الخميس، 31 يوليو 2008

عندما يتحول علاج مشكلة إلى جريمة في حق القرآن الكريم




أولا: يجب توضيح شيئين أساسيين:

1ـ ما هو الخطأ الذي يراد معالجته.؟

الخطأ هو التخلص من برنامج ستار أكاديمي بالنسخة اللبنانية لما يحويه من مشاهد عري.

2ـ ما هي الجريمة.؟

الجريمة هي استغلال القرآن الكريم كتاب الله عز وجل ، ثم وضعه في هذه المنزلة التي لا تليق به ، وعمل مسابقات لاختيار أفضل المقرئين ليكون هذا البرنامج بديلا لتعويض المشاهد الجزائري عن برنامج ستار أكاديمي.

وإليكم باقي التفاصيل والرد عليها.

هذا العنوان أقل وصف يمكن أن أصف به ما قامت به كل من مؤسسة التليفزيون الجزائري ، بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية بإطلاق نسخة إسلامية من البرنامج الشهير "ستار أكاديمي" ولكن بدلا من المنافسة في الغناء ، سيتبارى المشتركون الستة عشر ، طيلة شهر رمضان ، في تلاوة القرآن ليتم في النهاية اختيار أحسن مقرئ.

أحسن مقرئ

والمنافسة هي عبارة عن مسابقة "قافلة القرآن" ، التي تهدف إلى اختيار أحسن مقرئ في الجزائر ، والتي تنتهي بتتويجه بلقب فارس القرآن عشية عيد الفطر المبارك ، في وقت لقي بث برنامج ستار أكاديمي على شاشة التليفزيون الجزائري في شهر يناير 2006 موجة استياء كبيرة من طرف المشاهدين انتهت بتوقيف بثه ، على خلفية مشاهد العري التي يظهر بها الشباب.

وبرأي منتج برنامج فرسان القرآن ، سليمان بخليلي ، متحدثا لـ "العربية نت" فإنه (البرنامج)" يطمح لتلبية مختلف أذواق المشاهدين من خلال هذا النوع من البرنامج ، خصوصا وأنه سيعقب ببرامج أخرى كمسابقة شاعر الجزائر ومسابقة أحسن مذيع تليفزيوني ومسابقة مواهب كرة القدم.

15 ألف مرشح في المسابقة

وقد انتهت قافلة فرسان القرآن قبل أيام جولتها ، باختيار 16 متنافسا فقط من أصل 15 ألف مترشح تنافسوا من كل ولايات الجزائر ، وحسب عضو من لجنة التحكيم ، تحدث للعربية نت فإن المسابقة كانت شديدة جدا بين المترشحين كما كان هناك إقبال من طرف العنصر النسوي الأمر الذي يمكن أن يساعد على تخصيص مسابقة لهن في العام المقبل.

نظام المسابقة

ويقوم خلالها المترشحون بقراءة آيات القرآن ، ليتم فسح المجال أمام الجمهور المشاهد للتصويت على أحسن مقرئ ، وفي نهاية شهر الصيام يتم اختيار فارس القرآن الفائز بالمسابقة.

ويستضيف البرنامج في كل حلقة خلال شهر رمضان كبار المقرئين في العالم العربي والإسلامي من مصر وتونس والمغرب واندونيسيا ، بينما يعرض التليفزيون كل مساء من الشهر الفضيل تسجيلات المترشحين للمسابقة.

ونشر هذا الخبر في موقع العربية نت على هذا الرابط

http://www.alarabiya.net/articles/2008/07/28/53886.html



التعليق على هذه المأساة التي يعيشها المسلمون إلى الآن.

لا أجد أفضل مما قرأته وفهمته من مقال (لعنة التجويد) للأستاذ الدكتور ـ أحمد صبحي منصور ـ للرد على هذه المهزلة وهذا التغييب العقلي الواضح.

والتعليق على هذه الإهانة التي ستقع من هؤلاء العلماء على كتاب الله جل وعلا ، وهم بهذه الأفعال يسيئون التعامل مع القرآن الكريم ، وفشلوا في تنفيذ أوامر الله جل وعلا في التعامل مع كتابه القرآن الكريم الذي وصفه سبحانه وتعالى بقوله( إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ)فصلت:41، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

أول ما يجب الإشارة إليه بهذا الخصوص قول الله جل وعلا(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)الأعراف:204، وهذا الأمر من الله جل وعلا حتى يستطيع الإنسان منا أن يفهم ويتدبر ما يسمعه من آيات الله.

ويعتقد المسئولون عن وزارة الشئون الدينية أنهم قد اجتهدوا وتوصلوا إلى ما لم يسبقهم إليه الأوائل بهذا البرنامج الذي يوضح استمرار هجر المسلمين للقرآن الكريم كتاب رب العالمين.

وبهذه الطريقة يتم التعامل مع القرآن الكريم حسب قواعد التجويد التي تعتمد في الأساس على حديث ضعيف يقول (حسنوا القرآن بأصواتكم) وهذا الحديث يتعارض تعارضا واضحا مع قول الله جل وعلا في وصف القرآن(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ )يوسف:3 ، وقوله جل وعلا(اللَّهُ نَـزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ )الزمر:23، وبهذه الآيات يظهر كذب هذا الحديث وجهل العلماء الذي رددوه ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى هذا البرنامج يتعامل مع القرآن على أنه أغنية تحتاج إلى فن وتمثيل وأداء وأحبال صوتية ونفس طويل وتدريب وسؤال أصحاب الخبرة من المقرئين ، وسيتم بالطبع عملية انتقاء لبعض الآيات التي تتناسب مع الإمكانيات الصوتية لكل مقرئ ، وهنا لا يمكن أن نفرق بين القرآن وأية مقطوعة غنائية.

وهؤلاء المشايخ سيغضبون غضبا شديدا لو تغنى أحدا أمامهم وهو يقرأ حديث من أحاديث البخاري ، سيثورون عليه وكأنه كفر.

ألا يعلم هؤلاء أن المؤمن الحق إذا تذكر اسم الله تعالى ارتعش قلبه( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ( الأنفال 2 ، ولا يرقص ويتمايل طربا مما يسمع ، وإذا تليت عليه آيات القرآن ازداد إيماناً ، ولم يزدد ظلما وعدواناً.

ويجب أن يعلم هؤلاء أن قراءة القرآن عبادة والاستماع إليه عبادة وتدبره ودراسته عبادة ، وليس في العبادة هزل أو طرب أو لعب أو برامج تليفزيونية للتسلية والترويح عن المشاهدين والقرآن الكريم لا مجال فيه للهزل يقول تعالى(وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ) ( الطارق 11.

وتفضل منتج أو مصمم البرنامج بعمل أفيش للبرنامج فيه (فرسان القرآن) عنونا للبرنامج ، مع كتابة آية قرآنية استخدمت في غير موضعها (ورتل القرآن ترتيلا).

ونقول التلاوة والترتيل معناهما واحد في اللغة العربية ، وهو القراءة المتتالية أو الأحداث التي يتلو بعضها بعضا ، وكلمة تلا تفيد القراءة المتتابعة لكلام متتابع، كما تفيد مجيء شيء تلو أو بعد شيء سابق. وهكذا كلمة (رتل) تقول :جاء رتل السيارات أي سيارات متتابعة يتلو بعضها بعضا.

التلاوة في القرآن لا تعني مجرد التتابع اللفظي فقط في آيات القرآن الكريم التي يتلو بالفعل بعضها بعضاً ، ولكن التلاوة والترتيل في القرآن الكريم يعني أن تكون طريقة القراءة موضحة للمعنى القرآني. وهذا معنى قوله تعالى(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) ( البقرة :121، فهناك من يتلو الكتاب حق تلاوته وهذا هو المؤمن بالكتاب ، ومنهم من تتحول عنده القراءة والتلاوة والترتيل إلى أغنية ولهو ولعب وطرب وبرامج على غرار ستار أكاديمي.



ولأن قراءة القرآن قضية خطيرة فهي تستحق مزيدا من التوضيح.

إن في القرآن الكريم أنواعا مختلفة من الخطاب ؛ فيه الخطاب التشريعي وفيه القصص وفيه الحوار وفيه الإنذار وفيه التبشير وفيه الأسلوب التقريري والأسلوب العلمي وفيه الأسلوب العاطفي وفيه التكفير من الله تعالى واللعن لمن يستحق ذلك ، وفيه الدعوة للتكفير وفيه وصف نعيم الجنة وفيه عذاب النار.

هل نتعامل مع كل هذه الأنواع المختلفة بطريقة واحدة ـ حتى على فرض أننا نقرأ القرآن دون غناء ودون اتخاذه لهوا ولعبا كما يفعل الغافلون.؟

بالطبع لا بد أن تختلف القراءة حسب المعنى الذي تتضمنه الآية وكل آية.

فإذا كان في الآية سؤال فلابد أن تقرأها بصيغة السؤال ، وإذا كان فيها تعجب فلابد أن يظهر التعجب في طريقة قراءتك للآية ، وهكذا في السخرية وفي الترهيب وفي والوعيد. بهذه الطريقة تتلو القرآن حق تلاوته. لأن تلاوتك هذه تسمح لبيان القرآن ومعناه الواضح أن يظهر ويتضح أكثر طالما تلوت القرآن حق تلاوته.

أما تحويل القرآن الكريم إلى أغنية ولها نوتة موسيقية تسمى التجويد فهي تغييب كامل لبيان القرآن الكريم لأن الذي يستأثر بالانتباه هو صوت القارئ أو (المقرئ) أما المحتوى القرآني للصوت فقد ضاع بين آهات المقرئ وتهليل المستمعين ، ويتحول كلام العزيز الجبار في الوعيد والإنذار والتشريع إلى جلسات أنس وفرفشة وانبساط ومزاج عال العال ، ويظهر ذلك جليا في مناسبات العزاء أو حفلات المجون بالقرآن الكريم حيث ترى العجب من تخلف المستمعين العقلي والحجاب الموضوع على قلوبهم وهم يهيجون بالصراخ والإعجاب من صوت القارئ وهو يتغنى بآية فيها الوعد والوعيد ، معظمها ينطبق عليهم وهم لا يشعرون ولا يعقلون ولكن فقط يرقصون ويتمايلون.

هؤلاء العلماء الذين اجتهدوا وتوصلوا لهذا البرنامج الخطير الذي يدعو لمزيد من الهجر والبعد عن القرآن كتاب الله ، لو كلفوا هذا العدد الرهيب الذي تقدم لهذا البرنامج من الشباب والشابات إلى تدبر القرآن وفهم معانيه بدلا من هذه المهزلة التي يعتقدون أنهم نجحوا من خلالها في إبعاد الناس عن برنامج ستار أكاديمي وما يحويه من مشاهد عري.

يجب على هؤلاء المشايخ أن يبدأوا من الآن للتجهيز والإعداد لكأس العالم لفرسان القرآن في العام القادم ، ويعممون هذه الفكرة التي لا تزيد عن فتوى رضاعة الكبير أو التبرك ببول الإبل. سؤال أخير لمن يسمون انفسهم علماء الدين في العالم الإسلامي أجمع ( هل يجوز استغلال القرآن الكريم كتاب الله تعالى في الحكم على أصوات المقرئين وتقييمهم واختيار أفضلهم صوتاً..؟.

أجيبونا يا من تسمون أنفسكم رجال الدين والمسئولون عنه ن والمتخصصون فيه.

والله جل وعلا هو المستعان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق