذا تم الحديث عن أحدهم بسوء فسرعان ما يدافع عنه البعض بالقول(إنه ملتزم ـ أو متدين ـ أو بـ لحية ).
فتحت لهم وسائل الدعاية والمنابر ، سَمَحَ لهم النظام الحاكم بنشر فكرهم بين الطلاب في المعاهد الأزهرية والمدارس بكل مراحلها وحتى الجامعات وفي النوادي، وهذا حقهم لا ننكره ولا نؤيد اعقتالهم على الاطلاق ، لكن المشكلة الكبرى أن مبارك لم يسمح لأي فكر آخر أن ينافس أو يناقش هذا المد الوهابي ، بل لم يتجرأ أحد مشايخ الأزهر على مدى عقديين ماضيين على الأقل ـ مواجهة هذا الزحف الوهابي على الحياة المصرية بكل أشكالها الثقافية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية ، لم نقرأ ولو بحث أو مقال مفصل واضح المعالم لأحد مشايخ الأزهر يبين فيه للمصريين حقيقة الوهابية وحقيقة هؤلاء الناس ، لم نشاهد عالم أو مفكر أزهري يخرج علينا في إحدى الفضائيات يبين للناس خطورة هذا التيار المتشدد الذي يمكن أن يحول مصر إلى أفغانستان أو صومال أو عراق جديد ، لم يجرؤ أحدهم على ذلك ، بل التزموا الصمت وعاشوا عقودا في سلبية مميته ، وتركوا هذا الفكر ينتشر بين أطفال وشباب الوطن ورجاله ونسائه ، وشاهدوه من بعيد وهو ينهش في جسد الثقافة المصرية مكتفين بنقد سطحى للنقاب واللحية.
ويبدو أن مبارك كان واعيا ومدركا أهمية انتشار هذا الفكر بين جميع فئات وطبقات ومؤسسات الدولة لمساعدته في الاستبداد وقهر المصريين وسرقة أموالهم ، فهو درس قد تعلمه من السعودية التي صدرت لنا هذا الفكر ، أنه لا سبيل لتغييب العقول عما يحدث من سرقة ونهب لمقدرات الدولة ، وتجهيل الناس بحقوقهم إلا عن طريق نمو هذه التيارات الفكرية السطحية التي تساعد على تغييب وتهميش العقول وتسطيح الشعوب ، وشغلهم بتوافه الأمور وتحولهم للاهتمام وتقديس الشكل والمظهر ونسيان الجوهر.
وأثناء الثورة المصرية خرج علينا مبارك بعدة خطب ، شدّ انتباهي منها بعض عبارة ـ منها حين قال :( في هذه الأيام العصيبة لابد أن نختار بين الفوضى والاستقرار) و قال أيضا في تصريح : ( أنه لا يريد التخلي عن السلطة حتى لا يستولى عليها الأخوان) ، وهاتين العبارتين لهما دلائل هامة جدا وارتباط وثيق الصلة بين كل ما حدث أثناء الثورة قبل وبعد التنحي وكل ما يحدث في مصر حتى الآن معتمدا على الأرضية الثقافية التي صنعها خلال فترة حكمه ::: وإليكم التوضيح :::
هدد مبارك أنه يجب الاختيار بين الفوضى والاستقرار
وأعتقد بل أكاد أجزم أن من كتب له هذه الخطب وهذه العبارات هم ترزية القوانين وأباطرة الفساد في مصر ، وكانوا يقصدون كل كلمة حرفيا ، ولأن الثوار والشعب لم يستجيبوا ، فكان الرد بكل إجرام وسفالة من هذا النظام الذي يديره ويشرف عليه مجموعة من المجرمين المتمرسين في الإجرام ، حاولوا نشر الرعب بين الناس بكل الطرق منذ يوم 28 يناير بحالة الفراغ الأمني التي لا تزال سارية نسبيا إلى يومنا هذا ، هجوم البلطجية أكثر من مرة على المدارس وعلى المباني السكنية لارهاب الناس ، قطع الطريق وتهديد المواطنين بالقتل وابتزازهم ماليا بالأسلحة النارية والبيضاء ، نشر الإشاعات والأكاذيب كل يوم وكل ساعة ، السيطرة على الإعلام المصري حتى الآن لخداع المواطنيين ، يحاول هؤلاء بكل الطرق نشر الفوضى والخوف وعدم الاستقرار في الشارع المصري مستخدمين جميع الوسائل المساعدة من بلطجية وإعلام وسلفيين وغياب نسبي للشرطة (وهو غياب غير مبرر)، وهي محاولة يائسة وبائسة لوأد الثورة وإجهاضها وقتلها ، أو نشر حالة من الخوف من المجهول والملل من استمرار الثورة ليضع المواطنيين في حالة تجعلهم يعولون على أيام مبارك ، ويقرون بحكمته لأنه توقع ما حدث من فوضى قبل أن يحدث ، وأنه حذر الشعب من الأخوان وقدرتهم على الاستيلاء على السطلة إذا تنحى ، فهي خطط مدروسة ومفهومة وواضحة.
حذر مبارك من استيلاء الأخوان على السلطة إذا ما تنحى هو
وهنا الواقع يعبر بكل وضوح عن هذه الخطة الواضحة ، فبعد أن تنحى مبارك عن السلطة سُـمِـحَ للقرضاوي النزول إلى مصر وإمامة الثوار في ميدان التحرير في جمعة الاحتفال بالنصر ، كما ظهر العديد من قيادات الأخوان في الفضائيات بعد غياب عقود طويلة ، وبدأ تأسيس الأحزاب الدينية بأسماء مستعارة ، انفصال الأخوان عن الثورة وخيانتهم الواضحة لمطالب الثورة ، وأكبر دليل على ذلك ما فعلوه قبيل الاستفتاء في عملية شحن عقول المسلمين البسطاء للتصويت بنعم ، والتصويت بنعم ليس خيانة ولكن الخيانة هي الأسلوب الذي اتبعه الأخوان في اقناع البسطاء ، والأخطر من هذا كله خرج من الجحـور وظهر في المشهد السياسي آفة من آفات الوهابية ، وهم الجماعة الإسلامية ، كما أظهر السلفييون وجههم الحقيقي ، وسيطروا على جزء كبير جدا من المشهد العام في مصر خلال شهر مضى تقريبا ، وفتحت وسائل الإعلام أبوابها لعمل سبق إعلامي مع عبود الزمر وطارق الزمر اللذان اعترفا بضلوعهم في التخطيط لقتل السادات
، وتم تصوير هؤلاء وكأنهم أفضل من أبطال حرب أكتوبر 73 ، وانشغل الجميع بالسلفيين والجماعة الإسلامية والخلاف بين السلفيين والصوفية وهدم الأضرحة ، وتنفيذ القصاص على مواطن مصري بقطع أذنه ، وفتوى من أحد مشايخ السلفية بإهدار دم البرادعى الذي شرب الإعلام المصري معظم قطرات دمه ، ونشر حالة من التغييب الفكري الجديد ، على رأسها فتح التحقيق في مقتل السادات ، وحالة من الصخب الإعلامي الذي يصب في مصلحة الفاسدين الذين يجب أن يمثلوا أمام القضاء لمحاكمتهم فورا ، ولا عُـذر لمن يؤخر محاكمتهم.
فكل هذه الألاعيب والأكاذيب تم التخطيط لها مسبقا لأنها تتم بحرفية واضحة المعالم مرتبطة ببعض ما قاله مبارك في خطبه وتصريحاته قبيل رحيله ، فهؤلاء المجرمون يريدون كسب الوقت لإلهاء وشغل الرأي العام عن التفكير في محاكمة مبارك وعائلته ومحاكمة سرور وعزمى والشريف ونظيف ، وباقي فلول النظام ، هذه خطة واضحة يساعد فيها الإعلام المصري إلى الآن ، ويساعد فيها الأخوان والسلفيين لأنهم ادعوا أنهم مع الثورة في وقت من الأوقات والآن يبحثون عن حل مشاكلهم الداخلية بين الشباب ومكتب الإرشاد وبين من استقال من الجماعة ، والسلفيين يقومون بالدور الأمثل في تنفيذ أوامر أمن الدولة بداية من تكفير وإهدار دم البرادي واعتبار الأخوان والقرضاوي والبرادعى من الخوارج لأنهم لم يطيعوا ولي الأمر ، وتزييف معاني كثيرة مثل معنى الدولة المدنية ومعنى الليبرالية وشرحهما بمعاني كاذبة للبسطاء من الناس ، ودورهم الواضح في محاربة الصوفية وهدم الأضرحة التي بنيت قبل أن يولد معظم السلفيين بمئات أو عشرات السنين ، وفجأة وبقدرة قادر اكتشفوا أنها اوثان ويجب هدمها الآن.
هذه هي الأرضية الثقافية التي صنعها وتركها لنا مبارك ، وعندما حاولنا كشف هذه الحقائق ونقدها بموضوعية ، وقلنا أنه يجب الاهتمام بها ، ويجب طبع كتيبات تدرس ضمن المناهج الدراسية لنشر الوعي بين أطفال وشباب الأمة قام جهاز أمن الدولة بمساعدة الأزهر باعتقالنا ووجه إلينا تهمة ازدراء الدين الاسلامي ، واليوم الجمعة الموافق 1 أبريل هاجم الشيخ علي جمعة أفعال السلفيين ووصفها بالفاسدة ووصف عقولهم بالعقول الخربة وأنهم ضد الإسلام ، لأنهم فكروا في هدم ضريح الحسين ، المكون من طوب وأسمنت وحديد ، لكنهم حينما هدموا عقول شباب وأطفال الأمة منذ عقود مضت لم يتعرض لهم أحد بأي سوء ، وكانوا جميعا يلتزمون الصمت على طول الخط مكتفين بالتعليق على النقاب ووصفه بأنه عادة وليس عبادة.
هناك حقيقة يجب أن نشير إليها ... أن جميع الحركات والتيارات الدينية الموجودة في مصر كلها تنتمى لمنشأ واحد هو الوهابية السعودية ، سواء كانوا أخوان أو جماعة إسلامية أو سلفيين أو أنصار السنة أو جهاد أو القاعدة أو أو ...إلخ) ، فكلهم ينتمون لنفس الفكر ونفس المنشأ ، وتراودهم جميعا فكرة عودة الخلافة الإسلامية وإقامة الدولة الدينية مهما اخفوا ذلك ، لكن لكل تيار طريقته وأسلوبه ومنهجه ، ومن الممكن جدا ان يتفق هؤلاء جميعا لو سمحت لهم الظروف بذلك وتبين لهم أن في ذلك مصلحة ، كما حدث في الاستفتاء على التعديلات الدستورية حين اتفقوا على التصويت بنعم وتضافرت جهودهم لاقناع العامة بــ نعم ، ظنا منهم أنهم يحافظون على الاسلام.
وعلى الرغم أن الرئيس الراحل السادات قـُـتِلّ بسبب خطأ ارتكبه حين أفرج عن هذه التيارات خصوصا أعضاء الجماعة الإسلامية معتبرا أن الإفراج عنهم وخروجهم من محبسهم هو الحل الأمثل لمواجهة الشيوعية في الحياة السياسية المصرية.
إلا أن مبارك ومنذ اللحظة الأولى في حكمه وهو يعرف كيف يتعامل مع هؤلاء ، فقد استخدم معهم سياسة المد والجذب والصفقات والثواب والعقاب ، وسلّـط عليهم أمن الدولة يـُعذب من يشاء ويقتل من يشاء ويُجًنـّـدُ من يشاء ، فتح مبارك الباب على مصراعيه أمام التيارات الدينية بكل ألوان طيفها بالرغم من الاعتقالات ، وكان نظام مبارك يبارك المد الوهابي السعودي لمصر بكل وضوح لا خلاف عليه ، وساعد في هذا مشايخ النظام المباركي ، ومعظم من عمل في مجال الدعوة واعتلى منبرا من منابر الدعوة في عهد مبارك كان له بصمة واضحة في تنمية هذا الفكر وهذا المد وهذا الهجوم على الهوية المصرية المتسامحة الأصيلة ، جميعهم وقعوا في جريمة مساندة الفكر الوهابي ورعايته وحمايته من أي هجوم فكري مضاد أو نقاش أو نقد ، لدرجة أحاطته بسور مكتوب عليه ممنوع الاقتراب أو التصوير وكأنه منطقة عسكرية ، حتى من التزم الصمت تجاه هذا الفكر وهذه الثقافة فهو قد شارك ضمنيا في تمريره داخل مؤسسات الدولة ، لأنه لم يظهر موقفا إيجابيا أو سلبيا واضحا يبين للعامة مميزات أو سلبيات هذا الفكر وهذه الثقافة الدخيلة على الثقافة المصرية الليبرالية.
ازداد نمو الوهابية في مصر في عهد مبارك بمساعدة ومباركة شيوخه الأفاضل ، وانتشر النقاب والحجاب ومعهما انتشرت اللحية والجلباب في مشارق الأرض ـ المصرية ـ ومغاربها ، وأصبح السلفييون في نظر العامة هم رمز الصدق والأمانة والأخلاق الحسنة والالتزام والتدين الصحيح داخل المجتمع المصري ، لدرجة أنه إذا تم الحديث عن أحدهم بسوء فسرعان ما يدافع عنه البعض بالقول(إنه ملتزم ـ أو متدين ـ أو بـ لحية ).
فتحت لهم وسائل الدعاية والمنابر ، سَمَحَ لهم النظام الحاكم بنشر فكرهم بين الطلاب في المعاهد الأزهرية والمدارس بكل مراحلها وحتى الجامعات وفي النوادي، وهذا حقهم لا ننكره ولا نؤيد اعقتالهم على الاطلاق ، لكن المشكلة الكبرى أن مبارك لم يسمح لأي فكر آخر أن ينافس أو يناقش هذا المد الوهابي ، بل لم يتجرأ أحد مشايخ الأزهر على مدى عقديين ماضيين على الأقل ـ مواجهة هذا الزحف الوهابي على الحياة المصرية بكل أشكالها الثقافية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية ، لم نقرأ ولو بحث أو مقال مفصل واضح المعالم لأحد مشايخ الأزهر يبين فيه للمصريين حقيقة الوهابية وحقيقة هؤلاء الناس ، لم نشاهد عالم أو مفكر أزهري يخرج علينا في إحدى الفضائيات يبين للناس خطورة هذا التيار المتشدد الذي يمكن أن يحول مصر إلى أفغانستان أو صومال أو عراق جديد ، لم يجرؤ أحدهم على ذلك ، بل التزموا الصمت وعاشوا عقودا في سلبية مميته ، وتركوا هذا الفكر ينتشر بين أطفال وشباب الوطن ورجاله ونسائه ، وشاهدوه من بعيد وهو ينهش في جسد الثقافة المصرية مكتفين بنقد سطحى للنقاب واللحية.
ويبدو أن مبارك كان واعيا ومدركا أهمية انتشار هذا الفكر بين جميع فئات وطبقات ومؤسسات الدولة لمساعدته في الاستبداد وقهر المصريين وسرقة أموالهم ، فهو درس قد تعلمه من السعودية التي صدرت لنا هذا الفكر ، أنه لا سبيل لتغييب العقول عما يحدث من سرقة ونهب لمقدرات الدولة ، وتجهيل الناس بحقوقهم إلا عن طريق نمو هذه التيارات الفكرية السطحية التي تساعد على تغييب وتهميش العقول وتسطيح الشعوب ، وشغلهم بتوافه الأمور وتحولهم للاهتمام وتقديس الشكل والمظهر ونسيان الجوهر.
وأثناء الثورة المصرية خرج علينا مبارك بعدة خطب ، شدّ انتباهي منها بعض عبارة ـ منها حين قال :( في هذه الأيام العصيبة لابد أن نختار بين الفوضى والاستقرار) و قال أيضا في تصريح : ( أنه لا يريد التخلي عن السلطة حتى لا يستولى عليها الأخوان) ، وهاتين العبارتين لهما دلائل هامة جدا وارتباط وثيق الصلة بين كل ما حدث أثناء الثورة قبل وبعد التنحي وكل ما يحدث في مصر حتى الآن معتمدا على الأرضية الثقافية التي صنعها خلال فترة حكمه ::: وإليكم التوضيح :::
هدد مبارك أنه يجب الاختيار بين الفوضى والاستقرار
وأعتقد بل أكاد أجزم أن من كتب له هذه الخطب وهذه العبارات هم ترزية القوانين وأباطرة الفساد في مصر ، وكانوا يقصدون كل كلمة حرفيا ، ولأن الثوار والشعب لم يستجيبوا ، فكان الرد بكل إجرام وسفالة من هذا النظام الذي يديره ويشرف عليه مجموعة من المجرمين المتمرسين في الإجرام ، حاولوا نشر الرعب بين الناس بكل الطرق منذ يوم 28 يناير بحالة الفراغ الأمني التي لا تزال سارية نسبيا إلى يومنا هذا ، هجوم البلطجية أكثر من مرة على المدارس وعلى المباني السكنية لارهاب الناس ، قطع الطريق وتهديد المواطنين بالقتل وابتزازهم ماليا بالأسلحة النارية والبيضاء ، نشر الإشاعات والأكاذيب كل يوم وكل ساعة ، السيطرة على الإعلام المصري حتى الآن لخداع المواطنيين ، يحاول هؤلاء بكل الطرق نشر الفوضى والخوف وعدم الاستقرار في الشارع المصري مستخدمين جميع الوسائل المساعدة من بلطجية وإعلام وسلفيين وغياب نسبي للشرطة (وهو غياب غير مبرر)، وهي محاولة يائسة وبائسة لوأد الثورة وإجهاضها وقتلها ، أو نشر حالة من الخوف من المجهول والملل من استمرار الثورة ليضع المواطنيين في حالة تجعلهم يعولون على أيام مبارك ، ويقرون بحكمته لأنه توقع ما حدث من فوضى قبل أن يحدث ، وأنه حذر الشعب من الأخوان وقدرتهم على الاستيلاء على السطلة إذا تنحى ، فهي خطط مدروسة ومفهومة وواضحة.
حذر مبارك من استيلاء الأخوان على السلطة إذا ما تنحى هو
وهنا الواقع يعبر بكل وضوح عن هذه الخطة الواضحة ، فبعد أن تنحى مبارك عن السلطة سُـمِـحَ للقرضاوي النزول إلى مصر وإمامة الثوار في ميدان التحرير في جمعة الاحتفال بالنصر ، كما ظهر العديد من قيادات الأخوان في الفضائيات بعد غياب عقود طويلة ، وبدأ تأسيس الأحزاب الدينية بأسماء مستعارة ، انفصال الأخوان عن الثورة وخيانتهم الواضحة لمطالب الثورة ، وأكبر دليل على ذلك ما فعلوه قبيل الاستفتاء في عملية شحن عقول المسلمين البسطاء للتصويت بنعم ، والتصويت بنعم ليس خيانة ولكن الخيانة هي الأسلوب الذي اتبعه الأخوان في اقناع البسطاء ، والأخطر من هذا كله خرج من الجحـور وظهر في المشهد السياسي آفة من آفات الوهابية ، وهم الجماعة الإسلامية ، كما أظهر السلفييون وجههم الحقيقي ، وسيطروا على جزء كبير جدا من المشهد العام في مصر خلال شهر مضى تقريبا ، وفتحت وسائل الإعلام أبوابها لعمل سبق إعلامي مع عبود الزمر وطارق الزمر اللذان اعترفا بضلوعهم في التخطيط لقتل السادات
، وتم تصوير هؤلاء وكأنهم أفضل من أبطال حرب أكتوبر 73 ، وانشغل الجميع بالسلفيين والجماعة الإسلامية والخلاف بين السلفيين والصوفية وهدم الأضرحة ، وتنفيذ القصاص على مواطن مصري بقطع أذنه ، وفتوى من أحد مشايخ السلفية بإهدار دم البرادعى الذي شرب الإعلام المصري معظم قطرات دمه ، ونشر حالة من التغييب الفكري الجديد ، على رأسها فتح التحقيق في مقتل السادات ، وحالة من الصخب الإعلامي الذي يصب في مصلحة الفاسدين الذين يجب أن يمثلوا أمام القضاء لمحاكمتهم فورا ، ولا عُـذر لمن يؤخر محاكمتهم.
فكل هذه الألاعيب والأكاذيب تم التخطيط لها مسبقا لأنها تتم بحرفية واضحة المعالم مرتبطة ببعض ما قاله مبارك في خطبه وتصريحاته قبيل رحيله ، فهؤلاء المجرمون يريدون كسب الوقت لإلهاء وشغل الرأي العام عن التفكير في محاكمة مبارك وعائلته ومحاكمة سرور وعزمى والشريف ونظيف ، وباقي فلول النظام ، هذه خطة واضحة يساعد فيها الإعلام المصري إلى الآن ، ويساعد فيها الأخوان والسلفيين لأنهم ادعوا أنهم مع الثورة في وقت من الأوقات والآن يبحثون عن حل مشاكلهم الداخلية بين الشباب ومكتب الإرشاد وبين من استقال من الجماعة ، والسلفيين يقومون بالدور الأمثل في تنفيذ أوامر أمن الدولة بداية من تكفير وإهدار دم البرادي واعتبار الأخوان والقرضاوي والبرادعى من الخوارج لأنهم لم يطيعوا ولي الأمر ، وتزييف معاني كثيرة مثل معنى الدولة المدنية ومعنى الليبرالية وشرحهما بمعاني كاذبة للبسطاء من الناس ، ودورهم الواضح في محاربة الصوفية وهدم الأضرحة التي بنيت قبل أن يولد معظم السلفيين بمئات أو عشرات السنين ، وفجأة وبقدرة قادر اكتشفوا أنها اوثان ويجب هدمها الآن.
هذه هي الأرضية الثقافية التي صنعها وتركها لنا مبارك ، وعندما حاولنا كشف هذه الحقائق ونقدها بموضوعية ، وقلنا أنه يجب الاهتمام بها ، ويجب طبع كتيبات تدرس ضمن المناهج الدراسية لنشر الوعي بين أطفال وشباب الأمة قام جهاز أمن الدولة بمساعدة الأزهر باعتقالنا ووجه إلينا تهمة ازدراء الدين الاسلامي ، واليوم الجمعة الموافق 1 أبريل هاجم الشيخ علي جمعة أفعال السلفيين ووصفها بالفاسدة ووصف عقولهم بالعقول الخربة وأنهم ضد الإسلام ، لأنهم فكروا في هدم ضريح الحسين ، المكون من طوب وأسمنت وحديد ، لكنهم حينما هدموا عقول شباب وأطفال الأمة منذ عقود مضت لم يتعرض لهم أحد بأي سوء ، وكانوا جميعا يلتزمون الصمت على طول الخط مكتفين بالتعليق على النقاب ووصفه بأنه عادة وليس عبادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق