الاثنين، 25 فبراير 2013

كيف يقرأ المسلمون تاريخهم ..؟؟


تمهيد:
لقد تعلمنا من أساتذة وكبار دعاة الإصلاح الفكري أن بداية الإصلاح وأولى خطواته هي تحديد الخطأ والاعتراف به أولا ، وهذا لا يختلف كثيرا بل يكاد يتطابق تماما مع خطوات العلاج التي يسلكها أي طبيب ، فأولى خطوات العلاج هي تحديد وتشخيص المرض بدقة لكي يمكن تحديد العلاج بدقة أيضا ، ولذلك أقول أنه لا يمكن إصلاح المسلمين فكريا إلا إذا اعترفوا بأن أجدادهم وأسلافهم ومن سبقهم من المسلمين كانوا غير معصومين من الخطأ وأنهم قد وقعوا في أخطاء بشرية ، ولأنهم مقدما رفضوا الاعتراف بهذه الأخطاء ، فهم تماما مثل المريض الذي يرفض الاعتراف بمرضه ، أو كالطبيب الذي يفشل في تشخيص المرض ، لذلك لن يُجدي معهم أي علاج ما داموا مقتنعين بأن الأجداد والأسلاف لم يخطئوا بل كانوا جميعا أبطالا وقادة عظام عدول وكل أفعالهم وأقوالهم نماذج يحتذى بها ولابد أن نتعلم منها ونقتدى بها ، كذلك الحال بالنسبة لمن يسمون أنفسهم علماء المسلمين كلما فشلوا ـ بقصد أو بدون قصد ـ في تشخيص وإظهار الأخطاء التي يعج بها تراثنا الفكري والاعتراف بها ومناقشتها بشفافية وموضوعية فهم يساهمون في قتل هذه الأمة وتخلفها فكريا وثقافيا وحضاريا ، مثل الطبيب الذي يقتل المريض حين يفشل في تشخيص المرض.

ما دفعني لكتابة هذا المقال قصة قصيرة قرأتها على صفحات الفيس بوك يتناقلها كثير من الشباب المسلم على أنها مثال رائع في العدل ونموذج لن يتكرر في عالم المحاكمات ويفخرون ويتفاخرون أن من فعل وشارك في هذا العمل هم أجدادنا الذين يجب علينا أن نفخر ونتفاخر بهم ونعتز بهم وبأفعالهم وتاريخهم ، أترككم أولا مع القصة وأتبعها بتعليق وتوضيح:

أولا : القـصـــة :ـــ

"هؤلاء اجدادنا
أعظم وأعجب محاكمة سمعت بها أذن في التاريخ !!!

المدعي : كبير كهنة سمرقند ..!!!
المدعى عليه : القائد العسكري لجيوش المسلمين قتيبة ابن مسلم
القاضي : القاضي العادل " جُميْع "
بدأت المحاكمة؟

نادى الغلام: ياقتيبة (هكذا بلا لقب)

فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي جُميْع
ثم قال القاضي:ما دعواك يا سمرقندي؟
قال:إجتاحنا قتيبة بجيشه ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا..
إلتفت القاضي جُميْع إلى قتيبة وقال:وما تقول في هذا يا قتيبة؟
قال قتيبة:الحرب خدعة وهذا بلد عظيم وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية...
قال القاضي : يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟
قال قتيبة:لا إنما باغتناهم لما ذكرت لك...
قال القاضي جُميْع : أراك قد أقررت ، وإذا أقر المدعي عليه انتهت المحاكمة ، يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل.
ثم قال جُميْع : قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند
من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء وأن تترك الدكاكين والدور،
وأنْ لا يبق في سمرقند أحد ، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك!!

لم يصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه،فلا شهود ولا أدلة ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة،
ولم يشعروا إلا والقاضي جُميْع والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم،
وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعم الجنبات،
ورايات تلوح خلال الغبار،فسألوا فقيل لهم إنَّ الحكم قد نُفِذَ وأنَّ الجيش قد انسحب،
في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به..

وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية،
وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم،
ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر،
حتى خرجوا أفواجاً وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين
وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله...

فيا لله ما أعظمها من قصة،وما أنصعها من صفحة من صفحات تاريخنا المشرق،أريتم جيشاً يفتح مدينة ثم يشتكي أهل المدينة للدولة المنتصرة،فيحكم قضاؤها على الجيش الظافر بالخروج؟
والله لا نعلم شبه لهذا الموقف لأمة من الأمم.

بقي أن تعرف أن هذه الحادثة كانت في عهد الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز رحمه الله
حيث أرسل أهل سمرقند رسولهم إليه بعد دخول الجيش الإسلامي لأراضيهم دون إنذار أو دعوة
فكتب مع رسولهم للقاضي أن احكم بينهم فكانت هذه القصة ألتي تعتبر من الأساطير

وأصلها التاريخي في الصفحة 411 من(فتوح البلدان)للبلاذري بطبعة مصر سنة 1932م . "

انتهت القصة ....

حرصا على المصداقية والأمانة العلمية التي تعلمتها أيضا بحثت عن الكتاب لكي أتأكد من وجود القصة في كتاب فتوح البلدان لـ (أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري)
فقد احتلت هذه القصة مكانة وشهرة كبيرة جدا لدرجة أنها عرفت بـ (أعظم وأعجب محاكمة سمعت بها أذن في التاريخ !!!). وإذا كتبت هذا التوصيف في متصفح البحث جوجل ستظهر لك القصة بأكثر من رواية.
ـــ نبدأ بنقد القصة والتعليق عليها وتحليلها بشفافية وموضوعية وتجرد لكي نثبت أن معظم المسلمين فشلوا في قراءة تاريخهم القراءة الصحيحة ، وساهم معظم علماء المسلمين في هذا بقصد أو بدون قصد لأهداف شخصية و سياسية حتى يعيش المسلمون في أوهام يقدسون صفحات التاريخ ويلعنون كل من يحاول نقدها أو مناقشتها بموضوعية أو حتى محاولة عرضها على حقائق وتشريعات القرآن الكريم حدث هذا ولا زال يحدث لاستبداد واستعباد الشعوب باسم الدين.

نقـــد الـقــصــــة :ـــ
أبطال القصة : رغم أنها أعظم محاكمة في التاريخ كما يصفها معظم المسلمين إلا أن الأبطال الذين ذكرت أسماؤهم فيها ثلاثة فقط (قتيبة ـ وجُمَـيْع ـ وعمر بن عبد العزيز) ، وذكر الغلام (الحاجب)وكبير كهنة سمرقند بدون أسماء ، وهنا تحيز واضح جدا من المؤرخين لأنهم تجاهلوا حتى اسم كبير الكهنة لأنه غير مسلم ، رغم دوره المؤثر في الأحداث ، وكذلك تجاهلوا اسم الغلام (حاجب المحكمة) لأنه من عامة الشعب وهذه دائما عادة معظم المؤرخين يتابعون ويحصون ـ عن كثب ـ أنفاس كبار القوم مهما كانوا ظالمين أو مخطئين ويتجاهلون الفقراء والبسطاء في المجتمع الذي يؤرخون له ، ولا يتذكرونهم إلا قليلا بين سطور التاريخ مهما كان تأثيرهم في العصر أو الحدث الذي يؤرخون له.
ــ تفاصيل المحاكمة:ــ فيها إدانة واضحة لقائد المسلمين ومخالفة صريحة لتشريعات الحرب والقتال في القرآن الكريم ، وهذا الأمر يحتاج إلى توضيح وتفصيل:ـ
يقول المُـدعي كبير كهنة سمرقند في دعواه "( إجتاحنا قتيبة بجيشه ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا)" ، ولم ينكر قتيبة قائد جيش المسلمين الدعوى بل أكدها وأدان نفسه بصورة أكثر وضوحا فقال حين سأله القاضي عن رأيه في الدعوى "( الحرب خدعة وهذا بلد عظيم وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية)" من خلال دعوى كبير الكهنة وإقرار قتيبة يتبين أن ما فعله جيش المسلمين كان حربا واضحة ، ولا علاقة لها بنشر الاسلام إطلاقا وهذا ما اعترف به قتيبة حين قال (الحرب خدعة) ، وحين وصف سمرقند بأنها (بلد عظيم) إذن الأمر لا علاقة له بالفتح أو نشر الدعوة إطلاقا ، ولكنها كانت حربا واضحة وصريحة ، ولكي لا نتجنى على أحد سوف استشهد بآيات بينات من القرآن الكريم تبين وتوضح أنه ليس من حق أي مسلم أن يُعلن الحرب على أي دولة لأي سبب من الأسباب دون أن تبدأ هذه الدولة بالاعتداء علينا في بلادنا فيكون الرد بالمثل دون اعتداء يقول ربنا جل وعلا(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)البقرة: 190، ومن يظن في نفسه أن من حقه فتح البلاد لنشر الاسلام فليفكر قليلا هل يجرؤ أو يستطيع المسلمون اليوم إعلان الحرب على أي دولة أوروبية أو أي دولة غير مسلمة اقتداء بمنهج قتيبة (السلف الصالح) بهدف نشر الدعوة هناك .؟ أعتقد لا لأننا نعيش ضعفاء في هذا العصر ولغة القوة دائما هي المتحكم الأول والأخير ، هذا على مستوى المسلم العادي ، فهل يجرؤ الاخوان والسلفيون أن يشنوا حربا ويجتاحوا دولة غير مسلمة بغتة كما فعل قتيبة ، ولأنهم أكثر حرصا على تطبيق الشريعة.؟ اسألوهم إن كانوا ينطقون..!!!

ويزيد قتيبة في إدانة نفسه أكثر حين سأله القاضي "( يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟)" فأجاب:"( لا إنما باغتناهم لما ذكرت لك)" إذن هو اعتراف واضح أن الهدف الأول كان الحرب ويكفي ما قاله قتيبة أن الحرب خدعة ، وأنه باغتهم وفاجأهم ، وهذا المنهج يتناقض تماما مع منهج الدعوة في القرآن الكريم يقول ربنا جل وعلا (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)النحل:125 ، وعن علاقة المجتمعات والشعوب يقول ربنا جل وعلا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)الحجرات:13
قضى جُـمَيع بإخراج جميع المسلمين من سمرقند على أن ينذرهم المسلمون بعد ذلك ، وهنا تجاهل صارخ وواضح لتفاصيل الحرب التي اجتاحت سمرقند وما أقره قتيبة أن الحرب خدعة وأنه باغتهم ، إذن هناك ضحايا وقتلى لقوا حتفهم بلا ذنب ، أين حقوقهم ولماذا لم يتحدث عنهم المؤرخ.؟ طبعا الاجابة معلومة مقدما لكي لا يدين قادة المسلمين العظماء دائما ، وكان يجب على القاضي أن يسأل كبير كهنة سمرقند عن أحوال الناس وهل هناك ضحايا أو متضررين لكي يطالب بحقوقهم إذا كان فعلا حاكما عادلا.
الشيء المدهش في الأمر عبارة قالها جُـمَيْع في حكمه و هي(على أن ينذرهم المسلمون بعد ذلك) ينذرهم المسلمون من ماذا.؟ ومن الذي أوحى لهؤلاء ومنحهم الحق في الاعتداء على المجتمعات الآمنة وإعلان الحرب بغتة عليهم واجتياحهم.؟
وما تعليق القاضي جُـمَيْع على قول قتيبة "(وهذا بلد عظيم وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية)" وهنا اعتراف اخر واضح أن سبب الحرب كان في المقام الأول أن هذا البلد عظيم يستحق الغزو ، وكذلك اعتراف بمقاومة الشعوب ورفضهم الدخول في الاسلام ورفضهم الجزية ، ورغم ذلك لم يعلق القاضي العادل على هذه الاعترافات ، ولم يلفت نظر أحد أن قتيبة رغم رفض البلدان الدخول في الإسلام ورفضهم الجزية إلا انه استمر في حربه على البلاد حتى وصل سمرقند.
السؤال الطبيعي هنا : كيف انسحب الجيش بعد ساعات.؟ ، وهل من السهل أن ينسحب جيش بجنوده وعتاده في ساعات بعد انتهاء المحاكمة.؟ أعتقد أن ابلاغ جميع قادة الجيش أمرا يحتاج لساعات وتنفيذ الانسحاب الكامل كما صوره الراوي وعبّر عن هذا الانسحاب السريع الذي يحتاج لأيام بأن الكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية ، وصوت البكاء في كل بيت على خروج تلك الأمة العادلة من بلدهم ، وهنا لابد من تعليق وتحليل:
كيف اشتكى كهنة سمرقند من اجتياح جيس المسلمين لبلدهم بغتة بدون سابق إنذار ، وكيف يبكون في نفس اليوم على فراق هذه الأمة العادلة التي جاءت تحاربهم وتفرض عليهم الجزية..؟ ، اعتقد لو أن هذا الجيش وقياداته يعرفون العدل والرحمة ما فكروا أصلا في الاعتداء على الناس في حرب واضحة عبّر عنها كبير الكهنة بأنها عملية اجتياح بدون إذن.
كذلك لا يجب أن نبالغ في وصف أي قاضى بأنه القاضي العادل لأنه حكم بالعدل وأدان الظالم والمعتدي وأعطى كل ذي حق حقه ، فيجب على كل حاكم عادل أن يفعل هذا ، كذلك من العيب أن نظل نسمى هذه القضية بأعظم محاكمة في التاريخ لأن إقامة العدل أمر واجب على كل من يدعى أنه عادل.
ما أجمل الإطراء على القصة وإثبات مزيد من الإدانة لأبطالها من المسلمين يقولون "( فيا لله ما أعظمها من قصة،وما أنصعها من صفحة من صفحات تاريخنا المشرق،أريتم جيشاً يفتح مدينة ثم يشتكي أهل المدينة للدولة المنتصرة،فيحكم قضاؤها على الجيش الظافر بالخروج؟
والله لا نعلم شبه لهذا الموقف لأمة من الأمم.)"
سؤال هل فتح البلاد الأخرى مسموح لأحد من البشر بعد خاتم النبيين .؟ لأن الفتح جاء لخاتم النبيين بوحي من الله جل وعلا فمن أين جاء الأمر لقادة المسلمين من بعده بفتح البلاد الأخرى.؟
كيف يسمون ما حدث فتحا وحربا في نفس القصة .؟
أعتقد طالما هناك جيش ظافر منتصر وجيش مهزوم إذن هذه حرب وليست فتحا ولا علاقة لها بدعوة الناس لدين الله
تبقى كلمة أخيرة
يجب على كل مسلم أن يعلم أن الحروب والاعتداء على البلاد وعلى الناس الآمنين جريمة مهما كان فاعلها ، كذلك يجب أن يعلم أن لغة القوة والبحث عن الثروات والموارد من جهة ، وصناعة بعد استراتيجي للدولة التي يبحث قادتها عن بطولات شخصية من جهة أخرى هي من الأمور الهامة التي تسيطر وتتحكم في النفس البشرية وهي المحرك الأساسي لأحداث التاريخ ، حدثت هذه القصة في خلافة عمر بن عبد العزيز الخليفة العادل ، في بداية تاريخ المسلمين ، فكيف كانت الأحوال والأهوال ، وكيف تعاملت جيوش المسلمين مع البلاد الأخرى بعد عدة قرون.؟
وهل من العقل أن نعتدي على الناس في بلادهم بجيوش وندخل عليهم بغتة معلنين الحرب عليهم ، وحين نعترف بالخطأ ونخرج نعتبر أن ما فعلناه حدث تاريخي بل من أعظم أحداث التاريخ.؟

هناك 3 تعليقات:

  1. شكرا لمرورك الكريم على المقال واتمنى ان يكون ما يخطه قلمي نافعا ومفيدا لك ولغيرك

    ردحذف