إعجـاز الـمـعــاني في الـلـفـظ في الـقـرآني..2..(حـســنـة ، وأحسن)
بداية
لابد ان نفرق بين الخالق العظيم الذي ليس كمثله شيء ، الذي لا يحتاج صاحبة
ولا ولدا ، الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، الذي خلق كل
شيء فقدره تقديرا ، وجعل لهذا الكون ميزانا دقيقا يقيس كل شيء وأي شيء
كبيرا كان أو صغيرا ، حتى لو كان مثقال ذرة فبقدرته جل وعلا يعلمها ويأتي
بها.
وسبحانه
وتعالى حين يريد شيئا أو أمرا فإنما يقول له كن فيكون ، هذا من ناحية
القدرة على الخلق ، ومن ناحية الصفات والمواصفات فإن ما يخلقه ربنا جل وعلا
دائما يكون في أحسن وأبهى صورة ، ويكفي أنه جل وعلا بديع في خلقه فيخلق أي
شيء من العدم ، ودائما وأبدا لا يخلق إلا حسنا أو بمعنى أوضح إنه جل وعلا
يخلق الأحسن والأفضل في كل شيء ، وحين يقول قوله الحق ، وقوله هو أحسن
القول وأصدق القول وأحسن القصص وأحسن الحديث.
فهذا
هو الميزان الإلهي في خلق هذا الكون بكل ما فيه من سموات وأراضين وبحار
وأنهار وبشر وحيوانات وجنات (حدائق) ومتع ونعم سخرها للبشر وزين بها الأرض ،
كل هذه المخلوقات جبلها ربنا جل وعلا بنفس الطريقة وبنفس الميزان الإلهي
في الخلق ورغم كل ما فيها من حسن وجمال إلا انها حتما ستفنى وتذهب إلى
العدم ، ومن المستحيل على جميع البشر أن يخلقوا مثل خلقه جل وعلا وقد
تحداهم ربنا جل وعلا بأنهم لن يستطيعوا لو اجتمعوا أن يخلقوا ذبابة ، وفي
نفس السياق لن يستطيع نفس البشر أن يأتوا بآية واحدة مثل كلام الله جل وعلا
، ورغم ذلك كثير من المسلمين يعتقدون ويؤمنون أن خاتم النبيين كان
يُشـَرّع ويضيف للتشريع الإلهي على الرغم أن ربنا جل وعلا حسم الأمر
وقال(قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا
بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)الإسراء:88، فهي آية حاكمة حاسمة تؤكد أن كل
البشر لو اجتمعوا مع كل الجن لن يأتوا بآية واحدة مثل آيات القرآن.
ــ
ولو بحثنا في القرآن الكريم نقرأ آياته ونتدبر مفرداته ومعاني كلماته سنجد
أن استعمال مفردات (حسنة وحسن وحسنى وأحسن وإحسان) ترتبط ارتباطا وثيقا
ببعضها وتعبر عن سياق قرآني يبين كيفية خلق الكون والإنسان وحيثيات
الاختبار الدنيوي وترشدنا للطريق الأمثل للتعامل بيننا نحن البشر في حياتنا
الدنيا و تعلمنا أن الوحي الإلهي هو أحسن الكلام وأحسن الحديث ، ومطلوب
منا لكي ننجو بأنفسنا أن نؤمن بأحسن وأصدق الحديث وهو القرآن ، وأن نتبع
الأحسن ونقول ونفعل الأحسن في كل شيء ، وفي المقابل سيكون الحساب بأحسن ما
فعلنا وأحسن ما قلنا ، لأن الحسنات هي الوسيلة والطريقة الوحيدة للخلاص من
السيئات ودخول أحسن الجنات .... إلخ.
ــ نبدأ بآيات تتحدث عن خلق الكون وخلق كل شيء وارتباط خلق السموات والأرض بخلق واختبار الإنسان
من
الآيات المحكمة الواضحة التي تبين قانون الخلق العام وأن ربنا جل وعلا قد
أحسن خلق كل شيء قوله تعالى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ
وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ)السجدة:7 ، كما ارتبط خلق السموات
والأرض بمسيرة البشر في الحياة الدنيا ودخولهم امتحانها الذي يفوز فيه من
كان أحسن عملا (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ
أَحْسَنُ عَمَلاً)هود:7 ، ربنا جل وعلا زين الأرض للبشر ليختبرهم أيهم أحسن
عملا (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ
أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)الكهف:7 ، إذن القاعدة الأساسية في الاختبار
الدنيوي هي من سيكون أحسن عملا خلال عمره ، ويتساوى هنا كل البشر ولا
أفضلية لسني على شيعي أو نصراني أو بهائي أو قرآني أو .... أو.... لأن مرجع
كل هذا والحكم فيه لله جل وعلا ، نحن جميعا ندخل الاختبار الدنيوي نتسابق
على فعل الأحسن أو العمل الأحسن أو لنكون ضمن من أحسنوا عملا والحساب
للجميع عند الله ، لأن الخطاب القرآني موجه للبشر جميعا في كل زمان ومكان
حتى تقوم الساعة لأن القرآن نزل للناس كافة.
ــ خـلـق الإنـســان في صـورة حـسـنـة و أحـسـن قــوام مـعـتـدل
يبين
ربنا جل وعلا مراحل خلق الإنسان بأسلوب رائع ومعجز غاية في البساطة
والسهولة والاختصار (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا
الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا
الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ
أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)المؤمنون:14 ، (خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ
بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ
الْمَصِيرُ)التغابن:3 ، (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ قَرَاراً
وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ
مِنْ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ)غافر:64 ، (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ
تَقْوِيمٍ)التين:4.
ـــ بالنسبة لموضوع العقيدة والتشريع والوحي ما هو الأحـسـن.؟
إذا
كان ربنا جل وعلا هو أحسن الخالقين فكيف بنا نعبد أو ندعو غيره إلها
(أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ)الصافات:25، لأنه
جل وعلا ليس كمثله شيء (...لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
البَصِيرُ)الشورى:11 ، وفي آية تربط موضوع العقيدة والعبادة لله واتباع
منهج أو ملة إبراهيم بأن يكمل الإنسان هذا بأن يحسن العمل(وَمَنْ أَحْسَنُ
دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ
مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ
خَلِيلاً)النساء:125، إذن أحسن الناس هو من يسلم وجهه لله وهو محسن ، ومحسن
هنا اسم فاعل وهي صيغة مبالغة لمن يفعل الإحسان.
ــ
أحسن الحديث حديث الله(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً
مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ
رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ
ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ
فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)الزمر:23 ، إذن مهما قرأنا من كتب ومهما قال من قال
وادعى من ادعى أن صحيح البخاري أو غيره من الكتب تكمل القرآن أو تفسر
القرآن فهذا محض كذب وافتراء على الله ، لأن ربنا جل وعلا لا يمكن أن يصف
كتابه وقرآنه بأنه أحسن الحديث وأصدق الحديث وأحسن القصص ، ثم بعد ذلك
يحتاج القرآن للبشر لتفسيره وشرحه وتوضيحه وإكمال النقص فيه ، فهذا اتهام
لرب العزة بالكذب تعالى الله علوا كبيرا عن ذلك ، وكما أن أحسن الحديث حديث
الله فإن الله جل وعلا يقول أصدق الحديث أيضا(اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ
هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ
أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً)النساء:87 ، القرآن هو أحسن القصص (نَحْنُ
نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا
الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ)يوسف:3 ، هذا
فيما يخص العقيدة والإيمان بالله ربا وبالإيمان بقرآنه لأنه أحسن وأصدق
الحديث.
أحسن
القول وأحسن الفعل بالنسبة للبشر في العبادة أو الدعوة إلى دين الله جل
وعلا ، كما كان يفعل خاتم النبيين عليهم السلام ، كان يدعو لدين الله
بالموعظة الحسنة ، ويجادل بالتي هي أحسن(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ
أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)النحل:125، (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ
دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ
الْمُسْلِمِينَ) ، ربنا جل وعلا لم يحدد هذا الأسلوب في الدعوة عبثا ، ولكن
لكي يصلح العلاقات الاجتماعية بين الناس داخل المجتمع الواحد وإنهاء أي
عداوة تعكر صفو الحياة وكل هذا يزول بالكلمة الطيبة والقول الحسن والفعل
الحسن في التعامل مع الناس حتى لو كانوا أعداء ، (وَلا تَسْتَوِي
الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا
الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)فصلت: 33
، 34 وهذه كانت أوامر الله جل وعلا للأنبياء والمرسلين وكانت عقيدتهم
وطريقتهم في الدعوة لدين الله حتى مع الأعداء.
ولو
افترضنا أن بعض تشريعات البشر صحيحة وبعض ما جاء في كتب التراث صحيح ،
ولكن أمامنا القرآن الكريم لا خطأ ولا لبس ولا كذب فيه ، وقد أمرنا ربنا جل
وعلا أن نتبع أحسن القول لأن هذا هو التطبيق العملي لإعمال العقل وهي
فريضة التدبر في القرآن الكريم ، وهنا يجب على كل إنسان أن يفكر في كل كلمة
يسمعها من خطيب أو شيخ أو داعية ويتبع أحسن ما يسمعه ولا يصدق كل الكلام
ويتبع أي شيء بدون تفكير ، ولو فعل فهو بلا عقل ولا هدى (الَّذِينَ
يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ
هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)الزمر:18
لله
جل وعلا أسماء حسنى واضحة محددة في القرآن(اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)طه:8 ، وأمرنا أن ندعوه بها ، وألا نخترع
أسماء أخرى غيرها فهذا إلحاد (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ
بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ)الأعراف:180 ، وفي أي مكان أو زمان تريد أن تدعو الله
فليس أمامك إلا الأسماء الحسنى ، إضافة إلى آداب الدعاء والصلاة أن يكونا
بلا جهر أو تعد (قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا
تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا
تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً)الإسراء:110، حتى حين
نسبحه جل وعلا يكون بذكر الأسماء الحسنى (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ
الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا
فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ْ)الحشر:24.
كان
الكفار حين يسمعون الرسول يقرأ القرآن لا يهتمون ، وكانوا يشككون فيه
ويتهمون الرسول بأنه ساحر ومجنون وكانوا يقولون للمؤمنين أنهم يتبعون رجلا
مسحورا ، وشككوا في البعث (الإسراء:45 : 52 ) ، وفي نهاية الآيات جاء الأمر
لعباد الله أن يقولوا التي هي أحسن وأن يحسنوا الظن بالله جل وعلا وأن
يحذروا الشيطان لأنه عدوهم (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ
لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً)الإسراء:53
المنافقين
بنوا مسجدا لكي يحاربوا الرسول عليه الصلاة والسلام ويكيدوا للإسلام
والمسلمين لنشر الفرقة والفتنة بين المسلمين ، ورغم ذلك حلفوا أنهم يريدون
الحسنى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً
بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ
يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)التوبة:107 ، وهذا نموذج عملي واضح يبين
أن كثيرا من الدعاة وتجار الدين ــ في عصرنا الراهن ــ يحاربون الله وقرآنه
ويكيدون للإسلام والمسلمين ويظنون أنهم يحسنون صنعا.
كيف نجادل أهل الكتاب.؟
هنا
نهي عن جدال أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن مع الإيمان بما انزل إلينا وما
انزل إليهم وأن إلهنا وإلههم واحد (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ
إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ
وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)العنكبوت:46
ـــ
أحسن الحكم هو حكم الله ، ربنا جل وعلا أمر خاتم النبيين عليه السلام أن
يحكم بين الناس بما أنزل الله أي بالقرآن وألا يتبع أهواءهم وحذره منهم أن
يفتنوه عن بعض القرآن ، ولكنهم اعترضوا ولم يعجبهم (وَأَنْ احْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ
بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ
حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)المائدة: 49 ، 50 وهذا هو النموذج والمثال
العملي لتطبيق الشريعة أن يحاول كل إنسان تطبيق ما أنزل الله في كل أمور
وشئون حياته ، ومن يريد فعلا أن يتخذ الرسول الخاتم قدوة وأسوة حسنة فعليه
باتباع القرآن ليعرف كيف كان يتعامل مع الناس وكيف كان يطبق شرع الله
الحقيقي الذي نزل عليه (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ
اللَّهَ كَثِيراً)الأحزاب: 21 ، وحين يحدث خلافا في أمر ما فلابد ان نعود
للقرآن أو الرسول لأن القرآن والرسول بمعنى واحد ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ
مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)البقرة:59 ، الإيمان والعمل الصالح
والصبر من أسباب السعادة والفوز في الدنيا والآخرة (مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ
وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ
ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ)النحل:96 ، 97
الإحسان في العلاقات الإنسانية والاجتماعية
في
مثال يبين أمرا قرآنيا ربانيا لخاتم الأنبياء والمرسلين في كيفية التعامل
مع بني اسرائيل ، بعد أن نقضوا عهدهم مع الله ، وكفروا وحرفوا كلام الله
فأصبحت قلوبهم قاسية ونسوا ما ذكروا به المائدة(12 ، 13) وفي آخر الآية
الثالثة عشر يقول المولى عزل وجل لخاتم النبيين (فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ، يبين ربنا جل وعلا أن
أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ، بينما أقرب الناس مودة
هم النصارى لأن منهم قسيسين ورهبانا آمنوا بالقرآن وكانوا حين يسمعوه تفيض
أعينهم من الدمع لأنهم يعرفون الحق ودعوا الله أن يجعلهم من الشاهدين على
قومهم (المائدة:82 : 84 ) ، وكان جزاؤهم من الله (فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ
بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ)المائدة:85
في
أبسط العلاقات الإنسانية ربنا جل وعلا يأمرنا أن نرد التحية بأحسن منها أو
بمثلها (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا
أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً)النساء:86
ــ
لقد جعل ربنا جل وعلا الإحسان للوالدين أهم الأشياء بعد عبادة الله بلا
شريك (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ
أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا
وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)الإسراء:23 ،والإحسان للوالدين وللتأكيد
على أهميته جعله ربنا جل وعلا مباشرة بعد النهي عن الشرك بالله
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ
ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ
السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ
كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً)النساء:36 ولمزيد من التأكيد في نفس الأمر
بالإحسان للوالدين جعله ربنا جل وعلا إحدى الوصايا في القرآن (الأحقاف:15).
ــ
في العلاقات الزوجية حين يشعر كلا الزوجين باستحالة الاستمرار في عيشة
واحدة ، وبعد الطلاق مرتان يكون التصرف الإنساني الراقي العادل هو فعل أحد
أمرين إما الحياة معا بالمعروف أو الفراق والطلاق بإحسان بلا ظلم ولا قضايا
أو محاكم ، رغم أننا نعيش في مجتمع عربي مسلم إلا أن معظم القضايا التي
تشغل المحاكم هي خلافات زوجية ودعاوى طلاق وخلع وحضانة ونفقات وطاعة يقول
تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ
شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ
خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا
افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)البقرة:229 ،
وكثرة هذه القضايا ليس له إلا تفسير واحد هو أننا أبعد ما يكون عن القرآن
الكريم.
حتى
حين يحدث الطلاق قبل الدخول بالزوجة فهناك نفقة متعة يدفعها الزوج بعد
الطلاق حسب ظروفه المالية(لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ
النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً
وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ
مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ)البقرة236 ، وهنا نجد
أن القرآن دائما يدعو للحفاظ على العلاقات الإنسانية في أحسن صورها حتى
حين يحدث الانفصال بين الزوجين ، فأين نحن من هذا الرقي التشريعي.؟
وبصفة
عامة يأمرنا ربنا جل وعلا أن نقيم العدل والإحسان في حياتنا الدنيا(إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)النحل:90
ربنا
جل وعلا يحب المحسنين الذين ينفقون في سبيل الله (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)البقرة:195 ، حب الله يكون بالإنفاق
في كل الظروف والعفو و تحمل الغيظ والغضب(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي
السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ
النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)آل عمران:134.
وحين
يكون الإنسان أمينا على أموال اليتامى فلابد ان يكون امينا عادلا ينفق
بالعدل وبالتي هي أحسن حتى يكبر اليتيم ويرشد ويأخذ ماله (وَلا تَقْرَبُوا
مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ
أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ
نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا
قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ)الأنعام:152 ، الوفاء بالعهد والقسط في الكيل والميزان (وَلا
تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى
يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ
مَسْئُولاً وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ
الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)الإسراء:34 ، 35
ــ القصاص في القتلى
ربنا
جل وعلا يبين أن القصاص في القتلى لا هزل فيه من قتل يقتل ، إلا إن يعفو
أهل الدم باتباع المعروف وآداء وتسليم الدية بإحسان ، وإلا فالقصاص واجب
التنفيذ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي
الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى
بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ
رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ
أَلِيمٌ)البقرة:178،والكلمة المعزة هنا هي (عُفِيَ) وهي فعل مبني للمجهول
يعود على القاتل ومن عنده القصاص أو الدية ومعناه أن العفو لا دخل للقاتل
فيه فهو أمر يملكه كلية أهل الدم وهم أصحاب القرار فيه بكامل إرادتهم
وحريتهم دون ضغط أو خداع من أحد ، ورغم ذلك من يدعون تطبيق الشريعة حاولوا
إقناع أهالي شهداء الثورة أن يقبلوا الدية من القتلة.
ــ
حين يرتكب الإنسان ذنبا وتكتب عليه سيئات فليس أمامه إلا التوبة وتجديد
الإيمان والعمل الصالح لكي تكتب له حسنات أو يبدل الله هذه السيئات حسنات
(إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً
رَحِيماً)الفرقان:70 ، وفي آية أكثر وضوحا تؤكد أن الحل الوحيد للتخلص من
السيئات هو الإكثار من الصلاة والعبادة من الإنسان نفسه ، ولا مجال هنا
للوساطة بأن يصلي أحد لأحد أو يحج أو يصوم عنه ، فكل إنسان اكتسب إثما
فلابد أن يصلي هو ويتوب هو لكي يمحو بحسناته سيئاته ويبدو أن هذه المسألة
فيها إعجاز معين في تسجيل السيئات والحسنات يخص بصمة كل إنسان فيما يقوم به
من أعمال ، ولا يعلم هذا إلا الله (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ
وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)هود:114
ــ
المحسنين صفة من صفات الرسل والأنبياء والمؤمنين وكل من يسلم وجهه لله ،
وهي صفة تحمل مقاصد ومعان كثيرة وتعود على صاحبها بنعم وفضل كبير من الله
في الدنيا والآخرة نذكر بعضها :ـ
الصفح والعفو (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)المائدة:13
ربنا
جل وعلا يهب المحسنين ذرية صالحة(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ
كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ
دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)الأنعام:84
ربنا
جل وعلا يحب المحسنين(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا
وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)المائدة:93
ربنا
جل وعلا يكون قريبا من المحسنين وهذا فضل لا يدانيه فضل(وَلا تُفْسِدُوا
فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ
رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ)الأعراف:56 ، ربنا جل وعلا
مع الذين يتقون ويحسنون (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا
وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)النحل:128 ، إن أظلم الناس من يفترى على الله
الكذب أو يكذب بالحق القرآني ، بينما من يجاهد في سبيل الله كي يفهم كتاب
الله فإن الله معه (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)العنكبوت:69
القرآن
الكريم كتاب الله يكون هدى ورحمة للمحسنين(الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ
الْحَكِيمِ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) الذين وصفهم القرآن بـ
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ
بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)لقمان:1 : 4
بنا
جل وعلا لا يضيع أجر المحسنين(وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)هود:115، (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي
الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ
نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)يوسف:56 ، وتكرر نفي المعنى في
(يوسف:90 ،
وتكرر
حسن الجزاء والثواب للمحسنين من الناس ، بعض الأنبياء في القرآن الكريم في
مواضع كثيرة منها (الصافات :80 ، 105 ، 110 ، 121 ، 131 ، الزمر:34 ،
الذاريات:16 ، المرسلات:44).
كل
نفس بما كسبت رهينة ومن أحسن فلنفسه ومن أساء فلها ، وحساب المحسن والمسيء
في اليوم الآخر (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ
أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا
وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ
وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً)الإسراء:7 ، لأن الله جل وعلا مالك
كل شيء وسيحاسب كل إنسان بما عمل من سوء أو إحسان (وَلِلَّهِ مَا فِي
السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا
عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)النجم:31
ــ كيف يحاسبنا الله جل وعلا
في
سورة الرعد يؤكد ربنا جل وعلا أن الحسنى هي جزاء الذين استجابوا لربهم
والذين لم يستجيبوا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به وأن
لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم ، كما وصف الذين يعلمون أن القرآن هو الحق
كالمبصر بينما من يكذب به مثل الأعمى (الرعد ـ 18 : 20) ، ثم يبين ربنا جل
وعلا ماذا فعل الذين آمنوا بالقرآن من صلة الرحم وخشية الله وخوف الحساب
وصبروا ابتغاء وجه الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا سرا وعلنا وقابلوا السيئة
بالحسنة (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ
وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ وَالَّذِينَ
صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا
مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ
السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ)الرعد:21 ، 22
ربنا
جل وعلا لا يضيع أجر من أحسن عملا (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً)الكهف:30 ،
ومن رحمة الله بهم سيكفر عنهم سيئاتهم ويحاسبهم على أحسن أعمالهم
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ
سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا
يَعْمَلُونَ)العنكبوت:7 ، إذن حتى أهل الجنة سيكون عليهم سيئات وذنوب ولكن
ربنا جل وعلا سيغفر لهم ، ويبين الله ويؤكد لخاتم النبيين أنه ميت مثل
أعداءه من الكفار المكذبين ، أن أشد الناس ظلما من كذب على الله وكذب
بالصدق لما جاءه(الزمر :30 : 32) ، ثم يبين ربنا جل وعلا جزاء من جاء
بالصدق وصدق به وكان من المتقين في الآيات التالية (33 ، 34 ، إلى أن يصل
إلى قوله تعال (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا
وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا
يَعْمَلُونَ)الزمر:35 ، إذن بعض أصحاب الجنة قد يكون فعل ذنبا أو سيئة ولكن
برحمة الله ومغفرته يعفو عنهم ويكفر عنهم حين يبادر بالتوبة مبكرا حين
يبلغ أشده في سن الأربعين ويعترف بذنبه ويطلب الصلاح والهدى من الله له
ولذريته من بعدها (الأحقاف : 15) ،وهذه التوبة المبكرة تمنح صاحبها أفضلية
عند الله جل وعلا يقول تعالى (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ
أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ
الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)الأحقاف:16
الذين
ظلموا وتم اضطهادهم وأجبروا على الهجرة يقول عنهم رب العزة(وَالَّذِينَ
هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي
الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ)النحل:41
من يعمل سيئة تكتب له سيئة ، لكن من يعمل حسنة فله خير منها(مَنْ جَاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا
يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ)القصص:84
ربنا
لا يظلم بل يضاعف الحسنات(إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً
عَظِيماً)النساء:40
وقد
يضاعف الحسنة لعشرة أضعاف(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا
وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)الأنعام:160
من
جاء بالحسنة لا يأخذ خير منها فحسب بل هو آمن من فزع يوم القيامة(مَنْ
جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ
آمِنُونَ)النمل:89
من
رحمة الله التي وسعت كل شيء أنه يحاسب المسيء بما فعل فقط دون زيادة ،
بينما يحاسب الذين أحسنوا بالحسنى(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا
فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ
الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)النجم:31
(أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً)الفرقان:24
وآخر
الكلام يضع ربنا جل وعلا قاعدة قرآنية معجزة يؤكد فيها أن الجزاء من جنس
العمل ، وأن الإحسان هو الجزاء الطبيعي لمن أحسن وأن النجاح في اختبار
الدنيا ليس سهلا ، وأننا خلقنا جميعا لنتسابق أينا أحسن عملا ، ولم يخلقنا
ربنا جل وعلا عبثا.
وخير الكلام (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ)الرحمن:60
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق