هل الفتوحات كانت مخالفة صريحة وقع فيها الصحابة..؟؟!!
معظم
المسلمين يتعاملون مع الفتوحات العربية للبلاد الأخرى على أنها بطولات قام
بها الصحابة لنشر الدين الاسلامي في مشارق الأرض ومغاربها ويعتبرونها من
مفاخر و أعظم انجازات السلف الصلح ، ومن وجهة نظري المتواضعة أرى أن هذه
الفتوحات كانت مجرد طموح سياسي للسيطرة على البلاد والعباد ولا تختلف كثيرا
عن الاحتلال والاستعمار الذي قرأناه في كتب التاريخ ، الذي كان هدفه
الأساسي الاستفادة من ثروات وموارد البلاد المحتلة ، ولكن الفارق الأساسي
في تلك الفتوحات هو استغلال الدين للضحك على الجنود المقاتلين البسطاء
لإقناعهم بالموت على أساس أنهم يساهمون في نشر دين الله ، فيموت الواحد
منهم وهو مقتنع أنه سيدخل الجنة والحور العين في انتظاره ، ولم يتغير هذا
الخطاب حتى وقتنا هذا ، فدائما يتم استغلال الدين ـ ودخول الجنة وحجز أماكن
فيها ـ لخداع القطيع بفكرة معينة تخدم هدفا سياسيا مقصودا وهذا تماما ما
فعله الدكتور صفوت حجازي مؤخرا حين أكد أن من يقتل بشار الأسد سيدخل الجنة.
لماذا أقول وأدعي أن من قام بالفتوحات خالف سنة خاتم النبيين.؟
منذ
أكثر من ثلاثة عقود تمت صناعة تهمة لا وجود لها في القانون المصري وهي
تهمة إنكار السنة (مخالفة السنة النبوية) ، وقد وقع الصحابة حين قرروا غزو
البلاد الآمنة في هذه الخطيئة ومن العدل أن نصفهم بنفس التهمة (إنكار
ومخالفة السنة) لأنهم فعلوا ما يخالف المنهج الذي اتبعه وكتبه النبي عليه
الصلاة والسلام ، وأعتقد أن كل مسلم يخالف هذا المنهج فهو منكر للسنة سواء
كان أحد كبار الصحابة أو أي مسلم يموت عند قيام الساعة ، ولكن نحن في حاجة
لقراءة التاريخ بشيء من التعقل والعدل والانصاف ولا نرفع التقديس عن جميع
البشر ونضع في الاعتبار أنهم بشر يصيبون ويخطئون.
لو
رجعنا لكتب السيرة التي يؤمن بها أهل السنة والجماعة ويدرسونها لطلاب
الأزهر حتى اليوم سنجد أن خاتم النبيين لم يفكر مطلقا في فتح أي بلد ، ولم
يفكر مطلقا في تجييش شعبه لكي يذهب ويقاتل الناس الآمنين في بيوتهم بدعوى
نشر دين الله وهو صاحب الرسالة ، ولكنه عليه الصلاة والسلام ـ رغم أنه
المسئول الأول عن نشر هذا الدين ـ حين فكّر في توصيل دعوة الإسلام للبلاد
الأخرى أرسل رسلا برسالات مختصرة يدعو فيها الملوك والحكام للدخول في
الإسلام ، وكان ينتظر الرد منهم ، وأعتقد أن هذا المنهج الذي اتبعه خاتم
النبيين هو نفس المنهج الذي اتبعه نبي الله سليمان حين أرسل لملكة سبأ
رسالة يدعوها وشعبها لدين الله ، فهذا هو منهج الأنبياء في الدعوة منهج
ينبض بالرقي والتحضر واحترام حقوق الناس ويقدر حياة البشر وهذا هو التطبيق
العملي لقول الله جل وعلا (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي
إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ
فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا
بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ
لَمُسْرِفُونَ)المائدة:32.
ولو رجعنا لبعض الرسائل أو الكتب التي أرسلها خاتم النبيين للملوك والرؤساء نلقي عليها الضوء.
1ـ رسالته إلى هرقل ملك الروم:
بسم
الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام
على من اتبع الهدى، أما بعدك فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلِم تسلم،
أَسْلِمْ يؤتك اللهُ أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأَرِّيسيِّين و
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا
وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).والأريسيون هم
الفلاحون من رعاياه يتحمل إثمهم؛ لأنهم يتبعونه وينقادون إليه.
2ــ رسالته إلى النجاشي ملك الحبشة:
بسم
الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة،
سلمٌ أنت، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام
المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله، وكلمته ألقاها إلى مريم
البتول الطيبة الحصينة، فحملتْ بعيسى، حملته من روحه ونفخه، كما خلق آدم
بيده، ونفخه، وإني أدعوك إلى الهل وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته،
وأن تتبعني، وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي
جعفرًا ونفرًا معه من المسلمين، فأقْرِهم (أي أكرمهم) ودع التجبر، وإني
أدعوك وجنودك إلى الله ـ عز وجل ـ وقد بلغتُ ونصحتُ، فاقبلوا نصحي، والسلام
على من اتبع الهدى.
لماذا
لم يفكر خاتم النبيين في الرد على بعض الملوك الذين رفضوا الدخول في
الإسلام.؟ ، ورفضوا دعوته ، وجهز جيشا وانطلق لقتالهم في عقر دارهم لأنهم
لم يستجيبوا لدعوته إليهم ولم يدخلوا في الإسلام ويؤمنوا برسالته الخاتمة.؟
لأن
خاتم النبيين عليهم جميعا السلام يعلم علم اليقين أن مهمته الأساسية هي
تبليغ الرسالة للناس يقول تعالى (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ)المائدة:99 ، (وَإِنْ
تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ
إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ)العنكبوت:18، وليس مهمته هداية الناس (َليْسَ
عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)البقرة:272 ،
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ
يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)القصص:56،
ولأنه يعلم أن وظيفته تنتهي حين يعلم كل إنسان أن هناك نبي وهناك قرآن
ورسالة خاتمة للعالمين ، وليس من حقه أن يجبر الناس أو يكرههم على الإيمان
به وبرسالته (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي
الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى
يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)يونس:99 لأن هذه هي حقائق القرآن الكريم المطلقة
التي هجرها معظم المسلمين وصدقوا بطولات مزيفة ألصقوها بالإسلام والإسلام
منها بريء.
ورغم
أن هذه كانت أوامر الله جل وعلا في نشر الدعوة بين الناس وتحذيره من
التحسر والحزن على كل من لا يؤمن بالقرآن ، وتنبييه إلى ترك كل من يجادل
وكل من يسخر وكل من يستهزيء بكلام الله وعدم الجلوس معه ، إلا أن الصحابة
حملوا أنفسهم مسئولية فوق طاقة الأنبياء لدرجة جعلتهم حاولوا أكثر من عشر
مرات لكي يفتحوا القسطنطينية ، وقد بدأت المحاولات الجادة في عهد معاوية
ابن أبي سفيان أن بعث بحملتين الأولى عام 49هـ والثانية في عام 56 هـ
وتوالت المحاولات في عهد سليمان ابن عبد الملك في عام 99هـ ، وتوالت
المحاولات حتى وصلت إحدى عشر محاولة لفتح مدينة ، على كل مسلم يسأل نفسه
لماذا كل هذا الإصرار على فتح دولة أو مدينة.؟ رغم أن ربنا جل وعلا قالها
صريحة لخاتم النبيين ما عليك إلا البلاغ ، إنك لا تهدي من أحببت ، وليس
عليك هداهم ، وليس من حققك إكراه الناس على الإيمان ، إذن هؤلاء القادة
كانوا يبحثون عن أمجاد شخصية لا علاقة لها بالإسلام إلا استغلال اسمه فقط.
ومن
المضحكات المبكيات في موضوع الفتوحات أن جيش المسلمين وقادتهم كانوا إذا
انتهوا من احتلال دولة يفرضون عليها جزية سنوية مقابل حمايتهم ، والسؤال
هنا : هل من المعقول والمقبول أن تذهب بجيش تقتحم على الناس حياتهم وتكدر
صفو حياتهم وتنشر الخوف والرعب والفزع بينهم ، ثم تجبرهم على دفع جزية لكي
تحميهم.؟ ممن تحميهم.؟ تحميهم من نفسك ومن جيشك.؟ تحميهم من طموحك الشخصي
في تحقيق بطولات على حساب دين الله جل وعلا .؟
كلمتي الأخيرة
، ووجهة نظري إذا كان ما جاء في كتب السيرة عن كتب ورسائل خاتم النبيين
للملوك والرؤساء صحيحا ، وإذا كان ما فعله الصحابة من فتوحات صحيحا فإن
الصحابة أول من خالفوا السنة وأنكروها ولم يطبقوها ولم يعملوا بما كتبه
خاتم النبيين وخالفوا منهجه في الدعوة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق