هل كان أبو بكر الصديق أحرص على الشريعة من الرسول عليه السلام .؟
قبل أي شيء لابد أن نوضح ونبين للمسلمين أن الإسلام نزل رحمة للعالمين ، نزل لنشر الرحمة والحب والتسامح والعدل والمساواة والحرية والعدالة الإنسانية و حقوق الإنسان وعبادة الله بلا شريك لمن شاء أن يؤمن ، نزل يهذب الأخلاق ويربي الأنفس على الفضيلة والسمو الأخلاقي والابتعاد عن الفواحش والرذيلة ، نزل وتجسد وحُـفِـظَ هذا الدين في كتاب عظيم هو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وفي القرآن الكريم الطريقة التي أمرنا ربنا جل وعلا أن نتعامل بها مع هذا القرآن سواء عند قراءته أو وقت الاستماع إليه ، فقد أمرنا ربنا جل وعلا أن نقرأ القرآن بتدبر وتَـفَـكُّـر وتَـعَـقُّــل وفي خشوع وخضوع وسكينة ، وكذلك أمرنا ربنا جل وعلا أن نُـنـْصِـتُ أثناء الاستماع للقرآن الكريم لعـل تشملنا رحمة الله ، وكذلك أمرنا ربنا جل وعلا ألاّ نـقـعـد مع أي إنسان يخـوض أو يستهـزئ بآيات الله.
ولم يُذكر في القرآن الكريم إطلاقا أن هناك تشريع للغناء أو ما يسمى بالغناءالشرعي ، ولا يوجد في تشريعات الإسلام آية واحدة تشير إلى أن هناك غناء إسلامي حسب الشريعة ، وكذلك لا يوجد في تشريعات الإسلام ما يُحَـرم الغناء ، فهو مباح طالما لا يخدش الحياء أو يدعو للفسوق وهنا يدخل ضمن السيئات واللمم ، لأن الكبائر والمحرمات ذكرت في القرآن في آيات محددة جامعة واضحة.
هذه مقدمة كان لابد منها قـُبيل الدخول على موضوع المقال وهو (تحريم الغناء بين خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام وأبي بكر ) ، سأبدأ المقال بحديث ينسبونه لخاتم النبيين يقولون فيه الآتي:
الحديث: ((عن عائشة . رضي الله عنها . قالت: دخل عليَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام وعندي جاريتان تُغَـنّـيَان بغـناء بُعاثٍ ، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه ، ودخل أبو بكر فانـتهـرني وقال: مزمارةُ الشيطان عند النبي. فأقبل عليه رسول الله فقال دَعـْهـُمَا ، فلما غَـفـَلَ غـَمـَزْتـُهتُـمَا فـَخَـرَجَـتا)).
أولا: نقرأ شرح الحديث حسب ما جاء في كتب الحديث وبعد ذلك نكتب التعليق عليه لنظهر ما فيه من تضارب وتناقض في المتن وما فيه من ظلم وادعاءات كاذبة لخاتم النبيين:ــ
شرح الحديث:
((دخل عليّ رسول الله أيام منى وعندي جاريتان دون البلوغ من الأنصار ، إحداهما لحسان بن ثابت ، وقيل: كلتاهما لعبد الله بن سلام ، واسم إحداهما حمامة ، وقيل: واسم الأخرى زينب وقيل: غير ذلك تغنيان ولمسلم في رواية هشام بدف وللنسائي بدفين ، والراجح أنها كانت قبل الهجرة بثلاث سنين لما رواه ابن سعد بأسانيده.
فاضطجع عليه الصلاة والسلام على الفراش وحول وجهه للإعراض عن ذلك.
ودخل أبي بكر فانتهرني أي لتقريرها لهما على الغناء وللزهوي "فانتهرهما" أي الجاريتين لفعلهما ذلك ويمكن أنه زجر الجميع (وقال (مزمارة الشيطان عند النبي.؟) وإنما انكر الصديق ذلك اعتمادا على ما تقرر عنده من تحريم اللهو والغناء مطلقا ، ولم يعلم أنه عليه الصلاة والسلام أقرهن على هذا النحو اليسير لكونه دخل فوجده مضطجعا فظنه نائما ، فتوجه له الإنكار 0فأقبل عليه رسول الله فقال): يا أبابكر (دعهما) أي الجاريتين وفي رواية "دعها" أي عائشة وزاد في رواية هشام "يا أبابكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا" ــ فعرفه عليه الصلاة والسلام ــ الحال مقرونا بيان الحكمة بأنه يوم عيد أي يوم سرور شرعي ، فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الأعراس ، قالت عائشة (فلما غفل) ابو بكر (غمزتهما فخرجتا)
ما يؤخذ من الحديث:
واستدل بهذا الحديث على جواز سماع صوت المرأة تغني لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي بكر سماعه بل انكر إنكاره ، ولا يخفى أن محل الجواز إذا أمنت الفتنة)).
التــعــلـيـق:ــ
هذا الحديث حسب وجهة نظري وحسب ما أرى فيه ظلم بَـيِّـن لخاتم النبيين للأسباب التالية:
1ــ أنهم يظهرون خاتم النبيين قد دخل وسمع الغناء ولم يأخذ موقف ، وحّول وجهه واضطجع بينما من أخذ الموقف هو أبو بكر ، أي أن ابو بكر أكثر حرصا على تشريعات الإسلام من النبي عليه السلام . وهنا أيضا كيف يضطجع أمام جاريتان غريبتين وليستا من أهل بيته.
2ــ هناك أخطاء وتناقضات كعادة تناقضات رواة الحديث في المتن والسند وشرح الحديث ، ففي شرح الحديث الاختلاف على الجاريتين هل هما لحسان بن ثابت أو عبد الله بن سلام ؟ ، كذلك الاختلاف في الأسماء قيل إحداهما حمامة والأخرى زينب وقيل غير ذلك إذن لا يوجد دليل قاطع يثبت شخصية الجاريتين الحقيقية ، وهناك خلاف آخر أنهما كانتا تغنيان بدف واحد أو بدفين.؟.
3ــ الأمر الخطير هنا في شرح الحديث يقول أن هذه الحادثة كانت في مِنـَى قبل الهجرة بثلاث سنوات ، والرسول عليه السلام تزوج السيدة عائشة قبل الهجرة بسنتين ، إذن كيف نتصور أن خاتم النبيين قد دخل على عائشة قبل أن يتزوجها وهي في جلسة سمر في بيتها كما يدعي راوي الحديث.
4ــ حين دخل أبو بكر تقول (فانتهرني) وقيل أنه زجر الجميع ، وهذا يعني أنه زَجَـرَ جميع الحضور بما فيهم خاتم النبيين ، فهل هذا يجوز.؟ ، ويبررون موقف أبا بكر أنه تقرر عنده أن خاتم النبيين حرّم الغناء واللهو مطلقا ، ولم يقره أي يبيحه على هذا النحو بالدف و الدف(هو الذي لا جلاجل فيه) ، والسيء في الأمر أن أبا بكر ظنّ أن خاتم النبيين نائما وهنا لابد من سؤال: هل يمكن أن نتصور أن خاتم النبيين يمكن أن ينام في هذا الوضع وهذا الجو.؟ ، وهل نتصور أن أم المؤمنين عائشة يمكن أن تفعـل هكذا سلوك في مكان ينام فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام.؟ ، مجرد أن يظـن أبا بكر أن رسول الله نائما يُـفهـم من هذا ضمنيا أنه كان من المعتاد أنه عليه السلام كان ينام في مثل هذه الأجواء أو الظروف أمام الأغراب وإلا ما تسلل لأبي بكر هذا الظن.
5ــ بعد أن أظهر أبو بكر رفضه وإنكاره لما يحدث قال له خاتم النبيين دعهما أي الجاريتين وفي رواية أخرى قيل دعها أي عائشة وهنا خلاف أيضا ، ثم يدعون أن خاتم المرسلين سوغ هذا بأنه يوم عيد وسرور شرعي وهنا سؤال: متى يكون هذا اليوم من كل عام ؟ ولماذا لم يستمر هذا العيد الإسلامي الشرعي حتى يومنا هذا.؟ أليست هذه سنة من سنن خاتم النبيين تم تجاهلها وإهمالها.؟
6ــ واستمراراً في الاعتداء على خاتم النبيين ، فبعد أن غفل النبي غمزتهما عائشة فخرجتا وكأنه عليه السلام ينام على صوت الدفوف كل يوم ، وهنا اعتراف واضح أن عائشة أمرت الجاريتين بالخروج لأن هذا لم يعجب أبيها ، بينما خاتم النبيين كان يوافق على هذا ولم يعقب بكلمة واحدة بل اضطجع وتركهم يفعلون ما يفعلون.
وهنا نقول :ــ هل خاتم النبيين كان يملك من الوقت ما يجعله ينام أو يضطجع في جلسات الغناء والسمر.؟ حتى لو كانت بالدفوف وبدون جلاجل ، هل يَقبل أي شيخ من مشايخ الإسلام أو مشايخ الأزهر أن يقال عنه مثل هذا الكلام ، ويُنشر عنه وعن خصوصيته في بيته مثل هذا الكلام.؟ ، وهل يَقبل نفس الشيخ أن يقوم صهره (والد زوجته) بوضعه في موضع من يلهو مع النساء.؟
7ــ الشيء الصادم والكارثي في الأمر: أن السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين وأولى زوجات خاتم النبيين توفيت قبل الهجرة بثلاث سنوات ، وفي نفس العام الذي توفي فيه عـم الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهذا العام سمي عند التراثيين بعام الحُـزن ، فهل يُعـقـل أن يُسمى هذا العام بعام الحُـزن ورغم ذلك تكون هذه هي حياة خاتم النبيين وأم المؤمنين عائشة تزامنا مع هذه الأحداث المحزنة.؟ ((لأنهم يدّعون أن هذا الغناء البُـعاث الذي اضطجع فيه خاتم النبيين كان في قبل الهجرة بثلاث سنوات)) ، هذه إساءة مبالغ فيها لخاتم النبيين وكذب وتناقض صارخ وذلك لأنهم يدّعون أن العام هو عام الحُـزن ورغم ذلك اتهموا خاتم النبيين بأنه يلهو في جلسات الغناء غير متأثر بوفاة زوجته وعمه ، وأكثر من هذا يجعـل من هذا الموعد يوم عـيد ويوم سرور شرعي للمسلمين.
وهذه عينة بسيطة توضح طعـن المُحدثين في شخصية النبي عليه السلام ، والتعرض لحياته الخاصة ، وغالبا ما يكون هذا بإظهار الصورة السلبية في حياته مغلفة بدهاء وكأنهم يدافعون عنه ، وجدير بالذكر هنا أن أقول لكم أن هذا الحديث أحد الروايات المقررة على طلاب المرحلة الثانوية الأزهرية.
أشعر بأحد السلفيين يُحضر رداً مُـفحما يقول فيه أن هذا الحديث ضعيف ، وردي عليه بكل بساطة لماذا هذا الحديث يدرس حتى هذه اللحظة على طلاب الأزهر.؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق