جـنـون الوعـي المصـري
حين نجهل ونتجاهل القضية نُخطيء فنعاقب ونغتال الضحية ...!!!
بداية ومن
وجهة نظري أعتبر معظم المصريين أصبحوا اليوم ضحايا السياسات الفاشلة والخطاب الإعلامي
السياسي الفاشل والديني الإرهابي الذي يحفـز كل منهما المشاعـر ويبث في النفوس روح
الفتن ويصنع الأحقاد والضغائن والكره بين فئات الشعب الواحد ويجعل كل فئة تجهل
وتتجاهل الطريق الصحيح ، وما هي الحقوق والواجبات التي يجب أن يطالب ويلتزم بها كل
مواطن ، حتى يعيش معظم المصريين في فوضى عارمة وعدم استقرار وتصارع وتقاتل على أتفه الأسباب.
بعد ثورة 25 يناير العظيمة التي لم تكتمل بعد ، ولم تحقق أي هدف أو مطلب من مطالبها الأساسية
في العيش والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ، كانت ولا تزال هناك ثورة مضادة
واضحة وضوح الشمس ، كان هدفها الأساسي إفشال الثورة وتفريغها من مضمونها الحقيقي وتغيير
مسارها الطبيعي بأي طريقة ،و كتبنا عن هذا مقالا بعنوان (هل الثورة المصرية ضلّت
الطريق..؟؟) ونشرناه منذ عام ونصف تقريبا ، وقد تعاون أعداء الثورة جميعا ونجحوا
حتى هذه اللحظة في إيقاف مسيرة الثورة مؤقتا ، لأنها (أي الثورة) حسب وجهة نظري لن
تتوقف.
ويتمثل هذا النجاح للثورة المضادة في شغـل
الناس بقضايا وأحداث لا علاقة لها بأهداف ومطالب الثورة الحقيقية ، وبدأ هذا مبكرا
جدا في محاولات واضحة لإثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين بافتعال
جرائم وأحداث معروفة ومفهومة ومكررة ، وتغلب المصريون نسبيا على معظم هذه
المحاولات ، لكن ما نجح فيه أعداء الثورة بامتياز هو تغذية الوعي الجمعي في مصر
بأفكار وفتاوى وآراء وشعارات واختلافات وإشاعات وأحداث وتناقضات وأزمات أدت إلى
صناعة حالة من الجنون داخل الوعي العام الجمعي في مصر ، مما أدى إلى ظهور حالة غير
مسبوقة وغير طبيعية في سلوكيات المصريين وأفعالهم وأقوالهم وردود أفعالهم ، أدت
إلى إمكانية تحول أي حوار أو نقاش أو أي مشكلة تحدث مهما كانت بسيطة إلى مصيبة
وكارثة قد تنتهي بقتل شخص أو أكثر بلا ذنب ، وبازدياد وتغذية هذه الحالة(جنون
الوعي العام) بصورة مستمرة وممنهجة تحولت انفعالات المصريين وردود أفعالهم وتبلورت
في حالة انتقامية غير عادية من بعضهم البعض ، وهذا تماما ما يبحث عنه من هم في
السلطة ، حتى لا يتوحد الناس من جديد على قلب رجل واحد أو يتفقوا على مطالب واضحة
محددة ويظلوا مختلفين مشتتين منقسمين إلي فئات ضعيفة يتقاتلون يتعاركون يتصارعون سواء
على مستوى المشاركة في العمل السياسي أو على المستوى المجتمعي والعلاقات
الاجتماعية البسيطة في أصغر تجمع سكني ممكن في أي مكان من أرض مصر ، المهم لابد من
وجود خلاف وصراع ، بسبب السياسة ، بسبب متطلبات الحياة ، بسبب الخطف والسرقات وقطع
الطرقات أو إحدى الأزمات ، وبهذه الطريقة التي يعيش بها معظم المصريين لن يؤثر
وجودهم إطلاقا في الحياة السياسية وتغيير النظام السياسي الحاكم الذي يحافظ
بامتياز ويحاول جاهدا تحقيق نبوءة المخلوع حين حذّر وهدد الشعب المصري قائلا(يجب
علينا الاختيار بين الفوضى والاستقرار).
ولمزيد من التوضيح والتفصيل أدعى أن سبب ما
وصل إليه الشعب المصري اليوم وحالة الجنون والانفلات الشديدة يرجع لعدة أسباب :ــ
السبب الأول : حالة الانفلات الأمني المصطنعة التي بدأها
مبارك والعادلي وسار على نهجهم العسكر ويكمل المشوار الأخوان ، لأنهم جميعا
تعاونوا ضد الثورة وخططوا بنفس الفكر ونفس العقلية ونفس السياسة لقتل الثورة
وسرقتها في وضح النهار.
السبب الثاني: تبرئة القتلة والمجرمين الذين قتلوا وفقئوا
أعين أنقى وأطهر شباب مصر ، بالإضافة لتبرئة من سرقوا مليارات الشعب المصري في
بطونهم ، مما أدى إلى انتشار حالة من تبرير الجرائم مهما كانت كبيرة لأن المواطن
المصري شاهد العدالة تسقط وتنهار أمام عينيه وأصبح على يقين تام أنه مهما فعل من
جرائم هو أو غيره لن يدخل السجن أبدا أبدا ، لأنه شاهد أباطرة الفساد والاستبداد
والقتلة يتمتعون بحريتهم بعد مسرحيات هزلية أطلقوا عليها محاكمات.
السبب الثالث: تعاون أعداء الثورة جميعا مع البلطجية
واستخدامهم ضد الثورة والثوار لتشويه صورة الثورة والثوار حتى اختلط الأمر على
الناس وأصبحوا لا يفرقون بين الثورة والثوار الأطهار الأحرار وبين النظام الحاكم
الذي أدمن الفساد والاستبداد وهذه الحالة من فقدان الوعي عند معظم المصريين هي ما
يبحث عنه أي نظام سياسي فاسد ، لأنه من المزعج جدا لأي نظام حاكم أن تتوحد
المعارضة ضده وتتفق وأن يستطيع الناس قراءة الأحداث بوضوح وقدرة المواطن العادي
التفريق بين الصدق والكذب في الخطاب الإعلامي ، أو بوضوح حين يشعر النظام أن
المواطن يعيش الواقع ويقرأه لحظة بلحظة.
السبب الرابع : الخطاب الديني الإرهابي الذي قام به على أكمل
وجه دعاة الفساد والإرهاب والفتن في المساجد والفضائيات ومواقع الانترنت ، فقد
تلوثت أسماع معظم المصريين بصراخ هؤلاء وتحريضهم ضد بعضهم البعض ، فمنهم من حرّض
المسلمين ضد المسحيين ، ومنهم من حرض أرباب الجماعات (الاخوان والسلفيين وغيرهم)
ضد العلمانيين والليبراليين ، وأباحوا قتل أي مصري يعترض على حكم الأخوان ، وكل
هذا موثق ومسجل بالصوت والصورة ، فتاوى القتل بسبب وبدون سبب جعلت مسألة القتل
مسألة أقل من العادية ، بالإضافة لنزيف الدم الذي تسبب فيه النظام الحاكم منذ
بداية الثورة وحتى هذه اللحظة ، كل هذا بدون محاكمة لأحد من القتلة رخّص حياة
الناس في نظر بعضهم وهانت عليهم أنفسهم وأنفس الآخرين.
السبب الخامس: الكذب على الناس ، وهذا ما نجح فيه بامتياز
الاخوان والسلفيون وظهر جليا بعد الثورة ، وبعد أن وصل الأخوان للسلطة ، وهذا
الكذب أدى إلى فقدان الأمل في الإصلاح عند معظم المصريين ، لأنهم فقدوا الثقة في
كل شيء ، لتناقض الخطاب السياسي والديني مع معظم ما يحدث على أرض الواقع.
السبب السادس: إراقة الدماء التي لم تتوقف حتى كتابة هذا
المقال ، في ظل كل هذه الأحداث والسلبيات لم تتوقف عمليات القتل والتصفية للمصريين
بقصد وبدون قصد بذنب وبدون ذنب ، الدولة والسلطة الحاكمة تقتل المعارضين (الشعب)
بأموال الشعب ، المصريون يقتتلون بسبب حالة الجنون التي سيطرت عليهم جميعا وفشل
معظم المصريين في السيطرة على انفعالاته لكل ما سبق من أسباب.
أعتقد بل أؤكد أن أي نظام سياسي فاسد سيكون
في منتهى السعادة حين يجد شعبا بأكمله يقتل بعضه بعضا ، بل الأكثر من هذا يشعر بعض
المصريين بنشوى وسعادة غير طبيعية وغير إنسانية حين يقتل مصريا مثله ويمثل بجثته
أو يعذبه وهو يحتضر قبيل وفاته بدقائق بأن يحرق جسده قبل أو بعد موته ، أو يقطعون
جسده إربا ، فهذه الحالة الجنونية الغير إنسانية الغير متزنة في الوعي والتفكير
عند معظم المصريين هي ما يبحث عنه النظام الحاكم حتى يستمر ويبقى في السلطة لأنه
من وجهة نظري لن ينجح أي شعب وهو في مثل هذه الحالة (المرضية الخطيرة) في إسقاط أي
نظام حاكم مهما كان هذا النظام هشا وضعيفا وفاشلا وفاسدا.
فبدلا من توحيد الصفوف وشحذ القوى والتركيز
والتفكير في مصلحة الشعب والوطن والتعاون بجدية والاتفاق على إصلاح وبناء هذا
البلد ، والمطالبة بحقوقنا في ثروات هذا البلد وموارده ومحاسبة النظام الحاكم على
قصوره وتقصيره وفشله في حل أي أزمة من الأزمات التي نعاني منها ، ومطالبة النظام
الحاكم باسترداد المليارات المنهوبة ومحاسبة القتلة والسارقين ، ولماذا حصلوا على
البراءة جميعا ، ولماذا لم يبق في السجن الحربي إلا شباب الثورة ، ترك المصريون كل
هذا وتفرغوا لقتل بعضهم بعضا.
ولذلك فهم ضحايا تجاهلوا قضيتهم الأساسية
فأخطأوا وأهملوا في حقوقهم وكرسوا معظم تفكيرهم المجنون في الصراع مع بعضهم البعض ووجهوا
جام غضبهم وشجاعتهم وشهامتهم وسخّـروا كل قوتهم للدفاع عن قضايا غاية في التفاهة والانحطاط
الأخلاقي والإنساني وظنـّوا أن هذه هي الرجولة والشهامة والقوة الحقيقية ألا نترك
حقوقنا عند الفقراء والبسطاء والضعفاء الذين يعانون مثلنا مرارة العيش وقلة الحاجة
، وسيطر على عقولهم وقلوبهم أن التسامح والعفو ضعف وخيبة وهزيمة ، وبوعيهم الذي
أصابه الجنون والهوس أصبح الاعتداء على الناس بالقوة وسحلهم وقتلهم وحرق أجسادهم
هو عين الرجولة وأكبر بطولة فقتلوا بعضهم بعضا ، وهم جميعا يشربون من نفس الكأس يتجرعون
الفقر والذل والهوان والظلم والانبطاح أمام سياسة الدولة الفاشلة ، ولا يجرؤ أحدهم
أن يرفع صوته أمام مسئول سياسي يسرق حقوقه ويسرق أحلامه وأحلام أولاده وأحفاده.
كل هذه الغوغائية والفوضى والهمجية وفقدان
الوعي والجنون كلها عمليات مصنوعة ومقصودة لشغل الناس بعيدا عن المطبخ السياسي الذي
يتم فيه أكبر مؤامرة في تاريخ مصر يقوم بها أعداء هذا الوطن لتخريب مصر حضاريا وتاريخيا
وفكريا وثقافيا واقتصاديا ، لتجريد مصر من تاريخها وحضارتها وآثارها العظيمة لتصبح
دولة بلا أصل وبلا تاريخ.
كل هذا يتم لإبعاد الناس عن الواقع وعن الوعي
ليعيشوا فاقدين الوعي بعيدين عن الحقيقة ، يصبون جام غضبهم على بعضهم بعضا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق