الـفـارق بيــن مـنـهـجـيــن
:
أعتقد أن مصر والمنطقة العربية كلها تمر
بمرحلة خطيرة وصعبة وحساسة ونحن في حاجة لإيقاظ الوعي الجمعي العام عند العرب
جميعا حتى يفطنوا وينتبهوا جيدا أنهم غارقون في غيبوبة منغمسون في صراع بلا هدف
وبلا قيمة يصب في مصلحة الاستبداد والفساد يساهم بشكل كبير في استمرار المنطقة تحت
حكم وسيطرة مجموعة من الفاسدين والمجرمين ومصاصي الدماء والمتاجرين بالدين ، وهذه
الأنظمة الفاسدة تعيش وتستمد قوتها من دماء الشعوب العربية الغافلة التي فقدت
الوجهة الصحيحة للنضال ، فقدت الاتجاه السليم
لتوجيه الغضب والاعتراض وستظل هذه الشعوب تعانى المرار و الفقر والجهل
والمرض ونزف الدم طالما جهلوا عدوهم الحقيقي الذي صنع لهم هذا الوهم الذي جعلهم
يتقاتلون وعدوهم ــ بجهلهم وحنقهم وغفلتهم عن التفكير في حقوقهم ــ سعيد ومفتون.
باختصار أقدم منهجين للمواطن العربي
يختار بينهما لكي يتعلم من أخطائه ويصحو من سباته الطويل وينتفض ويتخلص من سيطرة
القيود على عقله ويتحرر فيصنع مصيره بنفسه وبكامل إرداته.
المنهج الأول :ــ
ليس في ثقافته وأدبياته أصلا أن من حقك
أن تفكر وليس من حقك تختار ، ولذلك لا يترك لك أي فرصة لهذا التفكير أو الاختيار ،
بل يفرض فكره ورأيه ووجهة نظره عليك لأنه يؤمن إيمانا قطعيا انه على الحق والجميع
ــ وأنت أولهم ــ على الباطل وأنه يجب عليك أن تتبع فكره وفهمه هو ووجهة نظره هو لأنه
على الحق وأنه يدعوك لاتباع هذا الحق وأنه مسئول عنك وأنه يملك الوصاية عليك بأمر
من السماء ، يعطيك كتبا يعطيك خطبا يعطيك شرائط مسجلة ، يدعوك لندوات لمؤتمرات
لمناظرات ، لا يعطيك أي فرصة للرد على كلامه ويغلق في وجهك كل الأبواب التي تحاول
من خلالها تحرير عقلك للبحث والتفكير في كلامه ، فحين تقول له أن فلان يقول كذا
وكذا ، عكس ما تقولون يقول لك فلان هذا كافر وضلالي ولا تقرأ لهم ولا تستمع
لكلامهم لأنهم سيضلوك وستدخل النار بسببهم ، دعك منهم لو كنت تريد إرضاء ربك جل
وعلا ، وفي المقابل يصور لك بعض الأشخاص (الدعاة والمشايخ) الذين يؤمن بهم على
أنهم ملائكة فوق مستوى البشر وأنهم لا يخطئون ولا يقولون إلا صدقا وحقا ويجب عليك
أن تتبع وتؤمن بما يقولون لأن هذا هو الحق وما دونه هو الباطل ، لا يعتبرون رأيهم
وفكرهم واجتهادهم عملا بشريا يقبل الخطأ قبل الصواب ، ورغم ذلك يفرضونه على الناس
ويقدمونه على أنه الإسلام الصحيح من اتبعه فاز ومن رفضه خسر.
إذا اقتنعت به وبكلامه وفكره ورأيه
ومنهجه في فهم الدين أصبحت من المقربين والأحبة ، ولو حدث العكس ستكون من المقصرين
المفرطين في دينهم والرافضين السير في طريق الصلاح والهدى ، هم أدمنوا امتلاك
الناس ، تربوا على حب السيطرة على الوعي الجمعي في المجتمع ، لأن فكرتهم مبنية على
تحويلك أن وغيرك إلى قطيع لا رأي ولا وجهة نظر لكم وليس من حقكم التفكير في أبسط
الأمور الحياتية ، حتى صنعوا منكم أناسا لا يستطيعون التفكير بل يخافون من إعمال
العقل ولهذا السبب تجد نفسك دائما مضطرا للسؤال واستفتاء أحدهم في أتفه الأمور ولا
يخفى على أحد عدد الفتاوى التي تصل دار الإفتاء كل عام ، ناهيك عن الفتاوى والسؤال
في الفضائيات كل يوم وكل ساعة.
من مصلحة هذا المنهج أن يتحول المجتمع
إلى مجموعة من المغيبين والمعطلين عقليا وفكريا حتى لا يعطيك فرصة للتفكير في
حقوقك في المجتمع ليكون من السهل على أي حاكم مهما كان فاشلا وفاسدا ومتخلفا أن
يسيطر عليك ولا تملك ثقافة الاعتراض عليه ، ولا تستطيع اكتشاف أو رؤية أو مناقشة
فساده وفشله ، بل يعطون هذا الحاكم الفاسد الحق في قتلك وقتما شاء ، يعطون هذا
الحاكم الحق في البقاء على سدة الحكم مهما كان فاسدا مجرما ويسولون له كل هذا
بروايات ظنية تسول لهذا الحكام سجنك وقمعك وقتلك إن لزم الأمر فهم يؤمنون بــ ( من
حق الحاكم قتل ثلث الرعية لإصلاح حال الثلثين) ، ( حاكم غشوم خير من فتنة تدوم) ،
( لا يجوز الخروج على الحاكم المسلم وإن كان ظالما فاسدا) هو يروجون لكل هذا
ويؤمنون به ويحاولون إقناعك به على أنه صحيح الدين ، فهم يستغلون الدين لتحويلك
لأداة لوجودهم وتقديسهم وأداة تخدم السلطان ، وتتعاقب الأجيال جيلا بعد جيل في
خدمة السلطان وعدم الخروج عليه مهما كان فاسدا ، والأكثر من هذا يبيحون لهذا
الفاسد قتل جزء من الشعب حين يرى في هذا القتل صلاحا للباقين.
هذا المنهج يبدأ سليما بالكلمة
والموعظة الحسنة طالما لم تعترض عليه أو تناقشه ، أو تتوقف مع كل كلمة تسمعها ،
لكن عند اللزوم يتحول الأمر لحرب بين طرفين أحدهما مسلم يرى نفسه مدافعا عن الدين
ويرى الأخر كافر عدو الله وعدو الدين ، هذا المنهج يخاف أن تكون قارئا مثقفا
متفتحا متدبرا ، يرفض ثقافتك ومعرفتك خارج الحدود التي يرسمها لك هو ، (اقرأ كذا
ولا تقرأ كذا) ، ويحذرك قائلا لو قرأت كذا ستكفر وتضل وتغضب الله ، هو يخاف أن
تقرأ وتفهم وتبحث عن الحقيقة وتقارن بينه وبين غيره فتكشفت جهلهم وكذبهم وخداعهم
وإجرامهم في اعتقالك فكريا في خندق الجهل والتبعية العمياء.
هو منهج لا يفكر في صناعتك أصلا ولا
يخطر بباله كيف تعيش ، هو يريدك دائما على قيد الحياة ليس إلا ، يستعين بك في الانتخابات يتصدق عليك
بالفتات يريدك فقيرا مريضا جاهلا لكى تتلهف للصدقة وترضى بأقل القليل من متع
الحياة ، يقنعك أن الفقر والمرض والجهل اختبار من الله ونعمة وأن المؤمن مصاب
والمؤمن كثير الابتلاء.
هذا المنهج يجعل كل شيء في الحياة حرام
وفسق وفجور حتى تختزل طموحاتك وتطلعاتك داخل حدود وسور وسجن من صنعهم هم ، يحرموك
من متع الحياة لأنهم يعلمون خطورة أن تكون إنسان يفكر ويتأمل ويفهم ويتدبر ، هم
يريدونك شبه إنسان لخدمتهم والاعتماد عليك طوال الوقت.
صنفوك وقسموك إلى مذاهب وفرق وطوائف
وشغلوك عن التفكير في حقوقك وشغلوك أكثر وأكثر عن التمتع بنعم الله فتنتهي حياتك
وأنت مشغول طوال الوقت بالطائفية والتطاحن مع الآخرين والحقد عليهم حولوا وغيروا
بصلة جهازك العصبي نحو إنسان مثلك مظلوم مخدوع بمنهج لا يختلف كثيرا عن منهجهم ، وكلاكما
يصب جام غضبه على الأخر بدلا من التعاون والتفاهم وتحويل بوصلة جهازكم العصبي
الوجهة الصحيح نحو الحاكم الفاسد نحو
التفكير في حقوقكم المنهوبة وكرامتكم
وإنسانيتكم المهانة نحو إصلاح بلدكم نحو إصلاح التعليم نحو بناء نظام صحي على أعلى
المستويات ، فهذا ما يخيفهم ويرعبهم منكم ولذلك فيجب أن تفنى أعماركم داخل حلبة
هذا الصراع الطائفي المصطنع (سني ـ شيعي ـ بهائي ـ مسيحي ـ صوفي ،، ووووو ) وهم يشاهدون هذا الصراع والتقاتل
والتطاحن والتشاظي بمنتهى السعادة والفرح والانبهار بقدرتهم على تحويل ملايين من
الناس إلى مغيبين مغفلين يتم توجيههم بضغطة زر ، يتم توجيههم بخطبة من أحدهم يحض
على الكره والبغض ومزيد من التقاتل والتعصب ونسيان الفساد الطافح الذي نعيش وسنغرق
فيه جميعا ، ونتركه لأولادنا وأحفادنا يعانون ولنا يلعنون.
المنهج الثاني : ـــ
يرفض رفضا تاما عرض أو فرض فكره ورأيه وفهمه
ووجهة نظره ــ للدين ــ على الناس بالقوة ، ويترك لهم حرية الاختيار ويترك لهم الحق
في البحث والاطلاع والمقارنة للوصول بفكرهم المجرد لما يريدون وما يقتنعون بدون تجميل
أو خداع أو تلوين أو مكسبات طعم ورائحة أو وصاية من أحد ، لأنه منهج يؤمن أنه من
صنع البشر وأن رأيه وفهمه واجتهاده عملا بشريا يحتمل الخطأ قبل الصواب ولذلك لا يفرضه
على أحد.
وفوق كل هذا الجهاد السلمي بالكلمة
التي يتزعمها هذا المنهج فهو لا يطمح لأي منصب سياسي ، ولا يفكر في اعتلاء الكرسي
، ولا يخطر بباله مطلقا مطلقا العمل الحزبي ، فهو يقدم ويطرح فكرته ليصنع من الوعي
الجمعي العام عند الناس خبرة وثقافة ونباهة وحصافة وفطانة ورزانة وتعمق وتأمل
وتدبر وتفكر في كل شيء تسمعه أنت أو تقرأه أو تشاهده ، وهذه كلها أوامر الدين
الأصلي التي تحض على القراءة والتدبر وإعمال العقل والبحث بنفسك للسعي في الأرض
والتأمل فيها والتبصر وأخذ العبرة والعظة والموعظة للوصول للحقيقة ، في النهاية هو
منهج يريد صناعة إنسان حقيقي يعرف واجباته تجاه نفسه وتجاه الأخرين وتجاه المجتمع
وتجاه الله جل وعلا قبل أن يفكر في المطالبة بحقوقه ، هو منهج متكامل يساهم في
تحويل الإنسان من كمالة عدد إلى عضو فاعل ومهم في المجتمع ، هو منهج يقدر قيمة كل فرد
مهما كان ويجرم ويحرم قتل النفس ، هو منهج يحميك من النصب والاحتيال باسم الدين
يحميك من استغلالك وسرقة حقوقك والتصدق عليك بالفتات منها ، هو منهج يرفض تحميل
الإنسان (المواطن) مسئولية فشل وظلم الحاكم ولا يبرر أبدا أبدا ظلم الحاكم ولا
يعتبر المواطنين رعية مثل الأغنام ، بل يحرم ويجرم المساس بأي مواطن خارج القانون
، مهما كان مذنبا ، فالقانون هو الفيصل بين الجميع ، القانون على رقاب الجميع
الحاكم قبل المحكوم ، لا يميز بين الناس لا يفضل بعضهم على بعضا الجميع سواسية كل
مواطن يخدم الأخرين في مكان تخصصه.
هذا المنهج لا يسمح أبدا بفكرة اللوبي
أو الكيانات السرية أو المخابراتية ، لأنه لا يُخفي فكرا أو رأيا مهما كان صريحا
أو صادما لأنه لا يبتغى إلا الإصلاح مهما كانت ردود الأفعال غاضبة ورافضة.
المنهج الوحيد الذي (يجعل من الدين)
وسيلة لإصلاح الإنسان وتحقيق كل أحلامه وطموحاته في الحياة بالمحافظة على كرامته وحفظ
حقوقه في كل شيء ، وتحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع ثروات الدولة على المواطنين
، ويرفض رفضا تاما تجميل الفقر والجهل والمرض والبحث عن مبررات له لأن هذا المنهج
هدفه الأساسي المحافظة على الإنسان والبحث عن حقوقه في كل شيء ، أن يكون حرا أن
يحصل على كامل حقوقه من الدولة في العيش بكرامة وعدالة ومساواة بدون تمييز من أي
نوع ، منهج يدعو للتسامح والعفو والصفح والتعاون بين الناس.
وفي الأخير سواء اقتنع الناس بالمنهج أو
الفكر ، أو لم يقتنعوا ورفضوه رفضا تاما فهذا حقهم وهذه حريتهم لأنهم المسئولون عنها
أمام الله ..لأن فكرته الأساسية أن يصنع منهم باحثين عن الحق ، ويخلق منهم أفرادا
يفكرون بعقولهم لكي ينعكس هذا التفكير على جميع مناحي حياتهم الاجتماعية السياسية
الاقتصادية ، ولا يكون من السهل على أي حاكم فاسد استغلالهم وقمعهم وسرقة حقوقهم
باسم الدين.
هذا المنهج يطلب من المواطنين التركيز
على البناء والتعمير وعدم التفكير في عقائد الأخرين أو محاولة فرض وصاية عليهم أو
محاسبتهم فقط التعاون من أجل مصالح مشتركة من أجل بناء دولة حقيقية تستوعب الجميع
توفر للجميع حياة كريمة آدمية تليق بالإنسان نبذ ورفض العنف والتعصب والطائفية
والمذهبية ، لنشر فكرة التقارب بين الناس ، ومبدأ كلنا أصحاب وطن واحد كلنا أصحاب
مصلحة واحدة كلنا أصحاب هدف واحد كلنا شركاء فيما نصنعه في هذا الوطن ، إذا نجحنا
في بناء دولة متقدمة متحضرة متطورة سننعم جميعا ونهنأ بالعيش نحن وأولادنا
وأحفادنا ، ولو سملنا واستسلمنا لما يروجه الأخرون وانشغلنا وانغمسنا في الطائفية
والمذهبية لنقطع أوصال هذا الوطن ونحرقه ونحترق معه ، لأننا في قلب الحدث سنذوق ما
قدمته أيدينا ، وسنترك لأولادنا وأحفادنا ميراثا ثقيلا من الخراب والدمار يجهدهم
ويرهقهم ويضيع اعمارهم لكي يتخلصوا منه وهم يلعنون أسلافنا كل دقيقة وهم يعانون من
هذا الميراث.
إذن أنت أمام أمرين ومنهجين وفكرين وطريقتين
للحياة بدون تسمية أو تصنيف ، يجب عليك أن
تحقق وتدقق وتفهم وتتدبر وتتعقل وتتأمل لا تنساق ولا تنخدع ولا تنبهر بكلام س أو ص
لا تنجذب لمعسول الكلام ، ثم عليك الاختيار دون وصاية من أحد وبكل حرية بعد تفكير
عميق وتركيز دقيق ، وتذكر أن ما تختاره اليوم هو غدك الذي ستتقابل معه قريبا
ومستقبل أولاد وأحفادك القادمون ، أنت دائما في موقف اختبار واختيار لذلك لابد أن
يظل عقلك ووعيك في حالة انتباه وتفكير لا تعطى أي مخلوق الحق في التصرف نيابة عنك
، لا تعطي أي مخلوق الحق في التحدث باسمك لا تعطي أي مخلوق الحق في اقتناص حقك في
الحياة مثله ، يمكنك التصدق بمالك بكل ما تملك من حطام دنيوي كل هذا يمكن تعويضه
لكن أخطر شيء أن تتنازل وتفرط في حريتك في حقك في التفكير و الاختيار فهذا ما يمكن
تعويضه أبدا أبدا وليس لك أي عذر حين تمنح غيرك الحق في التسلط عليك والوصاية عليك
والتفكير والاختيار لك ثم تشتكي سوء الأحوال وقلة ذات اليد والظلم والاضطهاد
والفساد والاستبداد فكل هذا أنت تشارك في صنعه بإرادتك حين تفرط في حقوقك واحدا
تلو الأخر..