السبت، 30 يوليو 2011

الهوية المصرية في خطر

الهوية المصرية في خطر



من حق الثوار بكل ألوان طيفهم أن يرفعوا لافتات أو ينطقوا بهتافات أو يكتبوا شعارات ، وليس من حق أي فصيل أن يقصي الآخر ، لكن بشرط أن تكون هذه الشعارات واللافتات والهتافات سياسية لا دينية ، لأن الثورة هي تجسيد لموقف الشعب المصري من سياسة الدولة وسياسة النظام السابق الفاسدة التي تم عن طريقها تخريب الاقتصاد المصري ، وتخريب وتجريف العقول وسلب ونهب مقدرات الوطن وإفساد الحياة السياسية في مصر ، وكل هذه الأسباب وغيرها كانت سببا في انفجار هذه الثورة المصرية العظيمة ، ولا يمكن على الاطلاق أن يدّعي البعض أن الثورة قامت لأن مبارك المخلوع كان لا يحافظ على صلاة الفجر في جماعة ، أو لأن العادلي كان يحف اللحية والشارب ولا يتركهما حرصا على تطبيق الشريعة السنية ، لابد أن يتذكر الجميع أن الثورة قامت لإصلاح الفساد السياسي والاجتماعي والثقافي وكانت المطالب واضحة وضوح الشمس (كرامة عيش حرية عدالة اجتماعية).

من الطبيعي جدا أن مصر كدولة لها تاريخها الطويل وحضارتها العريقة والعتيقة أن تكون لها هوية وثقافة مستقلة عن باقي دول العالم ، وخصوصا الدول العربية ، وهذه الهوية لا نقصد بها إلغاء الدين على الإطلاق ـ كما يمكن أن يفسر هذا أرباب التيارات الدينية ـ ويتهمونا بالكفر ، ولكن الهوية المصرية هي حالة ونمط وكيان وصفات وسلوكيات وعلاقات ومواصفات اجتماعية داخلية تشكل ملامح المجتمع المصري ، و تجعله فعلا مغايرا تماما عن جميع البلاد العربية ، ويعلم هذا جميع سكان الوطن العربي ، حتى على مستوى التدين فإن التاريخ يقول أن مصر ظلت تتميز بالتدين الوسطي المعتدل ــ حتى وإن كان مخالفا لدين الإسلام ــ كما هو الحال مع التصوف السني ، وكان غريبا علي التدين المصري أي ملمح من ملامح التطرف أو العنف أو التعصب أو فرض الدين على الناس كما حدث منذ بدأ الغزو الوهابي لمصر وبدأت ملامح الهوية والشخصية المصرية تتأثر بهذا الغزو والمد الوهابي السعودي حيث ظهر المتعصبون والمتطرفون ، وما دفعني لكتابة هذا المقال أمرين:

الأمر الأول :ــ حدث منذ ما يقرب من خمسة عشر يوما ــ حين سافر المواطن المصري (محمد حسان) إلى الدولة السعودية ، وقد قرر نيابة عن الشعب المصري كله ، دون أن يستشير هذا الشعب عن نيته أنه سيناقش مع شيوخ المذهب السلفي تطبيق الشريعة الإسلامية وتفعيل الدستور الإسلامي في مصر ، ومن هؤلاء الشيوخ د / سليمان عودة
هذا باختصار هو محور الموضوع الأول ::

التفاصيل :

تعريف بالمواطن المصري (محمد حسان) هو الداعية السلفي (محمد حسان) ، ونعته بالمواطن المصري هو شرف له ولأي إنسان ، لأنه من وجهة نظري أن مصر هي أفضل بلاد الدنيا ، ليس هذا فحسب بل إن مصر أقدم دولة في التاريخ ، ودولة بهذا الحجم لا يجوز لمواطن أن يتحدث باسمها ، متجاهلا ملايين المصريين ، وهذا الأمر مرفوض إذا تم في إطار العمل سياسي ، كما حاول بعض أعداء الثورة تشويه صورة الثوار في التحرير واتهامهم بأنهم قلة ولا يمثلون الشعب المصري وأخذوا عليهم أنهم أخطأوا حين تحدثوا باسم الشعب المصري ، وهم ألوف عدة (على الرغم أنهم تحدثوا في أمور سياسية) ، فهل من حق المواطن محمد حسان أن يذهب للدولة السعودية ويعلن أنه سيناقش تطبيق الشريعة الإسلامية وتفعيل الدستور الإسلامي في مصر نيابة عن الشعب المصري كله.؟

ما هي الصفة الرسمية للمواطن المصري محمد حسان لكي يتحدث باسم المصريين بهذه البساطة وهذه السهولة دون أن يحاسبه أحد.؟ ، وهل مصر دولة كافرة ودستورها دستور يدعو للكفر.؟ حتى يناقش محمد حسان تطبيق الشريعة الإسلامية وتفعيل الدستور الإسلامي في مصر الآن.؟ نريد إجابات من كل مسئول في مصر سواء كان من المجلس العسكري أو الحكومة ، ولماذا التهاون والسكوت مع تصرف مثل هذا.؟.

من الذي فوض المواطن محمد حسان لكي يناقش نيابة عن المصريين مسائل تخص تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر.؟ ، وهل مصر بلا إسلام .؟ ومنتظرة لكي يقوم هذا الرجل بتطبيق الشريعة الإسلامية الآن.؟

أعتقد أن مسئولية هذا تقع على عاتق المجلس العسكري والحكومة الحالية والأزهر ، لأنهم سكتوا ولم يحققوا في هذا الأمر ، ومر عليهم مرور الكرام ، وعلى النقيض تماما يتعاملون مع ثوار التحرير على أنهم قلة ولا يمثلون الشعب المصري ، بينما سمحوا لمواطن مصري واحد أن يتحدث باسم المصريين أقباط ومسلمين ، دون تعليق أو تحقيق ، ويبدو أن الدولة السعودية لا زالت مسيطرة على أمور كثيرة في مصر.

الأمر الثاني:ــ هو ما حدث في ميدان التحرير اليوم الجمعة التاسع والعشرين من يوليو ، حيث تم نقض عهد الثورة وتبديل المطالب وتغيير الهتافات ، حتى الأعلام فقد طغى العلم السعودي على علم مصر ، وهنا مكمن الخطورة على الهوية المصرية وعلى الوطنية المصرية الحقيقية ، طبعا سوف يقول قائل ما الضرر في علم مكتوب عليه لا إله إلا الله .؟ أقول لا ضرر في لا إله إلا الله ، وإنما هذا تلاعب بعقول الناس واستغلال الدين استغلال رخيص جدا وغير مقبول وكتابة لا إله إلا الله على العلم المصري هو أيضا ضمن هذه الخطة لكي يعلق أو يرفض أو يغضب البعض ، وهنا تكون فرصتهم فيقولون (أنتم ترفضون لا إله إلا الله) ، هذه التيارات الدينية أدمنت خلط الدين بالسياسة حسب أمزجتهم وأهواءهم ومصالحهم ، فهم من كانوا يرفضون التظاهرات والخروج على الحاكم ومن ينتقدون الاخوان لأنهم يشاركون في العمل السياسي ، لكن اليوم لاحت الفرصة لفرد العضلات وتوصيل رسالة محددة مقصودة ومدبرة ، والضحية هنا هي الهوية المصرية ، ظهرت مصر اليوم وكأنها إمارة سعودية ، بداية من الهتافات التي قالت بوضوح (المشير هو الأمير) و (إسلامية إسلامية) و( ارفع راسك فوق انت مسلم) و( الشعب يريد تطبيق شرع الله) وانتهاء برفع العلم السعودي و علم مصر الذي كتب عليه لا إله إلا الله ، ونكرر لسنا ضد لا إله إلا الله ، ولكننا ضد انتهاك حرمة الوطن ، وضد تشويه الهوية المصرية وضد سرقة الثورة المصرية التي ضحى من أجلها ألف شهيد وألف مفقود وألف فقدوا أعينهم وخمسة آلاف مصاب ، وضد أي مخلوق بشري يستغل دين الإسلام لكي يركب ظهورنا ويضحك على البسطاء منا لكي يحصد مكاسب سياسية ، ثم يحكمنا باسم الدين.

الهوية المصرية ، الدولة المصرية ، الثورة المصرية في خطر ، ومن ملامح الخطورة أن يقال في ميدان روكسي تعقيبا على ما حدث اليوم في ميدان التحرير أن هذا ما كنا نريده ، وما كنا نتمناه ، وبدى ثوار التحرير وكأنهم جناه ومخطئون ومخربون ومحاصرون من كل حدب وصوب ، فقد اتهمهم المجلس العسكري في أمانتهم وشرفهم بتهم الخيانة والتمويل ، واتهمهم أرباب التيارات الدينية بأنهم ليبراليون وعلمانيون ودعاة دولة مدنية وأنهم ضد الإسلام لأنهم يرفضون رفع شعارات دينية ، واتهمهم أهل روكسي بأنهم يعطلون عجلة الانتاج ، وهذا الحصار هو أكبر خطر على مصر وعلى المصريين ، فبالرغم من خوفي من التيارات الدينية على هويتنا المصرية ، إلا أن خوفي تضاعف ، لأن الشكل العام يقول أن حصار الثوار بهذا الشكل ومحاولة إقناع الأغلبية الصامتة ـ التي ظهرت فجأة ـ أنهم خطر بحيث يتم حشدهم وتجنيدهم فكريا وسياسيا ضد الثوار ، ولا يدرك الجميع أن هناك خطة واضحة لمحو الهوية المصرية من العقول ، وصبغ الشعب المصري بصبغة مختلفة وثقافة دخيلة لم يعهدها من قبل ، ظهرت ملامحها الحقيقية اليوم الجمعة 29يوليو في ميدان التحرير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق