الثلاثاء، 28 يونيو 2011

في الدولة المدنية ... من بـدّل دينه فلا تقتلوه..!!

في الدولة المدنية ... من بـدّل دينه فلا تقتلوه..!!

منذ بداية عام 2006م كنت أشارك في إعادة نسخ الأبحاث والكتب والمقالات وجميع الكتابات التي خطها قلم الدكتور ـ أحمد صبحي منصور ـ ،و سبق نشرها في الصحف والمجلات أو تمت طباعتها في كتب ، وذلك ليعيد نشرها على صفحات الإنترنت ، وفي عهد مبارك البائد كان هذا العمل يعتبر جريمة نكراء يستحق فاعلها الاعتقال على يد زبانية أمن الدولة ، إضافة لترويع الأطفال والعجائز من النساء ، ويتم ذلك بعدة خطوات: تبدأ بحصارنا إعلاميا وتشويه صورتنا ووصفنا واتهامنا بالكفر والردة عن طريق مشايخ الأزهر ودعاة الوهابية في جميع القنوات المحلية و الفضائية ، وهي جريمة يقوم فاعلوها بوضع قلة من الأبرياء تحت الطلب من أباطرة أمن الدولة بالإضافة لوضعهم أمام مدافع القتل من الشباب المتطرف ، وهذا ما حدث معي تحديدا ، عن طريق شيخ الأزهر السابق حين أمر بالتحقيق معي ثم الخصم من راتبي لأنني ارتكبت جريمة الكتابة على صفحات الإنترنت ، وأكمل جهاز أمن الدولة المجرم حلقات هذا المسلسل الكئيب بمعاقبتي بالاعتقال لأنني ارتكبت جريمة الكتابة بواسطة لوحة المفاتيح على جهاز الحاسوب الخاص بي ، وكنت أشارك في إعادة نسخ رحيق العمر الذي ضحى من أجله الدكتور أحمد صبحي منصور بالكثير والكثير ، من أجل كلمة حق قالها ويقولها مهما كانت العواقب ، وعلى الرغم أن أعداءه وكل من يكفروه من أتباع الوهابية يؤمنون بأن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.

وبينما كنت أقوم بهذه الجريمة (جريمة النسخ أو الكتابة)على حد وصف الأزهر وأمن الدولة ، كان جهاز أمن الدولة يشرف على عمليات سرقة مليارات المصريين ويشرف أيضا على تأمين نهب موارد مصر وبيعها في وضح النهار وبيع وإهداء أراضيها للفاسدين والمجرمين والخونة والعملاء ، وكذلك كان يشرف على توزيع ثروات الشعب المصري على عصابة حسنى مبارك والمقربين منه ، وكان الأزهر ملتزما بالصمت أمام كل هذا ، إضافة لخنوعه وصمته أمام تزوير الانتخابات في عام 2005 ، و2010 ، دون أن يخرج شيخ أزهري يوجه اللوم لمبارك وحزبه الوطني وما فعلوه من جرائم في حق المصريين ، وكانوا يرسلون له برقيات تهنئة سنويا في عيد النصر يوم السادس من أكتوبر وآخرها كان يوم السادس من أكتوبر عام 2010م ، كما نشر في جريدة صوت الأزهر ، وكذلك تهنئته بعيد الفطر وعيد الأضحى من كل عام ، ورغم كل هذا تفوق هؤلاء جميعا على أنفسهم في شيء واحد وهو اضطهاد القرآنيين واتهامهم بجريمة الكتابة ، التي تحولت في سرايا النيابة لتهمة إنكار السنة ، ثم تطورت إلى تهمة (ازدراء الدين الاسلامي) لأن القانون المصري ليس فيه جريمة باسم (إنكار السنة).

وأثناء مساهمتي في إعادة نسخ أعمال الدكتور أحمد صبحي منصور ، كان ضمن هذه الكتابات مقالات نشرت ومقالات لم تنشر بعد أذكر منها مقالا بعنوان (الإسلام دين الحرية في الفكر والعقيدة )وكتابا مفصلا لم ينشر بعد عن (ملامح الدولة المدنية) ، خَـطـّهُما في يناير ــ 1992م ، تفضل فيهما الرجل بتحليل رائع وسهل وبسيط جدا لملامح الدولة المدنية في عهد خاتم النبيين عليهم جميعا السلام وكيف كان يتعامل خاتم النبيين مع أعداءه وأعداء الإسلام طبقا للوحي القرآني ، ومن خلال هذا التحليل وجدت أن هناك عشرات الآيات القرآنية التي تبين لكل ذي بصيرة أنه ليس من حق أي مخلوق بشرى مهما كان اسمه و حجمه أو منصبه أن يتدخل في عقيدة أي مخلوق آخر ، بمعنى أوضح أقول أنه ليس من سُلطة الأزهر أو الكنيسة أن توافق أو تشرف أو تشهد على دخول أو خروج أحد المواطنين من وإلى أي دين ، لأن هذه المؤسسات لم ولن يفوضها الله جل وعلا كي تعمل باسمه على الأرض لتراقب عقائد الناس أو تشرف على اختيارهم الديني ، أو تعطى صكوك الغفران لـ س أو ع من خلق الله ، بالإضافة أن ما يفعله هؤلاء لم يفعله أو يفكر فيه خاتم النبيين عليهم جميعا السلام ، وهو صاحب الرسالة الخاتمة ، كان ينزل عليه الوحي من السماء يشرح له كيفية التعامل مع المنافين والكفار والمشركين ، وكل من يكذب بالقرآن ، وكيف يتعامل مع كل من يقيم جلسات يسخر فيها من القرآن ، وكيف يتصرف مع كل إنسان يسيء للنبي والمسلمين المؤمنين أو يسيء لله جل وعلا وقرآنه العظيم ، ولا توجد آية قرآنية واحدة تبيح لخاتم النبيين أن يقيم حد الردة أو يتهم أحدا بالكفر حتى لو وصل اعتداء هذا الإنسان إلى السخرية من خاتم النبيين وتكذيبه فيما يقول ، لكن كان الوحي يأمر النبي عليه السلام أن يعرض عنهم ويصفح عنهم.

وبعد هذه المقدمة أتناول في عجالة بعض حديث من أحاديث البخاري (من بدل دينه فاقتلوه)...!! ، (لا يحل دم أمرئ إلا بثلاث ....... التارك لدينه المخالف للجماعة) ، وهذه الأحاديث لا تفيد إلا معنى واحد فقط ، وهو أن أي مسلم يترك دين الإسلام أو يبدل دينه أو يفارق الجماعة أو يختلف مع الجماعة يجب قتله ، من لديه تفسير غير هذا فليتفضل.

والأخطر من هذا أن أي مفكر يملك أدوات البحث والاجتهاد يحاول نقد البخاري أو إظهار كذب بعض أو معظم أحاديثه ومخالفتها الصارخة لآيات القرآن يوجهون له تهمة إنكار السنة والردة ، ليسهل تطبيق أحد هذه الأحاديث عليه ، ويتم الخلاص منه ، دون الدخول معه في مناظرات أو حوارات لا يقدرون عليها ، فتحول البخاري لإله يعبد مع الله عند قطاع كبير من المسلمين ، وقد تربى وترعرع على أحاديثه دعاة الوهابية ومن يتبعها من جميع التيارات الدينية ، وأصبح تكذيب البخاري ردة توجب قتل صاحبها ، بينما خاتم النبيين كان مأموراً بأن يعرض ويصفح ويعفو عمن كذبوا عليه ، وكذبوا بالقرآن وسخروا منه واستهزأوا بآياته ، بل وخططوا لهزيمة المسلمين في معاركهم الدفاعية ضد المشركين والكفار.

وأخيرا بعد هذا العمر الطويل اقتنع أحد دعاة السنة أن البخاري تحول إلى إله ، وأن هناك أحاديث في صحيح البخاري وضعت خصيصا للطعن في القرآن ، وهذا ما اقتنع به مؤخرا الشيخ محمد هداية حين كذّب حديث سحر النبي ، في برنامجه طريق الهداية ، ولكن مازال المشوار طويل أمام هؤلاء ليؤمنوا أن البخاري هو أكبر عدو للإسلام والمسلمين ، وأكبر دليل على ذلك ما صرح به الشيخ الحويني مؤخرا حين قال أن احتلال بلاد المسلمين أهون ألف مرة من سقوط البخاري http://www.shorouknews.com/contentdata.aspx?id=454998

وبعد هذه الفقرة سأعرض اقتباس من مقال (الإسلام دين الحرية في الفكر والعقيدة )للدكتور أحمد صبحي منصور ، فيه تحليل قرآني رائع لملامح الدولة المدنية الحقيقية في عهد خاتم النبيين ، ويظهر الهوة السحيقة بين منهج القرآن في بناء الدولة وعلاقة السلطة الحاكمة بالمواطنين ، واحترام حرية الاختلاف وحرية الفكر والمعتقد كما جاءت في القرآن ، وبين ما يقوله البخاري ، وهو ما يريد تطبيقه أرباب التيارات الدينية على الشعوب العربية والإسلامية ، حين يقيمون دولة الخلافة ، بعد أن يعيدوا تربية الناس.

الإسلام دين الحرية في الفكر والعقيدة

اقتباس "الواقع أن الحرية المطلقة للرأى مبدأ أرساه الإسلام منذ ظهوره، وطبّقه الرسول (صلى الله عليه وسلم) وبعض الخلفاء الراشدين ثم صودرت هذه الحرية بقوة السيف فى الدولة الأموية ثم جاءت الدولة العباسية بمفهوم ثيوقراطى للحكم، وتشرع ذلك المفهوم بنصوص دينية مصنوعة تعارض القرآن، ولكن تم ربطها بالرسول من خلال الأحاديث، وتحولت الثيوقراطية العباسية إلى واقع ثابت تأكد بالفترة الطويلة التى قضتها الخلافة العباسية فى الحكم وبتدوين التراث الذى يضم أفكار المسلمين ومعتقداتهم، ذلك التراث الذى لا يزال محسوباً على الإسلام حتى الآن، والذى أصبح الإطار التشريعى لدعاة الدولة الدينية الذين يريدون نظاماً سياسياً دينياً على الطريقة العباسية، وهم يحسبون أن ذلك هو الإسلام، ولهم فى ذلك بعض العذر، لأن المؤسسات الدينية التى ينبغى أن تنهض لتجلية حقائق الإسلام قد عجز المسئولون فيها عن تأدية هذا الدور وداروا عجزها باستخدام نفس التراث العباسى فى اتهام المجتهدين بالردة والكفر، وأولئك المسئولون يجدون كل التعضيد من جماعات التطرف إذ يجمعهم إطار تشريعى واحد هو التراث العباسى وهدف واحد هو الدعوة لقيام الدولة الدينية، ثم يجد أولئك المسئولون فى نصوص القانون الحالى ما يحقق هدفهم من السيطرة على أجهزة الإعلام والنشر والحياة الفكرية بحيث يصادرون من خلالها أى فكر بحجة أنه يهاجم الإسلام.
هذا مع أنهم يمثلون بذلك أكبر خطر على مستقبل الوطن حيث يمهدون لقيام دولة دينية لا تعترف باختلاف الرأى وتعتبره خروجاً على الدين يستحق القتل وتفتى بأن للحاكم الدينى أن يقتل ثلث الأمة لإصلاح حال الثلثين.. أى قتل عشرات الملايين ليصفو لهم الجو..!!
إن النضال ضد هذه الأفكار ينبغى أن يبدأ بالمطالبة بالتخلص من تلك القوانين التى تجعل من أولئك المسئولين متحكمين فى الفكر الدينى، وبالعودة إلى حقائق الاسلام التى تؤكد على حرية العقيدة والتعبير عنها بكل الصور.. هذا إذا كنا نهتم بمستقبل بلدنا وأولادنا.. والله المستعان.

القسم الأول
حرية الرأى فى نصوص القرآن
جذور حرية الرأى فى عقيدة الإسلام:
حرية الرأى للإنسان هى الأساس فى وجوده فى هذه الدنيا، بل هى الأساس فى خلق الله تعالى للكون وهى الأساس فى فكرة اليوم الآخر. إلى هذا الحد تمتد جذور حرية الرأى فى عقيدة الإسلام، وذلك بالقطع ينهى كل الحجج التى يخترعها أنصار مصادرة الرأى باسم الدين.
ونأتى إلى آيات القرآن الخاصة بذلك الموضوع وبالترتيب.
1-
فالله تعالى أبدع هذا الكون بما فيه من كواكب ونجوم ومجرات، وتلك النجوم والمجرات مجرد مصابيح كما وصفها القرآن للسماء الدنيا، فالسماوات السبع تقع فيما وراء الكون الذى نعجز عن مجرد تخليه، والله تعالى يقول ﴿لَخَلْقُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ وَلَـَكِنّ أَكْـثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (غافر 57).
2-
ولكن هذا الكون وتلك السماوات مع عظمتها الهائلة فقد خلقها الله تعالى لهدف واحد هو اختبار ذلك المخلوق المسمى بالإنسان، يقول تعالى ﴿وَهُوَ الّذِي خَلَق السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ (هود 7) أذن فخلق السماوات والأرض ليخبرنا الله أينا أحسن عملا.
3-
ونتيجة هذا الاختيار وموعده يكون يوم القيامة، حيث يدمر الله تعالى ذلك الكون وتلك السماوات ويأتى بأرض جديدة وسماوات جديدة ويحاسب الناس على أعمالهم فى الدنيا ﴿يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ﴾ (إبراهيم 48).
4-
لذا فالإنسان مأمور أن يتفكر فى الحكمة من خلق السماوات والأرض ﴿وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّارِ﴾ (آل عمران 191). فالله تعالى لم يخلق السماوات والأرض عبثا ﴿وَمَا خَلَقْنَا السّمَآءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ﴾ (الأنبياء 16) بل خلقهما لهدف حق، وجعل لهما أجلاً معيناً يلحقهما التدمير بعده ﴿مَا خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ وَأَجَلٍ مّسَمًى وَالّذِينَ كَفَرُواْ عَمّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ﴾ (الأحقاف 3). وكل إنسان له اختباره حين يوجد على هذه الأرض ويعيش فيها فترة عمره المقدرة له سلفاً، وبعد هذه الحياة يموت ويعود إلى البرزخ الذى منه جاء، ومطلوب من الإنسان فى تلك الحياة أن يعرف أن الله أوجده فى هذه الدنيا لاختبار موعده فى الحياة الأخرى ﴿الّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ (الملك 2). وحين يقضى الإنسان حياته غافلاً عن ذلك الهدف من وجوده يفشل فى الاختبار ويكون مصيره إلى النار، ويقول له الله تعالى يذكره بالهدف من وجوده ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ﴾ (المؤمنون 115).
يقول له هذا فى اليوم الآخر بعد أن ينتهى كل شىء!!
5-
ويلاحظ أن الله تعالى قد جعل عناصر الاختيار متوازنة وعادلة، فقد خلق الإنسان على الفطرة النقية أى الميزان الحساس الداخلى الذى يميز بين الخير والشر والذى يؤمن بالله وحده، وفى مقابل هذه الفطرة سلط عليه الشيطان للغواية، وأرسل له الرسل وأنزل معهم الكتب السماوية وفى مقابل ذلك زين له الدنيا وغرورها، وفوق ذلك كله خلقه حراً فى أن يطيع وأن يعصى وفى أن يؤمن وأن يكفر وجعل له سريرة يحتفظ فيها بكل أسراره ونوازعه ومشاعره وهواجسه وأفكاره بعيدة عن متناول كل مخلوق سواه لتكون له ذاتيته المستقلة، فإذا أراد أن يكون حراً كان حراً وإذا أراد بمحض اختياره أن يكون عبداً لغيره من البشر ومن الأفكار كان كذلك، المهم أن الاختيار فى يده هو، وعن طريق هذا الاختيار يستعمل الإنسان حريته كما شاء، فإذا تسلط الآخرون عليه بقوانين غير إلهية وصادروا حقه فى الكفر اختار هو فى سريرته أن يكفر بل أن ينكر الفطرة فى داخله، وينكر وجود الله الذى خلقه... إلى هذا الحد خلق الله تعالى الإنسان حر الإرادة إلى درجة أنه تعالى سمح له بأن يصل تفكيره الحر إلى إنكار وجود الخالق تعالى ذاته.
6-
وفى مقابل هذه الحرية التى خلق الله الإنسان عليها فى الدنيا فإن يوم الاختبار أو يوم القيامة لا مجال فيه للحرية أو الاختبار، فتلك الحرية الفردية الإنسانية فى التفكير وفى العمل والتصرف تنتهى عند لحظة الاحتضار والموت، وبعدها يتعين على الإنسان أن يواجه مسئوليته عن عمله الدنيوى، ولذلك فإن حديث القرآن عن يوم القيامة يأتى دائماً بصيغة المبنى للمجهول، يقول تعالى مثلاً ﴿وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِـيءَ بِالنّبِيّيْنَ وَالشّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ. وَوُفّيَتْ كُلّ نَفْسٍ مّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ. وَسِيقَ الّذِينَ كَـفَرُوَاْ إِلَىَ جَهَنّمَ زُمَراً.... وَسِيقَ الّذِينَ اتّقَوْاْ رَبّهُمْ إِلَى الّجَنّةِ زُمَراً..﴾ (الزمر 69: 71، 73) فلم يقل جاء النبيون والشهداء، إنما قال ﴿وَجِـيءَ بِالنّبِيّيْنَ وَالشّهَدَآءِ﴾ ولم يقل وذهب الذين كفروا إلى جهنم وإنما قال ﴿وَسِيقَ الّذِينَ كَـفَرُوَاْ إِلَىَ جَهَنّمَ زُمَراً﴾ وهكذا قال ﴿وَسِيقَ الّذِينَ اتّقَوْاْ رَبّهُمْ إِلَى الّجَنّةِ زُمَراً﴾.
إذن كل منا يؤتى به يوم القيامة مقبوضاً عليه ﴿وَجَآءَتْ كُلّ نَفْسٍ مّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ (ق 21) أو بالتعبير القرآنى ﴿وَإِن كُلّ لّمّا جَمِيعٌ لّدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾، ﴿إِن كَانَتْ إِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لّدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ (يس 36،53). وكلمة "محضرون" بضم الميم وسكون الحاء وفتح الضاد، أى يتم إحضارهم حيث تنعدم لديهم حرية الإرادة وإمكانية الهرب.
فالله تعالى أعطانا حرية الإرادة فى الدنيا ليختبرنا، وأنزل الدين الذى أمرنا باتباعه، وأنزل بذلك الدين كتباً سماوية، ولم ينزل معها سيفاً وملائكة تأمر الناس باتباع ذلك الدين، ولم يجعل الجحيم فى الدنيا، بحيث أن من يكفر ويعصى يؤتى به ليلقى فى الجحيم أمام أعين البقية من البشر، ولو فعل ذلك ما كان هناك اختبار أو امتحان، وإنما أنزل الدين مجرداً عن ذلك وترك الحرية لمن يؤمن ولمن يكفر وجعل الامتحان مؤجلاً ليوم سماه "يوم الدين" أو "يوم الحساب" وقال أنه سيأتى فى ذلك اليوم وسيحكم فيه بين الناس بذاته، وحين يأتى الله تعالى يوم الدين وحين تشرق الأرض بنور ربها فقد اتنتهت إلى الأبد حرية البشر فى الإرادة وتعين عليهم أن يواجهوا نتيجة عملهم الذى كان.
7-
والله تعالى لم يعط سلطته فى الدنيا لبعض الناس ليعاقبوا باسمه من اختلف معهم فى الرأى، أو من كفر بالله، والذين يدعون لنفسهم هذا الحق المزعوم إنما يفسدون القضية من جذورها ويتقمصون دور الإله حيث لا إله إلا الله، ويتحكمون فيما رغب عن التحكم فيه رب العزة حين ترك العقل الإنسانى حراً بلا قيد، يفكر بلا حدود ويؤمن إذا شاء، ويكفر إذا أراد، ويعلن ذلك بجوارحه كيف أراد. هذه الفئة من البشر علاوة على أنها تزيف دين الله وتغتصب سلطاته التى ادخرها لذاته يوم الدين فإنها أيضاً تعطى الحجة لمن ينكر حساب الآخرة وعذاب النار، وحجتهم أنه إذا كان هناك إرغام على الإيمان، وإذا كان هناك إكراه فى الدين فلا مجال حينئذ لأن يكون هناك حساب وعقاب يوم الدين. بل إنهم يعطون دين الله تعالى وجهاً قبيحاً متشدداً دموياً متحجراً متخلفاً، ويسهمون فى إبعاد أغلبية الناس عنه، وهذا الوجه القبيح لا علاقة له بدين الله تعالى، بل هو وجههم هم، وهو دينهم هم، الذى يناقض دين الله تعالى جملة وتفصيلا.
ولأنهم الأعداء الحقيقيون لدين الله فإن الله تعالى شرع القتال والجهاد ضدهم، وشرع القتال والجهاد لا لإرغام الناس على دخول الإسلام وإنما لتقرير حق الناس فى الإيمان أو فى الكفر وفى رفع وصاية الكهنوت عليهم، والكهنوت هم أولئك الذين يدعون التكلم باسم الله ويتحكمون باسمه فى عقول الناس وأفكارهم. حاربهم الإسلام بالجهاد وتشريع القتال، ولكن أفلح الكهنوت العباسى والشيعى فى قلب المفاهيم وتحريف الإسلام عن مواضعه.
8-
والله تعالى أوضح فى أكثر من موضع فى القرآن الكريم بأنه سيحكم بين الناس فى اختلافاتهم الدينية يوم القيامة، ولذا سماه يوم الدين، وكان المشركون يأتون للنبى ليجادلوه عناداً، فأمره ربه بأن يعرض عنهم وأن يعلن لهم تأجيل الحكم إلى يوم الدين، حيث يحكم الله تعالى بينه وبينهم ﴿وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ. اللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (الحج 68: 69) ويقول تعالى عن حال الكافرين فى عدم الإيمان بالقرآن ﴿وَلاَ يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مّنْهُ حَتّىَ تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ. الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ (الحج 55: 56).
وحين انتقل النبى للمدينة وأصبح حاكماً لدولة وقائداً لأمة لم تسمح له نصوص القرآن بإكراه المنافقين على الإيمان والطاعة، بل كانت لهم حرية الرأى مطلقة، وكانوا يتربصون بالمؤمنين فى أوقات الحرب، وتلك خيانة عظمى فى القوانين الوضعية، ولكن الله تعالى جعل العقوبة عليها مؤجلة إلى يوم الدين، حيث سيحكم فيها بين المؤمنين والمنافقين، يقول تعالى ﴿الّذِينَ يَتَرَبّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مّنَ اللّهِ قَالُوَاْ أَلَمْ نَكُنْ مّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوَاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ (النساء 141).
إن الدين لله وحده، وقد شاء أن يختبرنا فخلق السماوات والأرض، ثم خلقنا أحراراً نؤمن إذا شئنا ونكفر إذا أردنا، ولم يجعل سلطة للأنبياء وهم صفوة البشر على إكراه أحد على الإيمان، وكل منها ينتهى اختباره بلحظة وفاته، وبعد قيام الساعة سيواجه كل منا مصيره فى يوم اسمه يوم الحساب أو يوم الدين." انتهى الاقتباس

ولمتابعة المقال كاملا على هذا الرابط

http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=26


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق