السبت، 2 يونيو 2012

تـدبـر بـعــض مـعــانـي الـظــلـم في الـقـرآن الكـريـم



تـدبـر بـعــض مـعــانـي الـظــلـم في الـقـرآن الكـريـم

عصيان أمر الله جل وعلا ظلم يستحق فاعله العقاب لو لم يسارع بالتوبة بعد الاعتراف بالذنب ، وضرب الله جل وعلا مثلا منذ بدأ خلق آدم عليه السلام لكي يُعلمنا ويحذرنا خطورة عصيان أوامره جل وعلا ويحذرنا من عواقب اتباع الشيطان ، ولأن الأمر ليس هينا فقد جاء التحذير من الوقوع في الظلم في أول اختبار لآدم وزوجه عليهما السلام قبيل هبوطهما إلى الأرض حيث كانا يعيشان في (جنة المأوى) حسب أحمد صبحي منصور  اقتباس "فى أحد الأرضين الست البرزخية كانت الجنة التى عاش فيها آدم وحواء . كانا فى ( جنة أرضية ) ربما هى ( جنة المأوى ) أو الجنة التى تعيش أنفس المقتولين فى سبيل الله جلّ وعلا .  فى الجنة أو هذه الأرض البرزخية فى مستواها البرزخى الأعلى من عالمنا المادي كان بإمكان آدم وحواء  رؤية سكانها من العالم البرزخى ، ومنه ابليس ( الشيطان  ." انتهى الاقتباس   (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ)البقرة:35 ،  (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ)الأعراف:19، وكان هذا هو أول اختبار لآدم وزوجه عليهما السلام وكان سببا في خروجهما من الجنة وهبوطهما
عصيان أوامر الله في التشريع وعدم الالتزام بحدود الله
بعد هبوط بني آدم إلى الأرض دخلوا في مرحلة اختبار واختيار دنيوي يتطلب على كل إنسان أن يختار ما يشاء لنفسه في هذه الدنيا ، وبناء على هذا الاختيار سيتحمل كل مخلوق مسئولية اختياره الحر يوم القيامة ، ولذلك فربنا جل وعلا بعد أن هبط آدم وزوجه إلى الأرض قال جل شأنه يبين طبيعة الحياة والاختبار وإرسال الرسل في الدنيا (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)البقرة:38 ، فمن يتبع هدى الله ولا يعصى أوامره ورسله فمصيره الجنة ، ومن يكفر ويكذب بآيات الله فمصيره إلى النار (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)البقرة:39 ، وهؤلاء هم الذين ظلموا انفسهم.
ونضرب أمثلة قرآنية نبين فيها بعض ملامح العصيان لأوامر الله ورسله وتشريعاته أو الوقوع في ظلم النفس في قصة موسى عليه السلام(وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ)البقرة:51 ،(وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ)البقرة:92
في تشريعات الطلاق بعد سردها وتوضيحها يؤكد ربنا جل وعلا أن من يخالف هذه التشريعات فهو من الظالمين(الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)البقرة:229
وضمن طاعة الله الحكم بما أنزل الله في القصاص ومن يفعل غير ذلك فهو من الظالمين إلا أن يعفو أو يتصدق أهل الحق(أصحابه)(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)المائدة:45 ، وهنا لابد أن نسأل عن محاكمات مبارك وعصابته والقضاة الذين يحكمون والنيابة التي باشرت التحقيقات هل هم فعلا يحكمون بما أنزل الله.؟ ، وأين اخواننا الوهابيون الذين يريدون تطبيق الشرعة من كل هذا ، ولماذا لم يتقدم مرسي بأي طعن في العلمية الانتخابية.؟ هل لأنه فائز.؟.
ــ ولابد أن نشير إلى الحكم التاريخي الذي نطقت به المحكمة اليوم السبت الموافق 2/6/2012م ببراءة مبارك ونجليه ورجاله من الفساد المالي وبراءة الجميع من قتل المتظاهرين على أساس أن حيثيات الحكم تُمكن أي محامي مبتدئ أن يحصل لهما على البراءة ، وحسب ما جاء في القرآن الكريم إن هذا الحكم يضيع حقوق الشعب المصري كله وعلى رأسهم الشهداء ويجعل الثورة المصرية ظالمة لهؤلاء المتهمين الأبرياء ، حفظ الله قضاء مصر النزيه.
 ــ مخالفة أوامر الله يستوى فيها جميع البشر حتى لوكان نبيا وخالف أمر من أوامر الله فهو من الظالمين(وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ)الأنعام:52
 رغم أن المولى جل وعلا خلق السموات والأرض وبين للناس الظلمات والنور إلا أن الذين كفروا يصرون ويتركون طريق الهدى ويسيرون في طريق الضلال(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) الأنعام:1
إن الإيمان الحقيقي مرتبط بعدم الظلم لكي يأمن الإنسان على نفسه في الآخرة (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )الأنعام:82
تشبيه رائع بين من أنعم الله عليه بالهداية بمن يخرج من الظلمات إلى النور وبمن كان ميتا فأحياه الله وهو تشبيه رائع لأن الميت يدفن في الظلمات وتحت التراب ، والهدى ينير القلب والعقل وينير طريق الإنسان (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)الأنعام:122، وكما بين القرآن التشابه بين الهدى والنور والحياة ، وبين الضلال والظلام  والموت ، فهناك تشبيه آخر يربط بين الضلال والعمى ، والهدى والإبصار (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)الرعد:16، (الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)إبراهيم:1،(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)إبراهيم:5
الخسران في الآخرة سيكون من نصيب كل من استغل آيات الله في الظلم أي استغل آيات القرآن الكريم في غير موضعها ليفوز ببعض المكاسب الدنيوية حيث يقتطع الآيات من سياقها العام ليثبت ويؤيد ما يريده هو افتراء على الله (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ)الأعراف:9
إذا ظلم الإنسان نفسه أو غيره بأن فعل ذنبا أو عصى أمرا من أوامر الله جل وعلا فلا نجاة له ولا منقذ إلا بمغفرة ورحمة من الله (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ)الأعراف:23، (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ)الرعد:6 ، وفي آية عظيمة تخلى مسئولية خاتم النبيين وعدم معرفته أو علمه بأحوال الظالمين وأن المولى جل وعلا هو أعلم بهم(قُلْ لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ)الأنعام:58 ، والأكثر من هذا ليس من حق أي نبي أن يطلب الإمامة أو الخلافة لغيره أقاربه أو أهله أو أصحابه أو من يولد بعده يقول تعالى (وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)البقرة:124 ، وهذه الآية تبين كذب وادعاء الحديث القائل أن خاتم النبيين قال: (أن خير القرون قرني ثم الذي يليه).

الأنبياء أنفسهم لو ظلموا ينتظرهم عذابا كبيرا هذا ما أكده القرآن الكريم ، ولذلك ينطبق عليهم ما ينطبق على جميع البشر في مسألة التوبة فلو ظلم أحدهم ثم بدّل حُسنا أي تاب بعد الوقوع في السيئات فإن الله جل وعلا سيغفر له (إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)النمل:11، وخير مثال هنا ما حدث من موسى عليه السلام حين دخل المدينة وهو خائف على حين غفلة من أهلها فوجد رجلين يقتتلان فوكز أحدهم فقتله وبعدها اعترف بأنه ظلم نفسه وطلب الغفران من الله جلا وعلا (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)القصص:16، ولذلك فإن الذين ظلموا من البشر ولم يتوبوا في الدنيا وهم أحياء لن تقبل منهم الشفاعات ، حين يرون العذاب في الآخرة يطلبون فرصة لتصحيح أوضاعهم (وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ)إبراهيم:44
ــ من صفات الظالم الكافر
السخرية من آيات الله وقرآنه وعدم الاهتمام عند سماع آياته تتلى وسب الرسل والأنبياء واتهامهم بالكذب والسحر(نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً)الإسراء:47 ، عدم الاكتفاء بالقرآن ويطالبون بمواصفات محددة للرسول ويُصِـرّون على اتهامه بالسحر(أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً)الفرقان:8
 الظالم يجادل بغير علم ولا هدى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)البقرة:258 ، يكذبون آيات الله في حالة من الجحود (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ)العنكبوت:49 ، النبي عليه السلام كان يحزن من موقف الكفار من القرآن فنزلت هذه الآية العظيمة تبين إحدى صفات الظالم وإظهار (موقفه من النبي) و (موقفه من القرآن ) ــ (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)الأنعام:33 ، إن الظالمين في كل عصر وعهد موقفهم واحد هو التكذيب بما لم يحيطوا به علما ، ولذلك ينتظرهم  جميعا سوء العاقبة (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)يونس:39
ويبالغ الظالمون في الجدال حين يدخلون في تحـدٍ واضح مع رب العالمين في مسألة الخلق ، ويدعي كل ظالم أن الآلهة التي يعبدها شركا مع الله قادرة على الخلق مثل الله (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)لقمان: 11 ، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً)فاطر:40 ، ولذلك (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)الحج:73 ،
الكافر الظالم يعلن صراحة أنه لن يؤمن بالقرآن ، ولكنهم يوم القيامة وقت الحساب أمام الله جل وعلا يتناقشون ويرمون التهم على بعضهم بعضا(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)سبأ:31

الإنسان الظالم يكره الموت وتجده أحرص الناس على الحياة ويتمنى أن يعيش ألف عام(وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)البقرة:95
الظالمون يعلمون ويؤمنون أن الله جل وعلا خلق السموات والأرض (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)لقمان:25 ، ولكنهم يصرون على الكفر(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً)الإسراء:99
ـــ يبين ربنا جل وعلا أن أشد أنواع الظلم هو الافتراء على الله ، أو التقول على الله ، وهو أن يفتري الإنسان أكاذيب وينسبها للمولى جل وعلا ويقنع نفسه والناس بأن ما يقوله وحي من عند الله ، وهذا النوع من البشر حين تأت لحظة الاحتضار ويسأله ملك الموت يعترف ويشهد على نفسه أنه كان من الكافرين (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنْ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ)الأعراف:37 ، وتكرر هذا في القرآن الكريم كثيرا في (النمل: 14 ، 85 ـ الكهف: 15، 57 ــ هود :18 ـ الفرقان:4 ـ العنكبوت:68 ، السجدة:22 ، الزمر:30) ، ولذلك يأمرنا ربنا جل وعلا أن نُعـْرِض عن الظالمين ولا نقعد معهم حتى يخوضوا في حديث آخر (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)الأنعام:68 ، ويرتبط الأمر هنا بتوضيح كيفية التعامل مع أي بشر يسيء التعامل مع القرآن أو يخوض في آيات الله يسخر منها ويستهزئ ويكذب بها التصرف المثالي هو عدم الجلوس معه والإعراض عنه دون الصدام معه أو محاولة تغيير المنكر كما يدعي الوهابيون ، وأعتقد لا يوجد ظلم أكبر من الاستهزاء والتكذيب بآيات الله ، ربنا جل وعلا يعلم ما نخفي وما نعلن ويعلم كل ما يفعله الإنسان ولكن يؤخره ليوم الحساب(وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ)إبراهيم:42 ، وهذه الآية أكثر ووضوحا وأكبر  دليلا على أن الحساب يوم الحساب وليس من حق أي مخلوق حتى لو كان نبيا مرسلا أن يعاقب الناس على أعمالهم وأفعالهم وعصيانهم في الدنيا.
 الفتوى بغير علم ولا هدى (وَمِنْ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمْ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)الأنعام:144.
النهي عن الظلم في الأشهر الحُـرم (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِين)التوبة:36
إن المولى جل وعلا لا يظلم أحدا من البشر ولكن البشر دائما ما يظلمون أنفسهم ويظلمون غيرهم (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)يونس:44 ، (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)التوبة:70، وقد يطغى بعض البشر في ظلمهم وتكون نهايتهم بالإهلاك بسبب هذا الظلم (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)يونس:13، وعندما يطغى الإنسان ويبالغ في الظلم والفساد والإفساد في الأرض يكون عقابه الإهلاك كما حدث مع فرعون وقارون وغيرهم (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)العنكبوت:40 ، وما حدث من إهلاك لفرعون وقارون تكرر لكل قوم ظلموا وكذبوا وآذوا نبيا أو رسول (وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ)هود: 37 ، (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ)هود:67 ، (وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ)هود:94 ، ورغم هذا الجزاء والعقاب الشديد إلا أن الله جل وعلا  لم يظلمهم مثقال ذرة (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمْ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ  وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)هود:101 ، 102
هناك ملامح لأهل النار تبين سواد الوجوه (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)يونس:27
إن المولى جل وعلا يعطي الإنسان فرصا كثيرة ويمهله لكي يصحح أوضاعه ويتوب وينـيـب إلى الله ، لأن الله جل وعلا لو يؤاخذ الناس ويحاسبهم بمجرد أن يخطئ الواحد منهم فلن يترك على هذه الأرض مخلوق واحد ، وإنما جعل يوما للحساب ، وهنا تنبيه هام جدا لكل من يدعي أنه مسئول عن هداية الآخرين بالقوة أو يدعى حقه في محاسبتهم وعقابهم في الدنيا (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)النحل:61، (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً)الكهف:58 ، وهذا هو التجسيد الحقيقي لحرية العقيدة وحرية كل إنسان في هذه الدنيا ، ومدى الخصوصية بين كل إنسان وربه جل وعلا إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه وغفر له بعد إعطاء كل إنسان فرصة للتوبة والرجوع ، ولا يظلم ربك أحدا.
وهنا تتجلى حقيقة قرآنية أخرى عن المسئولية الشخصية يوم الحساب حين تأت كل نفس تجادل عن نفسها وتدافع عن نفسها في حالة انشغال وانهماك شخصي لا مثيل له ، ومن أهم الحقائق  القرآنية التي تتحقق في هذا اليوم (العدل المطلق) وعدم الظلم (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)النحل:111 ، (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)الكهف:49، مريم:60) ، ومن أبرز ملامح هذا العدل الإلهي في يوم الحساب وضع موازين دقيقة عادلة تقيس وتحسب أصغر الأعمال التي قام بها الإنسان ولا تظلم أحدا بل تحسب أعمالنا مهما كانت صغيرة (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)الأنبياء:47

الأنفس التي تَظـْلِمُ وتموت دون توبة حقيقية مصيرها إلى النار ويوم القيامة لا ينفعها الفداء بأي شيء مهما كان ، حتى لو كان لكل نفس ظلمت ما في الأرض جميعا ورغم ذلك سيقضي بينهم ربهم بالعدل دون ظلم (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ  وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)يونس:52 : 54.
ــ السخرية من الآخرين والتنابز بالألقاب فسوق وظلم يحتاج إلى التوبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)الحجرات:11
ربنا جل وعلا أباح لكل مظلوم ومقهور ومضطهد في بلده أن يهاجر بعيدا عن الظلم الواقع عليه ، ومقابل تحمله وصبره وهجرته في سبيل الله له في الدنيا حسنة وينتظره في الآخرة الأجر الأكبر (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)النحل:41.
ربنا جل وعلا يبيح للمظلوم وحده أن يجهر بالسوء (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً )النساء:148 ، وكذلك يبيح له ربنا جل وعلا أن يدفع الظلم عن نفسه ويدافع عن نفسه إذا تم الاعتداء عليه ، وإجباره على ترك داره وبلده ، ومن حقه هنا أن يدافع عن نفسه ويقاتل من أجل بقائه ومن أجل رد الظلم أو وقف الظلم ورد الاعتداء والله تعالى قادر على أن ينصره (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)الحج:39، وهؤلاء  الذين آمنوا وعملوا الصالحات وانتصروا بعد ما ظلموا يحفظهم الله من الشياطين وهو وحده الذي يعلم مصير الذين ظـَلـَمـُوا(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)الشعراء:227، وهنا الأمر بالقتال ومواجهة كل معتد ظالم لتأكيد مبدأ حرية العقيدة ، فإن انتهوا وأوقفوا الظلم والعدوان فلا عدوان إلا على من يظلم منهم (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ)البقرة:193
تقسيم الناس يوم الحشر وقت الحساب إلى قسمين : قسم ظلم نفسه أو وقع في الظلم وهم الذين خاب سعيهم في الدنيا ، وقسم آمن وعمل الصالحات ولم يقع في الظلم وهؤلاء لا يخافون ظلما ولا هضما لأعمالهم (وَعَنَتْ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً  وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً )طــه:111، 112.
ـــ وبعد كل هذا العرض فإن المولى جل وعلا يجعل الحساب يوم الحساب على أي ظلم يقع فيه الإنسان حتى لو كان في العقيدة أو الإلحاد في البيت الحرام (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)الحج:25
ولأن الظلم ذنب خطير قد يدخل الإنسان جهنم فقد جعل الله تعالى لنا عبرة في القرى التي ظلمت بأن ترك لنا بصمات وآيات ومعجزات في الأماكن التي كانوا يعيشون ويظلمون فيها تُبين وتثبت لنا مدى قوتهم وأنهم كانوا أكثر تأثيرا وأثرا في الأرض ، لكي نعتبر ونأخذ العظة حين نـَمـُرُّ عليها وننظر إليها (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)النمل:52 ، (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)الروم:9
كل أنواع الظلم قد يقع ضررها على الإنسان (الفاعل) نفسه لكن أسوأ انواع الظلم أن يقع الضرر على الناس والمجتمع والآخرين بلا ذنب ، كما يحدث في بلاد المسلمين من ظلم سياسي وقهر ديني وسرقة حقوق الشعوب وتزوير إرادتهم واستغلالهم في العمل السياسي من أجل مصالح شخصية ، سرقة حقهم العيش بحرية وكرامة وعدالة ، تحويل حياتهم إلى جحيم نتيجة التصارع والتكالب على السلطة والحكم ، تجاهل الفقراء والمساكين والمرضى والمحتاجين وعدم تذكرهم إلا وقت الحاجة إليهم ، وهذا ما يفعله الظالمون من المستبدين العسكر وتجار الدين.
ولكي تتحقق المغفرة من الله لكل ظالم لنفسه لابد من الاستغفار ( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا )  النساء 110 ، ومهم جدا عدم الإصرار على المعصية حتى تتحول إلى إدمان وعادة طبيعية يومية ، وجود الاستغفار حتى مع عدم الاقلاع معناه اعتراف الشخص بأنه يرتكب ذنبا لا يجوز الوقوع فيه وتتحول من إدمان للمعصية إلى ضعف في الإرادة ووهن العزيمة مع وجود الرغبة في الإقلاع عن الادمان وهنا أهمية طلب العون من الرحمن والمداومة على الاستغفار ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)آل عمران: 135 ، هذا هو الطريق أمام كل إنسان يقع في الظلم بالمعصية وارتكاب الذنوب ، ولو لم يستغفر وهو حيا ويقلع عن الذنوب أو يتوب فجزاءه كما جاء في القرآن
                                      ــ جزاء الظالم في الآخرة البقاء في جهنم
(لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)الأعراف:40
تحل عليهم لعنة الله (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)الأعراف:44
(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً)مريم:72






هناك 3 تعليقات: