اسـتـغـلال الـديـن في ترغــيـب الـمجاهــديـن
بداية يجب توضيح الفارق بين (الـديـن) و (الـتـــديـن والفـكـر الديني)
دائما
ما نكرر ونؤكد ونبين أهمية التفريق بين الدين الإلهي (القرآن الكريم) ،
وبين الفكر الديني الذي يجتهد في كتابته وصياغته مجموعة من البشر في كل عصر
وفي كل زمان ومكان حسب متطلبات ومتغيرات واحتياجات ومؤثرات العصر ،
فالدين الإلهي محفوظ لا يتغير ولا يتبدل ولا يتأثر حسب الأهواء ولا يمكن
تزويره ، وأنزله الله جل وعلا كتابا خاتما محفوظا إلى قيام الساعة ، ونزل
هذا الدين ليناسب كل زمان و مكان ، لنشر وتحقيق العدل والعدالة والمساواة
والحرية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة في جميع المجتمعات وفي جميع العصور ،
أما الفكر الديني فهو وليد عصره ، وقد يتبدل ويتغير ويتجدد ويتحول إلى فكر
ظلامي أو مستنير ، لأنه كعمل بشري يتأثر بشدة بكل ما يحدث في المجتمعات من
خلافات وصراعات على مصالح ومطامع سياسية دنيوية زائلة ، ولذلك فإن الفكر
الديني في عصر من العصور الغابرة يستحيل تطبيقه اليوم على أرض الواقع لأنه
يعبر عن ثقافة عصره وهو نتاج ثقافي يرتبط بوقته ، ونفس الحال فإن الفكر
الديني في عصرنا الراهن يستحيل تطبيقه على الأجيال القادمة بعد خمسين عاما
على سبيل المثال ، لأنه حتما سيقابل بالرفض ، وهذا ليس معناه رفض الدين
نفسه كما يرى الوهابيون ، لأنهم اعتبروا أن رأيهم وفهمهم واجتهادهم وفكرهم
الديني أصبح جزء من الدين ، بل ظلموا أنفسهم وظلموا رب العالمين حين يفرضون
ويرفعون فكرهم الديني على آيات القرآن الكريم ويحكمون بفكرهم على آيات
الله جل وعلا ، وهذا ما يحاول أرباب فكرة عودة الخلافة جرنا إليه لأنهم
يظنون أن الله فوضهم لنشر الدين وأنهم وحدهم القادرون على فهم هذا الدين ،
ولذلك ليس من حق أحد سواهم أن يناقشهم أو ينتقد فكرهم البشري ، وحين يفشلون
في الرد على ما نوجهه لهم من نقد علمي موضوعي بعرض أفكارهم على آيات
القرآن الكريم يلجأون لتكفيرنا واتهامنا بأننا نرفض الدين وأننا من كارهي
الدين وأننا أعداء الإسلام ، على الرغم أنهم أكثر الناس عداوة للدين الإلهي
الموجود في القرآن الكريم ، باختراعهم فتاوى تتناقض مع تشريعات القرآن
لتحقيق مكاسب سياسية دنيوية زائلة فهم يشترون بآيات الله ثمنا قليلا
ويستغلون اسم الاسلام أسوأ استغلال حين ينسبون كل ما يقولونه للإسلام.
ــ ((في
الأيام الماضية أصدر أحد دعاة الوهابية فتوى يبيح فيها للمجاهدين في سوريا
أن يتزوجوا ــ لساعات ــ من الأرامل والمطلقات والبنات اللاتي بلغن سن
الرابعة عشرة ، وسبّبّ فتواه بأن المجاهدين منذ عامين لم يمارسوا الجنس ،
وحدد وقنن فتواه بأن يكون الزواج لساعات محدودة لكي يعطي لمجاهدين آخرين
فرصة الزواج من نفس المطلقات والأرامل والبنات)) بعد مرور هذه
الساعات ، وبكل أسف وأسى استقبل المجتمع العربي المسلم هذه الفتوى بلا أي
رد فعل يتناسب مع تناقضها الصارخ والفاضح مع تشريعات القرآن الكريم التي
تتحدث عن الزواج والطلاق وتحديدا تشريعات العـدّة ، وعن مواعظ القرآن
الكريم التي تبين قيمة الزواج كعلاقة مقدسة بين الذكر والأنثى يجب احترامها
والالتزام بشروطها وواجباتها وتشريعاتها من الطرفين (الزوج والزوجة).
والرد العقلي على هذه الفتوى بسيط جدا : لأنه
من المنطق أن من يتمتع بعقيدة الجهاد الخالصة و يؤمن إيمانا قطعيا أن
أربعين أو أكثر من الحور العين في انتظاره حين يموت ، غير مقبول أن يكون
بهذه الدناءة والضعف ، كيف يكون قويا لا يخاف الموت ولا يستطيع التحكم في
غرائزه وشهواته ونزواته وينظر لأطفال و نساء سوريا الثكلى وهـنّ من بني
البشر ، أعتقد من يفكر في ممارسة الجنس ــ في هذه الظروف القتالية والحالة
الجهادية ــ مع النساء الثكلى فهو مريض نفسيا وفي أمس الحاجة إلى علاج ،
ومن يريد التأكد انصحه بأن يسأل من حاربوا في معركة أكتوبر 1973م هل خطر
ببال أحدهم التفكير في ممارسة الجنس.؟
أما حين نعرض هذه الفتوى على حقائق وتشريعات الزواج والطلاق في القرآن الكريم نجد الآتي:
ـــ الأمر الخطيرفي
الفتوى أنه حدد الزواج بساعات لمنح عدد أكبر من المجاهدين فرصة الزواج
(وأطلق عليه زواج المناكحة) وأباح أن يتزوج المجاهد لساعات من مطلقة أو
أرملة أو طفلة سورية في الرابعة عشرة من عمرها ، ثم يتركها ويتزوجها مجاهد
غيره.
ربنا
جل وعلا حين تحدث عن الزواج وعن وصف العلاقة بين الرجل والمرأة بعد الزواج
قال عليها بأنها (سكـن) لأنها علاقة مقدسة لها احترامها في تشريعات القرآن
الكريم ، فالزواج ليس مجرد وسيلة لتفريغ نزوات الذكور ، الزواج علاقة أسمى
وأعلى من هذه الغرائز التي يتساوى فيها الإنسان وقت ممارستها بالحيوان ،
ولا يجوز إطلاقا تحويل المرأة إلى وسيلة لتفريغ هذه الغرائز الحيوانية
بغطاء ديني كاذب
ــ ربنا جل وعلا وصف الزوجة بالسكن تعني الاستمرارية (هُوَ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا
لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً
فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ
آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ)الأعراف:189) وفي آية أخرى تبين أن الزواج سكن للزوجين وأن الزواج مودة ورحمة للطرفين (وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)الروم:21
وتشريع
الزواج لساعات يتناقض مع تشريعات القرآن الكريم التي تبين وتحفظ حقوق
المرأة حين يتركها زوجها أو يطلقها ، فلا يجوز إطلاقا أن تتزوج إلا بعد
مرور فترة العـدّة كما قال ربنا جل وعلا في سورة الطلاق(يا
أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ
حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ
يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً)الطلاق:1 ، وهنا تتجلى
حقيقة وصف الزواج بأنه مودة ورحمة وسكن بين الزوجين ، حتى حين يطلق الرجل
زوجته يجب أن تظل في بيت الزوجية حتى تنتهي فترة العـدة وهذه حكمة إلهية
تمنح كلا الزوجين فرصة للتراجع والصلح ، وتأكيدا على أن الزواج علاقة متينة
قوية طبيعتها الاستمرار إلا إذا كان هذا مستحيلا لأسباب ، كذلك لا يجوز
إخراج الزوجة من بيتها إلا بشرط أن تأت بفاحشة مبينة ، ومن يفعل غير هذا
فهو يتعد حدود الله جل وعلا في القرآن الكريم وتشريعاته ، ومن جهة أخرى قد
يقولون أن الزوجة تنازلت بعد الطلاق عن جميع حقوقها في الصداق والمتعة بعد
الطلاق وهذا شأنها لكن أين حق الله.؟ ، ربنا جل وعلا شرع العـدّة وجعل الالتزام
بها حـد أي قانون وشرع من لم يلتزم به فهو من الظالمين المعتدين يقول
تعالى يبين تشريعات الطلاق والعـدّة (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ
النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ
وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا
يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ
حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ
لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً (1) فَإِذَا
بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ
لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ
حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ
شَيْءٍ قَدْراً (3) وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ
إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ
يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (4) ذَلِكَ
أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ
عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ
حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا
عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى
يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ
لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ
يُسْراً)الطلاق 7:1 ، من حق الزوجة أن تتنازل عن جميع حقوقها لكن ليس من حقها أن
تخالف شرع الله ، وليس من حق أحد من البشر أن يخترع دينا يخالف شرع الله
ويفرضه عليها لأي سبب من الأسباب ، لأن هذا حق الله جل وعلا ، وقد ثبت
علميا أن بصمة الرجل الوراثية وصفاته تظل آثاراها باقية في موضع الجماع
عند المرأة مدة ثلاثة أشهر تقريبا ، وهي تقريبا مدة العدة التي حددها ربنا
جل لحكمة يعلمها ، لأنه أعلم بنا من أنفسنا ، ولأنه سبحانه وتعالى جعل لكل
شيء قدرا وخلق كل شيء بميزان.
إذن
هذه الفتوى تتجاهل تماما العـدّة التي حددها ربنا جل وعلا لكي يكون للزوجة
الحق في الزواج من شخص آخر ، وطبقا لهذه الفتوى فإن هذه العلاقة التي
سماها الشيخ الوهابي زواج المناكحة لا علاقة لها بالزواج من قريب أو بعيد
ولكنها تعتبر سفاحا وهو الزنا بلا تمييز كما جاء في سورة النساء يقول
تعالى(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ
تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً)
أخيرا:
يجب
أن نميز ونفرق بين الدين الإسلامي الحنيف الذي نزل محفوظا في القرآن
الكريم وبين ما يقوله هؤلاء ، ما يقوله وما يكتبه أي إنسان هو عمل وفكر
واجتهاد بشرى يقبل الخطأ قبل الصواب ولا يجوز أبدا أن يفرضه على أحد وليس
من حقه الادعاء بأن ما يقوله يعتبر جزء من الدين وتشريعاته ، لأن ما نقوله
حتما يتأثر بالزمان والمكان والظروف والأحداث التي نعيشها ، تخيل لو لم
تحدث ثورات في الوطن العربي هل كنّا سنقرأ أو نسمع مثل هذه الفتاوى..؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق