الجمعة، 2 ديسمبر 2011

الـقـرآن بين الإهـمال والاستغـلال وسوء الاستعـمال ..!!

الـقـرآن بين الإهـمال والاستغـلال وسوء الاستعـمال ..!!

أحاول في هذا المقال إلقاء الضوء على عقليات لعيـّنات ونوعيات من المسلمين لإظهار خطأ نظرتهم ، و تعاملهم مع القرآن الكريم ، الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، الكتاب الذي وصفه ربنا جل وعلا بأن فيه شفاء ورحمة وهدى ، الكتاب الذي ليس كمثله شيء وهو أحسن القصص وأحسن الحديث وهو الحق وبالحق نزل ، القرآن الكريم الكتاب الوحيد على كوكب الأرض الذي لا يمكن لعقلنا البشري أن يحصر صفاته ومميزاته ومعجزاته ويفهم جميع آياته ، وكذلك لا يمكن لعقلنا البشري أن يأت بآية واحدة مثل آياته ، الكتاب الذي من أهم صفاته أنه مُيَسّر ، مُفَـصّل ، مُبين ، مُحكم ، وقمة الإعجاز تتجلى هنا أن يكون هذا الكتاب بهذه المواصفات وهذا اليُسر وفي نفس الوقت يكون بهذا الإعجاز الذي لا يمكن أن ندركه كله مهما عشنا ، وذلك لأنه من عند الله.

ويمكن تقسيم مواقف هذه العينات والنوعيات حسب التعامل مع القرآن وحسب العنوان إلى ثلاثة أقسام:

أولا ــ الإهمال ومعناه حسب وجهة نظري (هو عملية تجاهل للقرآن الكريم يقع فيها معظم المسلمين في كل مكان) أو بمعنى أكثر وضوحا عدم تقدير القرآن الكريم حق قدره ، وإلى مزيد من التوضيح:

تجاهل القرآن الكريم ــ واتخاذه مهجورا ــ هو حدث يومي يقع فيه معظم المسلمين ، وذلك لأنهم حتى اليوم لم يعطوا القرآن الكريم حقه من القراءة والتدبر كغيره من الكتب والمؤلفات البشرية ، فرغم أن معظم المسلمين ينظرون لكتب التراث نظرة قدسية واستحسان وتفضيل على جميع المؤلفات البشرية ، ويجعلون إحداها أصدق الكتب بعد القرآن لأنها قديمة ، ولأن كل قديم يكتسب صفة القدسية عند معظم المسلمين ، فوقعوا في خطيئة كبرى وتناسوا جميعا في أكبر غفلة في تاريخهم أن القرآن الكريم أقدم كتاب موجود بين أيديهم (بالنسبة للمسلمين) ، فعمره أكثر من ألف وأربعمائة عام ، ورغم قدم هذا القرآن ، ورغم إنه من عند الله ، وأن ربنا جل وعلا قد تكفل بحفظه دون غيره من الكتب إلا أن المسلمين أهملوه وفضّلوا عليه مؤلفات بشرية مليئة بالأخطاء والمتناقضات ، وتمت صياغتها وكتابتها في عصور يجهلها معظم المسلمين ، كما يجهل معظم المسلمين ولا يعلم أبسط المعلومات عن كتّاب هذه الكتب ومولدهم ونشأتهم وصفاتهم وأخلاقهم وتربيتهم والبيئة التي نشأوا فيها ، ولكن في حالة من الغفلة يقدسون هذه الكتب ويهملون كتاب الله الذي يعلمون من أنزله ومن تكفل بحفظه ومن جعل قراءته وتدبره فريضة عليهم لأنه دينا قيما لا عوج فيه.

وبسبب هذا الإهمال المتواصل الذي تتوارثه الأجيال لم تظهر مدرسة قرآنية حقيقية يكون هدفها دراسة وتدبر القرآن الكريم بمعزل عن كتب التراث ومفاهيمه ومصطلحاته ولغته التراثية ، وإنما كل المدراس التي حاولت دراسة القرآن كانت تقوم على تفسيره بلغة التراث ومفاهيمه ومصطلحاته وأحاديثه ، والأكثر من هذا كانوا يفرضون على القرآن مفاهيم محددة يريدون إثباتها بلَيْ عنق الآيات ، بمعنى أوضح يدخلون على القرآن برؤية مسبقة ووجهة نظر جاهزة يريدون فرضها على آيات الله.

وبمرور الزمن تحول القرآن الكريم إلى مجرد كتاب سماوي يتعامل معه السواد الأعظم من المسلمين على أنه كتاب بركة يستخدم في إخراج الجن وإبعاد الكوابيس عند النوم ، وتلاشت أهميته ودوره ككتاب للهدى وإصلاح سيئات البشر عند قراءته وتدبر آياته ، وهنا المدخل إلى سوء الاستعمال:

ثانيا ــ سوء الاستعمال ، ومعناه من وجهة نظري سوء التعامل ، أو التعامل مع القرآن بطريقة غير لائقة ، ولا أجد مثالا يعبر عن هذا بدقة أفضل من الطريقة التي يُدَرّسُ بها القرآن الكريم في المعاهد الأزهرية ، حيث يقوم المُحَـفِّـظ أو مدرس القرآن (على سبيل المثال) بقراءة صفحة من المقرر أمام التلاميذ داخل الفصل ، ويطلب من أحدهم القراءة ويكرر باقي التلاميذ قراءة ما قرأه زميلهم ، ولكن ليست هذه هي المشكلة ، وإنما المشكلة في الطريقة والمنهج والمتبع و الصوت الصاخب الغوغائي الذي يقرأ به التلاميذ كتاب الله جل وعلا ، لا يمكن على الإطلاق أن تفهم كلمة واحدة من آية أثناء القراءة ، لأن الفصول متاخمة لبعضها ، وجميع حصص القرآن في وقت واحد على جميع الفصول ، وكل مدرس يحاول إظهار أنه يعمل بجد مستخدما قوة صوت التلاميذ في القراءة مؤشرا على جديته في العمل ، في حالة من التنافس على الغوغائية والفوضى ولكن الضحية هنا هو القرآن الكريم وهذه من وجهة نظري جريمة كبرى لابد من الوقوف ضدها في الأزهر ، وأقول هي جريمة كبرى ومعي الدليل :

في حصص القراءة (المطالعة) وفي حصص العلوم أو الدراسات الاجتماعية وفي جميع الحصص الأخرى التي يُطلب من التلاميذ القراءة من الكتاب المدرسي تكون القراءة بطريقة مختلفة تماما وفي هدوء وتركيز وسكينة وفي حالة إنصات من التلاميذ ولا يُطلب من جميع التلاميذ القراءة معا كما يحدث عند قراءة القرآن ، والتناقض هنا أن هذه الكتب وهذه المواد الدراسية على اختلافاتها لم يأت لنا أمرا في القرآن يرشدنا ويأمرنا بطريقة صحيحة عند قراءتها ، ورغم ذلك فكل مدرس يبحث عن طريقة سهلة للقراءة لكي يفهم التلاميذ موضوع الدرس ، وعلى العكس تماما فالقرآن الكريم الذي أمرنا ربنا جل وعلا أن نقرأ آياته في تدبر وتعقل وتركيز ، وأن ننصت إذا سمعنا القرآن يُتلى ، نفعل العكس ونقرأ القرآن بطريقة همجية وغوغائية تخالف تماما أوامر الله جل وعلا من ناحية ، ومن ناحية أخرى تخلق أجيالا من الببغاوات التي لا تفهم ما تقرأ وتكرر ما تسمع دون وعي أو فهم أو تدبر ، وهذا يدخلنا على الجزء الأخير وهو استغلال القرآن الكريم.

ثالثا ـــ الاستغلال ، الاستغلال معناه من وجهة نظري استغلال القرآن الكريم في أمور دنيوية للحصول على المال ، وهذه الجريمة لها صورا شتى نذكر بعضها:

1 ــ من يسمون أنفسهم قراء القرآن الكريم أو ــ (خدام القرآن الكريم) ــ الذين يقرأون القرآن بأجر في المآتم وحفلات العزاء( هم فعلا يسمون المآتم الكبرى بحفلات العزاء أو الحفلات الدينية) ، وكل قارئ من هؤلاء يطلق على نفسه (خادم القرآن الكريم) على الرغم انهم يستخدمون القرآن ويستغلونه من أجل المال.

وفي هذا المجال يقع القراء في سوء التعامل مع القرآن واستغلاله ، لأنه ينتقي من القرآن أجزاء معينة تظهر إمكاناته الصوتية ، وهذا مشهور جدا بين قراء الحفلات الدينية ، لدرجة أن بعض المسلمين يطلبون من القراء في هذه الحفلات قراءة آيات أو أجزاء معينة من القرآن ، وهذا يجعل القرآن أشبه بكتاب في الغناء والشعر (هذا بالطبع حسب سوء تعامل معظم المسلمين معه ) ، ومن جهة أخرى يقع القراء في استغلال القرآن ماديا بحيث يأخذون أجرا قد يصل لخمسة أو عشرة آلاف لبعض القراء الكبار مقابل أن يقرأ ساعتين أو ثلاث ساعات في ليلة واحدة.

2 ــ ولكن المصيبة الكبرى أن يتم تقـنـيـن هذا الاستغلال داخل مؤسسات ومعاهد الأزهر ، وعن طريق قنوات فضائية ، حيث تقوم إدارة الأزهر بتوزيع منشور سنوي على جميع المعاهد الأزهرية (وتشترك إدارة الأزهر بالتعاون مع كل من قناة الحافظ الفضائية ووزارة الأوقاف والجمعيات الشرعية وتحت رعاية المحافظين).

وفحوى هذا المشروع هو البحث عن حفظة القرآن الكريم الذين يتمتعون بموهبة حلاوة الصوت وقدرتهم على حفظ و(تجويد القرآن) رغم تحفظي على مسألة تجويد القرآن ولكن هذا حسب وصفهم ، لأن القرآن لا يحتاج لمن يجوده ، المهم المنشور أو النشرة التي توزع على المعاهد فيها إقرار يوقع عليه ولي أمر كل تلميذ لديه هذه الموهبة بأنه مسئول عن توصيل ابنه لجميع مراحل المسابقة مهما كان مكانها ، وكذلك شرط واضح جدا يقولون فيه صراحة (أن الطرف الأول وهو قناة الحافظ يحق له استغلال موهبة المذكور على أن يحصل الطرف الثاني ــ وهو التلميذ الموهوب ــ على نسبة 20% من صافي ما يقدمه في انتاج مصحف مرئي أو مسموع وفي مجالات الكاسيت والسي دي والدي في دي وشرائط الفيديو) ، وهذا معناه أن القناة سيكون لها 80% من صافي الدخل ، وللتلميذ 20% فقط ، وكل هذا يحدث تحت قبة الأزهر وبموافقة السيد صاحب الفضيلة شيخ الأزهر ، يتم استغلال القرآن الكريم من جهة في الحصول على مكاسب مالية لا علاقة لها بأوامر الله جل وعلا لنا كمسلمين ، وكذلك استغلال تلاميذ الأزهر وأبناء مصر استغلالا ماديا واضحا وصريحا ، ووضعهم لقمة سائغة لرجال الأعمال والمتمسحين بالدين الإسلامي ، الذين لا تأخذهم رحمة مع هؤلاء الفقراء ، فيبدأ الأمر بتوقيع ولي الأمر على إقرار بالموافقة منذ اللحظة الأولى ، ولكن العيب ليس في القناة وكان يجب على إدارة الأزهر أن توقف هذه المهزلة وهذا التهريج الذي يتم على حساب كتاب الله ، ولا أعتقد أن شيخا أزهريا مهما كان يتمتع بالجهل يوافق أو يسمح لأحد أن يقوم باستغلال أحد مؤلفاته بهذه الطريقة السخيفة دون موافقته والاتفاق معه على نسبة من الأرباح ، أو يوافق على استغلال كتابه لحصد مثل هذه المكاسب المالية بهذه الصورة القبيحة ، وإليكم مثالا توضيحيا واقعيا حدث معي شخصيا في جامعة الأزهر:

في العام الجامعي 2000/2001م كنت في السنة النهائية البكالوريوس ، وبفضل الله جل وعلا كنت ملتزما في الدراسة بطبيعتي ، كنت أحضر جميع المحاضرات وأكتب وأسجل كل ما يقوله الأساتذة في المحاضرات ، وبعد العودة للسكن في المدينة الجامعية أقوم بإعادة نسخ (تبييض) هذه المحاضرات في ورق جديد وإضافة بعض التعريفات والتوضيحات من الكتاب الخاص بكل مادة ، زملائي شاهدوا ما أقوم به من عمل ، فطلبوا مني تصوير هذا الورق وهذا التلخيص ، وحرصا على وقتي ووقت زملائي في السكن وضعت نسخة من هذه المحاضرات ــ في جميع المواد ــ في مكتبة أمام المدينة الجامعية بالحي السادس في مدينة نصر ، ومن يرغب في تصوير المحاضرات يذهب للمكتبة ، وبطريقة ما علم بعض الأساتذة بهذه المسألة ، فماذا فعلوا اتفقوا وقدموا بلاغ ضدي لأمن الكلية ، وفي آخر أيام امتحانات البكالوريوس وقبيل بدء وقت امتحان المادة الأخيرة بدقائق قليلة جاءني ضابط الأمن بالكلية إلى لجنة الامتحانات وقال لي بعد الانتهاء من الامتحان أنا في انتظارك في مكتب الأمن ، انهيت الامتحان في المادة الأخيرة وذهبت على الفور لمكتب الضابط فوجدت أربعة من أساتذتي يجلسون معه ، وقد قدموا ضدي بلاغا بأنني أبيع مذكرات للطلاب تؤثر على مبيعات الكتاب الجامعي ، قلت لهم بكل صدق ما فعلته ، ولكنهم لم يصدقوا ، وأصروا على موقفهم في أنني كنت أبيع هذه المذكرات قلت لهم اسألوا الطلاب رفضوا ، والمضحك حين طلب مني أحدهم وكان أصغرهم سنا أن يحدثني على انفراد ، وطلب مني ألفي جنيه لكي يخلصني من هذه المشكلة ، ظنا منه أنني ربحت خمسة آلاف جنيه في هذا الموضوع ، وبفضل الله جل وعلا جاءني أحد زملائي الذين استفادوا من هذه المذكرات ، وقال لي لا تشغل بالك ، وأخبرني أن أخوه يعمل في رئاسة الجمهورية واتصل به على الفور وجاء إلى مبني الجامعة فورا ، وانتهى الموضوع.

هذا نموذج بسيط جدا لموقف أساتذة في الأزهر حين يقترب أي إنسان من كتاب لهم نقلوا معظم ما فيه من مراجع وكتب أخرى ، أما كتاب الله جل وعلا فلا بأس أن يهمل ويساء استعماله ويتم علنا استغلاله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق