استغلال الدين في(البحث عن السلطة وقتل المغيبين والمنافسين) في تاريخ المسلمين
إن
ما حدث في أفغانستان والصومال والسودان والعراق ، وما يحدث الآن في ليبيا
وسوريا ومصر على يد الأخوان وفكرهم الوهابي هو التطبيق العملي لسنن السلف ،
الذي بدأ مبكرا يستخدم الدين للضحك على الناس واستغفالهم وقتلهم من أجل
السلطة ، حدث هذا في مراحل مبكرة ومتكررة في تاريخ المسلمين ، تقريبا بعد
سنوات قليلة من وفاة خاتم النبيين ، ولا يخفى على معظم المسلمين ما حدث من
قتل وصراع سياسي واضح على السلطة في موقعة الجمل ، ثم صفين والنهروان
وغيرها من الحروب التي لا علاقة لها بدين الله الحنيف إلا استغلال اسمه في
تسويغ القتل وتبرير الجرائم وإيجاد حلول لتصفية وإبعاد المعارضين السياسيين
والمنافسين على السلطة.
وبكل
أسف تعامل معظم الفقهاء والمؤرخين مع هذا التاريخ الدموي ونقلوه على أنه
بطولات خارقة وأمجاد يجب على جميع المسلمين التغني والاقتداء بها والسير
على دربها والسعي لمحاولة تطبيقها على أرض الواقع في زماننا تحت اسم دولة
الخلافة ، وقلما نجد مؤرخا أو مفكرا يضع رأيه ووجهة نظره معلقا أو ناقدا
لأيٍ من أحداث التاريخ الملطخة بالدماء لكي يُنقذ المسلمين من الوقوع في
مثل هذه الجرائم ولكي يتخلصوا من تقديسها ورفعها فوق مستوى النقد واعتبارها
جزء من الدين يجب تطبيقه في الحياة على أنه بطولات وأمجاد ، ونفس الخطيئة
يقع فيها فقهاء الدين إلى يومنا هذا ، فهم يكررون أقوال واجتهادات السابقين
بحلوها ومرها دون تغيير ودون زيادة أو نقصان ، ودون اجتهاد يمنحه ويسمح به
الدين الإسلامي بعظمته ومرونته ومناسبته لكل العصور ، حتى تتناسب مع العصر
الحديث وتساير متطلباته ومتغيراته ، فحين يسألهم سائل يسارعون بالرد (قال
العلماء ، وأجمع العلماء ، وقال أهل العلم) ، دون تدبر أو نقد أو تعقيب على
ما قاله هؤلاء العلماء منذ عشرات القرون ، ودون تفكير وتحليل للظروف
السياسية التي تم فيها كتابة وتدوين هذا التدين الزائف الذي كان في معظمه
يناسب ويخدم مصالح ومطامع عصره ويخالف في معظمه أيضا حقائق القرآن الكريم ،
وهذا التكرار الأعمى والنقل الحرفي ، والتعامل بهذه السطحية مع التاريخ
والثقافة الدينية (التدين) أدى إلى تكرار نفس أخطاء المسلمين في عصور
مختلفة ، لأنهم اتبعوا نفس المنهج دون تغيير ودون تدبر أو تفكير أو تقويم
أو نقد علمي حقيقي يخدم الإنسان ويؤسس لدولة العدالة الاجتماعية والمساواة
بين الناس وتقديس حياتهم وحقوقهم فأصبح قتل الأنفس أسهل وأرخص الأفعال
طالما يستخدم هذا في البحث عن السلطان والجاه ، وهذا يتناقض مع القرآن الذي
جعل من قتل نفس واحدة كأنما قتل الناس جميعا.
ومن
عجب العجاب أن تقرأ في صفحات التاريخ أن أحد الشخصيات التاريخية من قادة
المسلمين يتميز بالذكاء وبعد النظر والفصاحة والكرم والشجاعة والتقوى
والورع والصلاح ، وفي نفس الصفحة تقرأ أنه يخطط للاستيلاء على السلطة
وإسقاط الخلافة ، فيقتل ويحبس من يتنافسون معه على السلطة ، ولا تجد كلمة
واحدة من الكاتب أو المؤرخ الذي نقل هذه الأحداث يوجه فيها اللوم لهذا
القائد الشجاع ، وقد تكرر هذا كثيرا في عشرات الأحداث في تاريخ المسلمين
تحت راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة دولة الخلافة وإصلاح
البلاد والعباد وتطبيق شرع الله ، ومعنا اليوم نموذج فريد طلب لنفسه
الخلافة ، حين طالبت حضرموت بالخلافة وكان هذا في عام 129هـ .
حضرموت تطلب الخلافة:
"في
سنة 129هـ نهض عبدالله بن يحيي الكندي مطالبا بالخلافة لنفسه ، كان حاد
الذكاء بعيد النظر فصيحا بليغا شجاعا كريما ، على جانب عظيم من الورع
والتقوى والصلاح ، ذهب إلى اليمن فرأى المظالم ضاربة أطنابها في طول البلاد
وعرضها ، والفساد ينخر عظام الأمة ويهدد كيانها ، فنقم على الخليفة مروان
بن محمد ورماه بالضعف في السياسة والإهمال في تأدية واجبات الخلافة ، ونقم
على ولاة اليمن ومكة والمدينة أشد النقم ، وفي سنة 128هـ ذهب إلى مكة للحج ،
فوافى أبا حمزة المختار ابن عوف الأزدي البصري الخارجي ورآه يدعو إلى خلاف
مروان وآل مروان ، فقال له عبد الله بن يحيي الكندي : يا رجل إني أسمع
كلاما حسنا وأراك تدعو إلى حق فانطلق معي فإني رجل مطاع في قومي ، فخرج به
حتى ورد حضرموت ، ولما رأى أبو حمزة المختار إجلال الناس لعبد الله بن يحيي
الكندي وإكبارهم له بايعه على الخلافة وعاد إلى البصر ، جمع عبد اله بن
يحيي عظماء كندة وحرّضهم على الخروج لإزالة المظالم والمنكرات ونشر العدالة
والصلاح ، وقال ما يحل لنا المقام على ما نرى ولا يسعنا الصبر عليسه وكتب
إلى أبي حمزة المختار وأبي عبيدة ومسلمة بن أبي كريمة مولى بني تميم وبلج
بن عقبة بالبصرة يشاورهم في الخروج ، فكتبوا إليه: إن استطعت أن لا تقيم
يوما واحدا فافعل ، فإن المبادرة بالعمل الصالح فضل ، ولست تدري متى يأتي
عليك أجلك ، ولله خيرة في عباده يبعثهم إذا شاء لنصر دينه ، ويخص بالشهادة
منهم من يشاء ، وشخص إليه أبو حمزة المختار وبلج بن عقبة في رجال الأباضية
وحرّضوه وقومه على الخروج ، وقالوا لهم: إذا خرجتم فلا تغلوا ولا تغدروا ،
واقتدوا بسلفكم الصالحين وسيروا سيرتهم فقد علمتم أن الذي أخرجهم على
السلطان العبث لأعمالهم، فاجتمعت كندة وبايعت زعيمها عبد الله بن يحيي
الكندي على الخلافة، إلا ملكهم إبراهيم بن جبلة بن مخرمة الكندي في دمون
فإنه امتنع عن البيعة ، ولكن عبد الله بن يحيي سار إليه في جماعة من عشيرته
وأخذوه وحبسوه يوما ثم أطلقوه ، فرحل إبراهيم إلى صنعاء ، وقام بالأمر عبد
الله بن يحيي ، فنشر العدل والأمن ، وبنى المساجد وأطعم الفقراء والمعسرين
، فأحبه الناس وكثر جمعه واحتشد حوله الأنصار والأعوان وهابته القبائل ،
وأكبروا فيه همته وورعه وصلاحه وتقواه ، وسموه طالب الحق ، ولما أحس في
نفسه القوة للقيام ضد الخليفة مروان بن محمد انتخب من أبطال قومه ألفين
وتوجه بهم إلى صنعاء بعد أن استخلف على حضرموت عبد الله بن سعيد الحضرمي
فبلغ ذلك القاسم بن عمر عامل مروان على صنعاء ، فاستخلف على صنعاء الضحاك
ابن زمل ، وخرج في بضعة آلاف من جيشه لملاقاة عبد الله بن يحيي الكندي ،
فلقيه الكندي في بلج وكان الليل قد أظلم ، وقاتلهم فقتل منهم كثيرا ،
وانهزم القاسم وعسكر قريبا من صنعاء فلحقهم الكندي وهزمهم شر هزيمة ،
واستولى على صنعاء ، وأخذ الضحاك بن زمل وإبراهيم بن جبلة بن مخرمة الكندي
ملك دمون المخلوع وحبسهما وجمع الخزائن والأموال.
وخرج
إلى الجامع وخطب ، فقال : بعد أن حمد الله عز وجل وصلى على نبيه صلى الله
عليه وسلم : " إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وإجابة من دعا إليهما ،
الإسلام ديننا ، ومحمد نبينا ، والكعبة قبلتنا ، والقرآن إمامنا ، رضينا
بالحلال حلالا لا نبغيبه بديلا ، ولا نشتري به ثمنا قليلا ، وحرّمنا الحرام
ونبذناه وراء ظهورنا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله وإلى اله المشتكى وعليه
المعوّل ، من زنى فهو كافر ، ومن سرق فهو كافر ، ومن شرب الخمر فهو كافر ،
ومن شك في أنه كافر فهور كافر ، ندعوكم إلى فرائض بينات وآيات محكمات
وآثار مقتدى بها ، وشهد أن الله صادق فيما وعد ، وعدل فيما حكم ، وندعو إلى
توحيد الرب ـ واليقين بالوعيد والوعد ، وأداء الفرائض ، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ، والولاية لأهل ولاية الله ، والعداوة لأعداء الله ،
أيها الناس إن رحمة الله أن جعل في كل فترة بقايا من أهل العلم يدعون من ضل
إذا اهتدي ويصبرون على الألم في جنب الله تعالى ، يُقتلون على الحق في
سالف الدهور شهداء ، فما نسيهم ربهم وما كان ربك نسيا : أوصيكم بتقوى الله
وحسن القيام على ما وكلكم الله بالقيام به ، فابلوا الله بلاء حسنا في أمره
وذكره ، أقول قولى هذا وأستغفر الله لي ولكم".
لم
يكتفي عبد الله بن يحيي الكندي بالاستيلاء على صنعاء ووضع دستوره الجديد
في خطبته في الجامع ، ولكنه بعد عدة أشهر أقامها في صنعاء:
"
وفي أواخر شهر ذي القعدة سنة 129هــ جهّز سبعمائة رجل من جيشه وأرسلهم إلى
مكة تحت قيادة أبي حمزة المختار وبلج بن عقبة وأبرهة بن الصباح ، فراسلهم
عبد الواحد بن سليمان وهو يومئذ على مكة المدينة ودعاهم إلى الهدنة حتى
ينفر الناس النفر الأخير من الحج ، فأجابه أبوحمزة إلى ذلك ثم نزل عبد
الواحد بن سليمان بمنى ، وبعث إلى أبي حمزة المختار عبد الله بن حسن ابن
الحسن ومحمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد
وعبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، فكشر
في وجه العلوي والعثماني ، وانبسط إلى البكري والعمري ، وقال لهما : ما
خرجنا إلا بسيرة أبويكما".
لم
ينتهي الأمر بدخول مكة وتهديد أهلها اذا اعترضوا ولكن تم التوسع إلى
المدينة أيضا واتهام كلا الفريقين للأخر بأنهم أعداء الله ودارت عجلة الحرب
بينهما ، وهذا ما سنوضحه في المقال التالي..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق