الأسـباب المـنـطـقـيـة لـلانـتـخــابـات
الـرئـاســيـة
منذ يوم التنحي والنظام البائد يفهم تماما
كيف يتعامل مع الثورة المصرية حين يتفق الجميع على هدف واحد أو حين يفيض الكيل
بالناس أو القوى الثورية ، فيكون الحل باختلاق أي حادثة أو كارثة أو إجراء استفتاءات
أو انتخابات تؤدي هدفا استراتيجيا وقتيا مرحليا يُقصد منه اكتساب مزيد من الوقت وتشتيت
الرأي العام وصناعة خلافات وانقسامات بين القوى الثورية والوطنية وتضليل الرأي
العام ، لأن النظام البائد الذي يدير الثورة المضادة يعلم تماما أن نهايته
الحقيقية حين يجتمع أبناء هذا الوطن على قلب رجل وحين تتوحد أهدافهم ومطالبهم ويقفوا
جميعا في صف واحد مدافعين عن ثورتهم ومُصرين على تحقيق مطالبهم ، كما حدث لأول مرة
منذ عقود خلال ثمانية عشر يوما في بداية الثورة التي أبهرت العالم كله وكانت سببا
حقيقيا أجبر النظام البائد أن ينزوي (مؤقتا) أو يتنحى جانبا من المشهد السياسي في
مصر ، لكنه مازال يتحكم في خيوط اللعبة من وراء ستار.
تكرر هذا العمل المضاد للثورة عدة مرات في
عام ونصف ورغم ذلك لم تفطن القوى الثورية لهذه الخدعة وهذا المطب السياسي الماكر ،
وكانت بداية التشتت والانقسام في 19 مارس /2011م باستفتاء (نعـم ، لا) ، ثم معركة
الدستور أولا أو الانتخابات اولا ، ثم انتخابات البرلمان أولا أو الرئاسة أولا ،
ثم الخلاف على اللجنة التأسيسية التي ستقوم بكتابة الدستور ، وأثناء كل هذه
الخلافات تم اختلاق أحداث مروعة قُـتل فيها خيرة شباب مصر لكي يخاف الثوار وتنفض
الثورة ولا تكتمل أهدافها ولا يتحقق أي مطلب من مطالبها ، وكل هذا الكُـفر السياسي
صاحبه حالة من العُـهر الأمني المتعمد لكي يُجبروا الشعب المصري على التحسر على
أيام المخلوع ، والشيء بالشيء يذكر فقد طغى هؤلاء الفاسدون في الترويع والترويج
لمسألة الانفلات الأمني مستغلين الإعلام الفاسد وهي طريقة حقيرة هدفها اختزال جميع
مطالب الثورة في تحقيق مطلب واحد وهو الأمن ، وهي خطة مدروسة هدفها الحقيقي أن
يتنازل الشعب المصري كله عن كل آماله في العيش والحرية والعدالة والكرامة
الإنسانية ليصبح كل أمله في الحياة أن يعيش في أمان ، وهي خطوات تُسهل المـأمورية
على الرئيس الفُـلولي القادم لأنه حين يحقق الأمن سيكون وعـد فأوفى عند بعض
المصريين المغيبين ، ومن يثور بعدها ويذهب إلى الميدان فهو الجاني على نفسه.
وأعتقد أن انتخابات الرئاسة الحالية هي جزء
أصيل من هذا المسلسل الذي يقوم به النظام البائد لكي يجدد حالة التشتت والانقسام والخلاف
في الشارع السياسي المصري ، ولكي يحتدم الصراع والخلاف بين القوى الثورية والوطنية
، وبدلا من التوحد والاتفاق على هدف واحد مشترك يجمعهم وهذا هو مكمن الخوف
والخطورة على الثورة المضادة ، وقد حدث بالفعل ونجحت انتخابات الرئاسة حتى الآن في
صناعة انقسام كبير جدا وتشتت وخلاف كما حدث من قبل وكأننا نعيش أياما وأحداثا متكررة.
لكنى أظن أن جماعة الاخوان تساهم بقدر كبير
جدا في عملية إفشال الثورة وهذه وجهة نظر قد تُغضب البعض خصوصا من يعتقدون أن
جماعة الاخوان هي التي حَـمَـت الثورة كما بدأ يُقال بعد الجولة الأولى من انتخابات
الرئاسة وهذه إحدى العجائب أن يقال أن جماعة الاخوان هي من حَمَت الثورة ، ولكن من
المنطق ومن الإنصاف أن نقول أن جماعة الاخوان خطفت الثورة.
كيف تساهم جماعة الاخوان في إفشال
الثورة وقتلها وتفريغها من مضمونها لصالح النظام البائد.؟
منذ شهور أعلن قادة الجماعة أنهم لن يفكروا
نهائيا في طرح مرشحا للرئاسة ، وخالفوا هذا وقدموا الشاطر ، وبعد استبعاده ظهر
مرسي ، بالإضافة لمسلسل أبو الفتوح الذي بدأ مبكرا لكي يضرب الثورة في مقتل ،
فأظهروا أن أبو الفتوح منشق عن الجماعة لأنه يطالب بدولة مدنية وأن له توجهات
تخالف مشروع الجماعة الاسلامي في حكم مصر ، وبناء عليه تم إيهام وخداع الناس أن
أبو الفتوح مرشح الثورة لأنه شخصية ليبرالية مدنية ثورية وهذا يَضُر الثورة حسب
وجهة نظري لأن الأصوات التي حصل عليها أبو الفتوح معظم أصحابها نظروا له على أنه
مرشح الثورة ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ظهور العـوا ــ (كمرشح مدني ظاهريا) ــ
في السباق أدى بدوره لتقليص عدد الأصوات التي حصل عليها مرشح الثورة الحقيقي ، وفوق
كل هذا مرشح الاخوان الرسمي أدى إلى انقسام كبير جدا وهذه هي أكبر ضربة للثورة لأن
أنصار مرسي لو التفوا جميعا حول مرشح الثورة الحقيقي وهم ملايين الأصوات لاختلف
المشهد تماما ، لماذا أقول هذا الكلام ، لأن الثورة المصرية لو طرحت مرشحا واحدا مثل
حمدين صباحي لا يختلف عليه جميع أطياف العمل السياسي الثوري من اليمين إلى اليسار وهو
شخص غير مرفوض من جميع التيارات الدينية الأخرى ولا يجدون أي غضاضة في التصويت له إلا
في حالة عدم وجود مرشح ينتمي للتيار الديني.
كل هذه الأمور وضعت الثورة في مواجهة عـدة
قوى تتصارع وبالتالي أصبح حمدين صباحي في صراع سياسي مع (مرسي وابو الفتوح والعوا)
من جهة ، ومن جهة أخرى مع (شفيق وموسى) ، وأعتقد أن هذا السجال جاء في مصلحة شفيق
لأنه تم تشتيت وتفريق القوة الثورية بدلا من التوحد والالتفاف حول مرشح واحد وهذا هو ما يبحث عنه تماما شفيق وكل
الأجهزة التي تقف خلف ترشيحه كرئيس لمصر ، ولو كنت مخطئا فلنفكر معا في المشهد
السياسي بصورة مختلفة عما حدث (ماذا لو خاض صباحي وحده هذه الانتخابات أمام شفيق
أو حتى عشرة من المرشحين الممثلين للنظام السابق ، وتوحدت خلفه جميع القوى
الثورية.؟) ، وسؤال آخر: ماذا لو عاشت مصر هذه الثورة منذ البداية بدون وجود
التيارات الدينية بكل أشكالها ، وخاض الثوار العملية السياسية منذ البداية وجها
لوجه مع النظام البائد.؟. أظن أن الوضع كان سيمر بسهولة دون خلافات أو انقسامات ،
لأن النظام البائد حينئذ لن يجد أي فصيل يتفق معه ضد الثورة والشعب كما حدث مع
الاخوان.
أعتقد أن جماعة الاخوان خدمت النظام البائد
في صورة (أحمد شفيق) أضعاف أضعاف خدمتها للثورة والثوار ، هذا إذا كانت فعلا خدمت
الثورة ولم تترك الثوار يقتلون في الشوارع وانهالوا تصفيقا لمصطفى بكري حين سبّ
الثوار والبرادعي تحت قبة البرلمان ، وحين ثاروا على الميدان بعد أن وضعهم أغلبية
في البرلمان.
أظن أن الانتخابات الرئاسية هي عملية سياسية
مدروسة ستنتهي صلاحيتها بعد شهور قليلة ليتم الدخول في عملية أخرى ، ومن وجهة نظري
أتوقع أن هذه العلمية لها عدة فوائد:
ــ لا نستبعد أن يكون تولى شفيق منصب الرئيس
هو مسألة وقتية لتنفيذ أجندة محددة كما حدث خلال 38 يوم مدة توليه منصب رئيس
الوزراء أثناء الثورة.
ــ نجاح احمد شفيق في الاعادة ، وأول قرار
جمهوري له هو العفو عن مبارك قبل أن يصدر حكم الدستورية العليا بإلغاء انتخابات الرئاسة
وإعادتها من جديد هذا لو لم يحصل مبارك على براءة من المحكمة.
ــ وبما أن الرئيس سيحكم بدون دستور ، وبما
أن المجلس العسكري هو صاحب السلطة فمن الطبيعي جدا أن يتم حل مجلسي الشعب والشورى
، ومن الممكن أن تحدث حملة اعتقالات موسعة لقيادات الاخوان إن لزم الأمر.
ــ الاخوان بفعلتهم هذه واستمرارهم في حشد
الملايين من المغيبين ـ سياسيا ـ الذين يتعاملون مع قادة الجماعة على أنهم أنبياء
الله يساهمون في تفريغ شحنات وطاقات هذه الحشود حين يرسب مرسي في النهاية وسيكون
الرد عليهم من قاداتهم بسيط جدا (قدر الله وما شاء فعل).
ــ لكن هؤلاء القادة لا يدركون خطورة ما
يفعلون وخطورة اللحظة التي يعيشها الشعب المصري كله وحالة الغليان والفوران التي
اختلطت بدماء الشباب ولن تهدأ بسهولة ، ومن المتوقع عند صعود شفيق ورسوب مرسي أن
يحدث صدام كارثي بين حشود التيارات الدينية التي تتعامل مع القادة بمبدأ السمع
والطاعة ولا يدركون اللعبة والخدعة التي يلعبها قادتهم وشيوخهم وكبراءهم ضد مصر
وضد ثورتها العظيمة.
ــ المشكلة الكبرى أن الجميع تناسوا التاريخ (السياسي)
الفاشل الذي جمع بين العسكر والاخوان نسوا تاريخهم مع الملك وعبد الناصر والسادات ،
واليوم يقعون مع العسكر في خطيئة جديدة لا نعلم عواقبها.
ولكن أعتقد أن كل هذا العبث بمصر هدفه
المنشود هو قتل الثورة وتعطيل عملية التحول الديمقراطي في مصر ودخول مصر في نفق
مظلم من الفتن الداخلية والصراعات أو المواجهة بين العسكر والملايين من أنصار التيارات
الدينية وبكل أسف وأسى يلعب الاخوان والسلفيون دورا بارعا في هذه اللعبة لأنهم ضد
الثورة وضد التحول الديمقراطي في مصر وضد بناء دولة مصرية حقيقية قوية مدنية
ليبرالية يتمتع فيها جميع المصريين بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية ، بعد القضاء
على الفقر والجهل والمرض ، وهذا ما لا يتمناه الاخوان لأنهم يستمتعون وينعمون بالعيش
في أي مجتمع يعج بالفقر والجهل والمرض حتى يجدوا ملايين من الضعفاء يستغلونهم في
العمل السياسي والحشد لدولتهم التي يحلمون بها ، وهنا لا أجد فرقا جوهريا بين
سياسة الاستبداد العسكري والاستبداد الديني فكلاهما يهتم بصناعة الفقر والجهل
والمرض لأن هذا الثالوث الخطير هو أهم مقومات النجاح في العمل السياسي لكل مستبد
عسكري أو ديني.
أتمنى أن يخيب ظني في السلفيين والاخوان
وينجحـوا في إصلاح هذا البلد بالقضاء على الفقر والجهل والمرض
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق